الكاتب:
كمال خلف
لماذا نشرت روسيا أنظمة دفاع جوي فوق اسطح مبان حيوية وسط العاصمة موسكو؟. هل تخشى هجمات بالطائرات المسيرة ام تستعد للهجوم الكبير الكاسر لموازين الميدان في أوكرانيا وتتحسب لردود الفعل؟
في تطور لافت نشرت روسيا أنظمة الصواريخ المصممة لاعتراض الطائرات والصواريخ فوق العديد من المباني العسكرية والإدارية ومن بينها وزارة الدفاع في وسط موسكو. وأظهرت مشاهد تركيب نظام صواريخ بانتسير على سطح مبنى من ثمانية طوابق، تستخدمه وزارة الدفاع الروسية على طول نهر موسكفا.
وظهرت في مقطع فيديو آخر لقطات لعملية رفع نظام الدفاع الجوي إلى سطح مبنى تعليمي في منطقة تاجانكا بموسكو القريب من الكرملين.
هذا التطور الهام والنوعي يطرح سؤالا كبيرا عن مغزى وضع روسيا أنظمة دفاع جوية وسط العاصمة وفوق البنايات والمواقع الحساسة؟ وقد نشرت بعض الإجابات في وسائل اعلام غربية عن هذا السؤلات في اطار التحليل والتوقعات، ومنها ما اعتبرته صحيفة “الغارديان” البريطانية تخوف روسي من هجمات بطائرات مسيرة تشنها القوات الأوكرانية على مواقع القرار في روسيا مثل وزارة الدفاع او الكرملين.
لكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح. وماذا لو كانت روسيا تخطط لعملية عسكرية نوعية وخطيرة بل ” كبرى” وكاسرة لموازين الميدان في أوكرانيا، وتستعد لكل الاحتمالات وهذا ما يفرض إجراءات استثنائية ومنها حماية المراكز الحيوية في العاصمة. يعزز هذا الاتجاه معطيات عديدة. أولها التوقيت، حيث تتحدث تقارير متقاطعة من الميدان ان الجيش الاوكراني يعاني من نقص حاد بمخزون السلاح والعتاد. لحظة الوهن هذه أشار اليها وزير الدفاع الأمريكي “لويد اوستن” حين طالب في اجتماع قاعدة رامشتاين شرقي ألمانيا امس نظراءه في حلف الناتو والدول الداعمة لاوكرانيا بعدم الابطاء في وتيرة الدعم للجيش الاوكراني. مع بروز خلافات واضحة حول مسألة ارسال الدبابات وتحديدا الألمانية لجبهات القتال. الجبهة الغربية وعلى راسها الولايات المتحدة لدعم أوكرانيا بدأت تظهر عليها اعراض التصدع، رغم التقارير الغربية التي تتحدث عن خلاف ذلك، وعن ضخ مليارات الدولار لترميم الالة العسكرية الأوكرانية.
وقد تحاول موسكو التقاط اللحظة وتستبق وصول الدعم الغربي بشن هجوم كاسح يغير موازين المعركة بشكل يصعب على الجيش الاوكراني ومعه حلف الناتو إعادة عقارب الساعة الى الوراء. ما يعزز هذه الفرضية ليس فقط وضع روسيا أنظمة دفاع جوي فوق المباني الحساسة في العاصمة موسكو. بل أيضا نشر أنظمة صواريخ طويلة المدى من طراز S-400 في موسكو خلال الأسابيع الأخيرة. اضف لها التهديد الواضح لنائب رئيس مجلس الامن القومي الروسي “ديمتري مدفيدف” عندما قال ان القوى النووية لا تخسر أبدا في صراعات كبرى يتوقف عليها مصيرها”. في تلويح واضح بالسلاح النووي امام القوى الغربية.
الأداء الروسي شهد في الأسابيع الماضية تطورا ملحوظا في جبهات القتال، خاصة بعد اجراء الرئيس الروسي تغيرات هيكيلة في بنية قيادة العمليات العسكرية في أوكرانيا ورفع من مستواها. وباتت قوات “فاغنر” على وشك فرض حصار عملياتي على مدينة أرتميوفسك “باخموت” والتي تعتبر مركز نقل مهم لتزويد القوات الأوكرانية في دونباس، بعد سيطرة القوات الروسية على سوليدار. وتبدو “باخموت” بحكم الساقطة عسكريا من يد القوات الأوكرانية حسب الخبراء العسكريين، وقد نصحت الولايات المتحدة القوات الأوكرانية بالانسحاب من المدنية وعدم جدوى القتال فيها.
واذا كانت روسيا تفكر فعليا وفق المعطيات التي اشرنا اليها انفا بشن هجوم كبير كاسح وكاسر لتوازن الحرب داخل أوكرانيا، فسيكون ذلك وشيكا وقبل حلول الربيع، حيث تفكر الولايات المتحدة وشركائها بإعادة تنظيم صفوف الجيش الاوكراني وشن هجوم منظم في الربيع المقبل جنوبا ومدعوم بدفاع جوي متطور “باتريوت”، ودبابات المانية متطورة “ليوبارد”، ومركبات المشاة “برادلي” وصواريخ ” GLSDB” البعيدة المدى. وهي تحاول الان هيكلة كل ذلك.
لذلك يتوجب على روسيا استباق ترميم الجبهة الأوكرانية المتهالكة وشن هجومها الان، وهذا ما نتوقعه.