الكاتب: الدكتور خالد جميل مسمار
"كلمات الى فلسطين.. الوطن والشعب" كان عنوان البرنامج الاذاعي اليومي في اذاعة "صوت الثورة الفلسطينية" الذي برع في كتابة نصوصه فقيدنا الراحل يحيى رباح.
كنت عائدا من الجامعة التي تخرّجت منها وهي جامعة الازهر لمواصلة عملي في اذاعة "صوت العاصفة" لأفاجأ بكادر جديد انضمّ للتو للعاملين في الاذاعة وعندما عرّفني عليه استاذنا المرحوم فؤاد ياسين "أبو صخر" هبّ مرحبا ووجهه يشعّ بالفرح والمحبّة وقد رأى المذيع المفضّل اليه امام عينيه.
كان يحيى رباح مدرسا في مصر ايام القائد العربي جمال عبد الناصر الذي وظّف جميع خريجي الجامعات الفلسطينيين في مصرحيث كان قطاع غزة تحت الإدارة المصرية..
بعد انطلاق إذاعة "صوت العاصفة" من القاهرة تجنّد عدد من شباب تنظيم حركة فتح للعمل في الاذاعة..
منهم من أصبح مذيعا كالمرحوم بركات زلوم، ومنهم من نبغ في الكتابة كيحيى رباح.. الذي نجح في كتابة القصة القصيرة والوجدانيات فهو صاحب حسّ مرهف.
وعندما اقرّت الاذاعة نظام البرمجة خاصة بعد خروجنا من الاردن كان من بين تلك البرامج.. البرنامج الوجداني "كلمات الى فلسطين" وتمّ تسجيل المقدمة التي كانت تسمى (التتر) بصوت صاحب أدفأ صوت عندنا وهو المرحوم رسمي ابو علي وهو أوّل من اذاع بصوته الحلقات الأولى من هذا البرنامج.. ثم تناوبنا عليه أنا ونبيل والمرحوم بركات زلوم والمرحوم مريد البرغوثي.
كان يحيى يختار الكلمات والعبارات الواجدانية التي تمسّ شغاف القلب.. لدرجة ان بعض الزملاء اعتبرها شعرا وجدانيا.
لكنه في بعض الاحيان كان يكتب عبارات حماسيّة تخّرج من حنجرة المذيع منّا كالرصاص عندما يكون الحدث حاميا وكأننا في حالة اشتباك مع العدو.
تمّ اختيار يحيى في فترة وجودنا في بيروت مفوضا سياسيا في مؤسسة التفويض السياسي لقوات العاصفة التي كان يرأسها المرحوم خطاب "عزت ابو الرب" ومع ذلك لم ينقطع عن كتابته للاذاعة متنقلا بين الجنوب اللبناني حيث قوات الثورة الفلسطينية.. وبيروت حيث الاذاعة ومقر التفويض السياسي.. وقد زاملته ايضا في التفويض السياسي بعد ان اختارني رمزنا الراحل ابو عمار مفوضا سياسيا لجيش التحرير الفلسطيني.
وأصبحت يومها عضوا في الهيئة العليا للتفويض السياسي لقوات الثورة الفلسطينية.
بعد خروجنا من بيروت وفي فترة لاحقة تمّ اختيار يحيى رباح سفيرا لفلسطين في الجمهورية اليمنية. وبعدها تفرّغ للعمل في هيئة التعبئة والتنظيم لحركة فتح في غزة وكان له مقال يومي في جريدة الحياة الجديدة.
وللأسف عندما انقلبت حماس على السلطة الوطنية وعاثت خرابا في غزة اعتقلته حماس بسبب كتاباته الجريئة في الحياة الجديدة التي كانت تفضح ممارساتهم وعذّبته وكسّرت اطرافه.. وبعد اطلاق سراحه ذهب الى رام الله حيث استمر عمله بكتابة مقاله اليومي في الحياة الجديدة.
منذ شهر مضى اتصلت به هاتفيا علنا نراجع سيرة أيامنا في الاذاعة في القاهرة وبيروت ودرعا، لكن حاسّة السمع لديه كانت ضعيفة فلم يسمعني وكان مرافقه يفسّر له كلامي وسمعت ضحكاته عندما علم ان من يحدثه هو رفيق دربه خالد مسمار وكان يكيل لي المديح..
تسلم المرحوم يحيى مهمام كثيرة ذكرتها حركة فتح في بيانها وكذلك اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة، لكنني أريد ان أزيد ان يحيى تسلم قيادة اذاعة الثورة في الجزائر عندما عرضت علينا جزائر الثورة كل موجاتها العاملة وقبل دخولنا الوطن تسلم ادارة اذاعات الثورة التي كان مقرها بغداد.
رحم الله الصديق والزميل العزيز، الكاتب الكبير..رفيق درب الكلمة الأمينة في "صوت العاصفة" وفي التوجيه السياسي في الوطن والشتات فإلى جنات الخلد أيها الحبيب.. كنت تكتب لنا وللشهداء وللشعب كلمات الى فلسطين.. وها أنا أكتب لك اليوم..
وعزائي لكل رفاق دربنا ولأخته العزيزة فاطمة وأخيه العزيز حسن رباح "ابو حسام" وابنائه وأسرته جميعا..
انا لله وانا اليه رجعوان