الكاتب: هبه بيضون
يعتبر موضوع الحفريات في المسجد الأقصى القديم الحديث موضوعاً خطيراً لما قد يترتب عليه من تبعات، خاصة بعد أن ظهرت آثارها السلبية قبل فترة عندما تساقطت أحجار من الجدار الجنوبي الخارجي للمسجد الأقصى المبارك، باتجاه القصور الأموية، كما أنّ الحفريات امتدت إلى أسفل المسجد الأقصى المبارك من الجهة الجنوبية بحجّة البحث عن آثار تعود لليهود الصهاينة وكذلك الهيكل المزعوم، ولكن، وعلى الرغم من قيام عدد كبير من علماء الآثار- من بينهم يهود- بالحفر والبحث والتنقيب، إلّا أنهم لم يجدوا حجراً واحداً له علاقة بالتاريخ العبري القديم، ولم يجدوا أيّ أثر للهيكل المزعوم، وتمّ إثبات ذلك باستخدام علم الآثار من قبل خبراء أجانب ومن ضمنهم يهود.
لقد كشفت تلك الحفريات، الأساسات التي بني عليها المسجد، بحيث أصبح يبدو وكأنه معلّق بدون أساسات أو استنادات تحمله، وهذا الفعل هو تحضير من قبل دولة الكيان ليكون جاهزاً للانهيار عند أيّ كارثة طبيعية قوية قد تحدث مستقبلاً، كحدوث زلزال مثلاً – لا سمح الله- فهم يراهنون على انهيار المسجد نتيجة لذلك، وبحيث يصبح السبب أمام العالم بأنه انهار جرّاء عوامل طبيعية، كي لا يدينهم أحد ولا يؤلب المجتمع الإسلامي والدولي عليهم.
إنّ ما تقوم به دولة الاحتلال المزعومة، بالإضافة إلى تعريض بنيان المسجد إلى التصدّع ثم الانهيار، هو تدمير للآثار الإسلامية. كما تعتبر هذه الحفريات، إعتداء على الوقف الإسلامي، الأمر الذي يتطلب وقفة من قبل جميع الدول العربية والإسلامية للتصدّي لذلك، من خلال جميع الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الممكنة، وبالذات مناشدة الأردن – صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية - بالتدخل والضغط على الحكومة الإسرائيلية لتتراجع عن اعتداءاتها المستمرة على بؤرة من أقدس بقاع الأرض بالنسبة للمسلمين، خاصة أنّ الخروقات الصهيونية للوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس مستمرة منذ عام 1967 وحتى اليوم.
وبما أنّ المعاهدة الموقعة بين الأردن وإسرائيل (وادي عربة) مسجّلة لدى هيئة الأمم المتحدة، فإنّ ذلك يجعلها اتفاقية دولية من الناحية القانونية، وما جاء ضمن بنودها هو التزام دولي وفق رأي الخبير في القانون الدولي المحامي د. أنيس القاسم، حيث ذكر في المعاهدة ما ينص على وجوب احترام دولة الاحتلال للدور الأردني المتمثل بالوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية، وفي حال المساس بهذا الإلتزام من قبل إسرائيل، فإنّ ذلك يعرضها إلى المسؤولية الدولية، الأمر الذي يمكن أن تستغله الأردن لاتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيوني من خلال أدوات قانونية تؤهلها بالمطالبة المحافظة على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية وعلى الأقصى بصورة خاصة، وبالتالي ردع ومنع إسرائيل من القيام بأيّ أعمال تخالف ذلك.
يمكن القول إنّ الأردن متمثلاً بحكومته يمتلك أدوات للحفاظ على حقه في الوصاية الهاشمية، مثل القيام بالضغوطات السياسية والضغوطات الدبلوماسية كاستدعاء السفير الإسرائيلي والتهديد بطرده وسحب السفير الأردني من تل أبيب وحتى المطالبة بالإلتزام الأدبي لتنفيذ ما جاء في المعاهدة بين الطرفين.
وعلى الرغم من أنّ الضغوطات الاقتصادية قد لا تكون فاعلة بدرجة كبيرة، إلّا أنها مطلوبة، خاصة أنّ الأردن يستورد عدد كبير من السلع من إسرائيل، والتهديد بوقف هذا الاستيراد، ووقفه إن اضطر لذلك سواء بصورة كليّة أو على الأقل وقف استيراد عدد من هذه السلع، الأمر الذي قد يعود بالأثر السلبي على الميزان التجاري الإسرائيلي.
إنّ تجرؤ الكيان الصهيوني على المساس بالوصاية الهاشمية والانتقاص منها، خصوصاً في المسجد الأقصى، وسماح الحكومة الإسرائيلية للمتطرفين من المستوطنين والمتدينين من اقتحام المسجد والقيام بشعائر وممارسات غير مقبولة لهو مؤشر خطير، ويتطلب من أن يقوم الأردن بالذهاب إلى التحكيم الدولي وفق د. القاسم، حيث أنّ هذا الخيار ورد أيضاً في معاهدة وادي عربة الموقعة مع الكيان الصهيوني بعد فشل الخيارات الأقل حدّة، ويبقى هذا الخيار ضمن القانون الدولي الذي تلجأ إليه الدول لانتزاع أيّ حق من حقوقها المسلوبة ننتيجة الصراعات والحروب والنزاعات والاستيلاء وغيرها من الممارسات. وفي هذا السياق ستقوم الدول العربية والإسلامية بدعم موقف الأردن.
ومن الإجراءات المهمة التي قامت بها السلطة الفلسطينية وبعض الأكاديميين هو عقد مؤتمر لجمع الوثائق التاريخية على مر العصور التي مرّت بها فلسطين والمنطقة العربية حول ملكية القدس والمقدسات، والتي تبيّن أيضاً دور اليهود ووجودهم فيها، واستكمالاً لهذا الجهد المبارك، أفترض أنّ هذا التوثيق المهم قد تمّ عرضه لتأكيد الرواية الفلسطينية للمشككين بها ودحض الرواية الإسرائيلية فيما يخص القدس والمقدسات.
إنّ موضوع الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس أمر محسوم، سواء من ناحية سياسية أو قانونية أو حى شعبياً، الأمر الذي يجعل موقف الأردن قوياً في التصدّي لأيّ اعتداءات وانتهاكات بحق الأقصى باستخدام جميع الأدوات التي تمّ ذكرها سابقاً.