الكاتب:
بقلم: هبه بيضون
لا يخفى على أحد الظروف والمعاناة على اختلاف أشكالها التي يعيشها شعبنا المقدسي تحت ظل الاحتلال، ولا يخفى على أحد التضييق الاقتصادي الذي يمارسه الاحتلال بحق أهل القدس بعدة وسائل، منها فرض ضرائب مرتفعة على كل شيء، وفرض رسوم ترخيص بناء تفوق قدرة المقدسي على دفعها، ما يؤدي إلى البناء من غير رخصة، لينتهي به الأمر بإجباره على هدم بيته، وغيرها من التضييقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن التضييق الاقتصادي بكافة أشكاله ينعكس بصورة تلقائية على كل ما يتعلق بنواحي الحياة، فضيق اليد تؤثر على العائلة المقدسية وعلى حياة أبنائها من تعليم وعلاج وغيره من متطلبات الحياة الأساسية.
وكما نسمع باستمرار،هناك دعوات ومطالبات بدعم أهلنا في بيت المقدس ودعم صمودهم الأسطوري في وجه احتلال غاشم، لا يوجد في قاموسه كلمة الرحمة، ولا الإنسانية ولا أي مفردة إيجابية، بل كل ما يحوي عليه قاموسه يتعلق بمعاني الظلم والاضطهاد والتعذيب والإذلال والضرب بيد من حديد والسرقة والنهب والمصادرة والاستيطان، وغيرها من المفردات التي لا تعد ولا تحصى، والتي مورست ضد الشعب الفلسطيني على مدى عقود طويلة من الزمن ولا زالت.
لست بصدد تعداد ما يعانيه أهلنا في القدس الآن، ولكني بصدد إلقاء الضوء على معنى من معاني دعم الصمود الفعلي العملي، وغير المتعلق بالشعارات والدعوات والدعاية والتنظير، وهذا هو ما يحتاجه أهلنا في القدس، فهم يحتاجون إلى يد تمتد إليهم لتعينهم على مواجهة هذه الحياة الصعبة، ليس فقط معنوياً، لأنهم يوزعون معنويات على جميع الشعوب العربية، وإنما دعم صمودهم وظروفهم ومعاناتهم مادياً.
من المؤسسات التي تقوم بتقديم الدعم لأهلنا في القدس لتعزيز صمودهم هي مؤسسة قدسنا الوقفية، والتي تدعم صمود المقدسيين من خلال مبادراتها التنموية والإنسانية.
فمن ضمن ما تقوم به هو مساعدة الطلاب المقدسيين في دراستهم الجامعية من خلال المنح التي يتم الإعلان عنها سواء في الجامعات أو على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يقوم الطالب الذي يحتاج هذه المنحة بتقديم طلب من خلال رابط إلكتروني، وبعد ذلك يتم اختيار عدد من الطلاب من كافة التخصصات وفق معايير معينة، فهناك منح قدّمت لطلاب الطب والصيدلة، والتي عادة يكون سعر الساعة المعتمدة فيها مرتفع، ولا يمكن أن يتمكن أهل الطالب في القدس من دفع هكذا مبلغ بسهولة، الأمر الذي يدعم الأهل وبالتالي يمكن المتوفقين من الطلاب الذين يرغبون في دراسة التخصصات العلمية وغيرها من إكمال تعليمهم الجامعي، وهذا يعتبر دعم للكفاءات الفلسطينية في أن تتأهل لتصبح عنصراً فاعلاً ومميزاً في المجتمع من خلال امتهان مهن مختلفة، وجدير بالذكر أنّ هناك طلاب قدّموا للحصول على منحة من مؤسسة قدسنا الوقفية أكثر من مرة، وحصلوا عليها.
وبما أنّ التجار المقدسيين في البلدة القديمة يخضعون لحصار اقتصادي خانق، جرّاء الإجراءات والممارسات والقيود التي يفرضها الاحتلال عليهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، التحكم بمسار السياح من خلال الدليل السياحي الإسرائيلي الذي يقوم بتوجيه السيّاح لعدم التعامل والشراء من التجار العرب، وأخذهم للشراء من المحلات التي يمتلكها يهود، تحت ذرائع واختلاقات وافتراءات متعددة تقال للسائح، ليخشى من التعامل مع التجار العرب، فقد دعمت مؤسسة القدس الوقفية هؤلاء التجار من خلال برنامج التمكين الاقتصادي الذي تضمّن "منصة أسواق القدس/ من القدس إلى العالم" والتي تم إطلاقها بالشراكة مع جامعة القدس وشركة باب الاسباط الشبابية، وذلك بعد أن لمست الحاجة الى تحسين المستوى الاقتصادي في القدس والبلدة القديمة، حيث شمل هذا البرنامج تقديم قروض حسنة للتجار، وتقديم منح لبعض المحلات التجارية وأسواق البلدة القديمة، وذلك لدعم صمودهم والإبقاء على محلاتهم مفتوحة ومساعدتهم في تسديد التزاماتهم، كما أنّ المنصة تهدف إلى إيصال البضائع المقدسية، خاصة تلك المصنوعة بأيدي فلسطينية الى الأسواق العالمية من خلالها، وبالتالي نشر الثقافة الفلسطينية لدول العالم.
ومن أدوات دعم الصمود التي تقدمها المؤسسة هي إيجاد مأوى لبعض العائلات المقدسية الذين يؤخذ قرارات بهدم بيوتهم بحجة عدم الترخيص، حيث تقوم المؤسسة بإيجاد مأوى لهم وتقوم بدفع الأجرة عن مدة زمنية معينة، لحين تستطيع العائلة تدبر أمرها بعد الخسارة التي تعرضت لها.
كما ساهمت المؤسسة في ترميم بعض البيوت في البلدة القديمة، والتي لم يتمكن أصحابها من ترميمها، بعد ما تعرضت له على مر الزمن من تهالك، أو تلك التي تأثرت بالحفريات التي يقوم بها الصهاينة تحت البلدة القديمة وصولاً إلى المسجد الأقصى، حيث قامت مؤخراً بترميم بيت في حارة النصارى. كما أنّ عطاء المؤسسة تجاوز البلدة القديمة داخل السور، إلى جميع أحياء القدس، فها هي ترمم بيت عائلة في سلوان، تعرض للحريق الذي أتى على جميع محتوياته، والذي نجم عن إلقاء قنابل حارقة وقنابل غاز عليه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، لتعيد البهجة والسرور إلى قلوب الأطفال في العائلة.
لا يقتصر دعم المؤسسة للأفراد من سكان وتجار في القدس، وإنما يتعداه إلى المؤسسات التعليمية كالمدارس ودور الأيتام، حيث قامت من ضمن ما تقوم به من عون ومساعدة، بتأثيث دار الأيتام الإسلامية ومدرسة، بحيث أصبحت في حال يشجع الطلاب من القدوم إليها بعد عزوفهم عن ذلك نتيجة الحواجز والظروف غير المناسبة في المدرسة، والناجمة عن التهالك والقدم ونقص الاحتياجات الأساسية.
كما تقوم مؤسسة وقفية القدس بتقديم المساعدة إلى بعض منظمات المجتمع المدني في المدينة المقدسة، حيث أنّ ظروف تلك المؤسسات، من أجارات وضرائب وأرنونا وضرائب على الموظفين التي تفرض عليها، قد فاقت قدرتها على السداد، فساهمت مؤسسة القدس الوقفية في تسديد بعض من تلك الضرائب والإيجارات لبعض من تلك المؤسسات في تثبيت لصمودها وبقائها وخدمتها للمجتمع.
ما سبق هو بعض مما تقدمه هذه المؤسسة لتعزيز صمود المدينة وأهلها في وجه التحديات الناجمة عن الاحتلال، وما تقدّمه هذه المؤسسة والقائمين عليها من إدارة وكوادر يستحق التقدير والثناء على جهودهم المتميزة في هذا العطاء المتنامي لخدمة القدس العاصمة المحتلة وأهلها الصامدين المرابطين.
ولا يمكن التحدث عن هذه المؤسسة التي تدعم صمود أهلنا في القدس دون التطرق إلى ذكر الشيخ عبد العزيز عبد الرحمن بن حسين آل ثاني، رئيس مجلس أمناء مؤسسة قدسنا الوقفية، الذي يقوم بتقديم الدعم المعنوي والمادي للقدس من خلال النهوض بالعمل الخيري والتنموي غير المحدود، وذلك من خلال المبادرات الخيرية المتعددة التي تقدمها قطر لمساعدة الشباب المقدسي، التعليمية منها والتدريبية وغيرها.
نعم، القدس في خطر، القدس في حصار، القدس على شفى من الدمار، وهي تحتاج فعل لتعزيز صمودها وليس فقط شعارات ودعوات.