الكاتب: زاهر أبو حمدة
ولد محمد غنيم في بلدة صفورية قضاء الناصرة. تهجّرت العائلة نحو لبنان، وسكنت الخيام في مخيم نهر البارد. نجله سامي انتمى إلى حركة «فتح» وعاد مع العائدين إلى الوطن بعد «اتفاق أوسلو»، وأصبح ضابطاً في الأمن الوطني الفلسطيني. هذا العقيد اعتقل خمسة أعوام في زنازين الاحتلال، وأفرج عنه عام 2008، بتهمة مساعدة المقاومين في مخيم جنين. لم يكن عنده مشكلة بانتماء أبنائه الثلاثة أحمد (31 عاماً)، محمد (28 عاماً)، نور الدين (25 عاماً) إلى «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي». استشهد محمد ونور الدين، وأحمد يصارع الموت جريحاً في المستشفى. وفي المعلومات أن الأشقاء الثلاثة، ومعهم الشهيد محمد صبح، شكلوا الخليّة الأولى لـ«كتيبة برقين». وعند مطاردتهم لأكثر من شهر ونصف شهر، لجأوا إلى مخيم جنين حيث كانت المجزرة الشهر الماضي.
هذه العلاقة بين العقيد الأب مع تنظيم آخر ليست جديدة، فالقائد فتحي خازم انتمى ابنه إلى السرايا. وهناك شواهد كثيرة في الانتفاضة الثانية حول علاقة التنظيمين العائلية. وهذا له دلائل على أن «فتح» باعتبارها لا تملك فكراً معيناً، يربى أبناء «الفتحاويين» في بيئة غير إقصائية أيديولوجياً، ولهم الحرية في الاختيار والقرار بالانتماء السياسي والفكري طالما أن الفكرة الأساسية هي النضال ضد الاحتلال.
■ ■ ■
عام 1994، انطلق من مخيم الرشيدية جنوب لبنان، إلى حيث أتى عام 1981، أي الأردن؛ ومن هناك دخل إلى فلسطين حاملاً معه شظايا سكنت جسده خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. أطلق القائد يوسف ريحان (أبو جندل) النار على جنود الاحتلال عند مدخل مدينة بيت لحم بعد منعهم الفلسطينيين من المرور، وبعدما أصاب جندياً منهم بات مطلوباً. ضغط الاحتلال على السلطة الفلسطينية لتسليمه، فانتقل إلى جنين، حيث مسقط رأسه في يعبد عام 1965. في ذاك الموقف قال عبارته الشهيرة: «إذا أطلق الاحتلال طلقة واحدة، يجب أن نردّ عليها بمئة طلقة».
اندلعت انتفاضة الأقصى، فشكل أبو جندل أكثر من وحدة عسكرية لشن عمليات ضد الاحتلال. وضمت الوحدات العسكرية والأمنية أفراداً ينتمون إلى حركة «الجهاد الإسلامي». وفي ملحمة مخيم جنين عام 2002 قاد أبو جندل الفتحاوي مع محمود طوالبة الجهادي المعركة، بعد تأسيس غرفة عمليات مشتركة للدفاع عن المخيم. تعاونت «كتائب شهداء الأقصى» و«سرايا القدس» في عمليات نوعية كثيرة، وصدرت بيانات مشتركة. وتمكّن الفدائيون من تنسيق خطوط الدفاع وخطط الهجوم، وكذلك في الدعم المالي والتسليحي. كانت فترة واضحة المعالم فسجّلها التاريخ عنواناً للوحدة الوطنية.
■ ■ ■
حضر مسؤول كبير في «فتح» إلى بيروت في خريف العام الماضي. التقى قيادة «الجهاد الإسلامي» واتفقوا على آليات العمل في جنين، ولا سيما بعد تشكيل «كتيبة جنين» تيمّناً بوصف الأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النخالة، للأسرى الستّة بعد انتزاعهم حريّتهم من سجن جلبوع عام 2021. خمسة أسرى من جنين ينتمون إلى «الجهاد الإسلامي» ومعهم القائد في حركة «فتح» زكريا الزبيدي. هي لحظة مفصلية كان ما بعدها انطلاقة واسعة للعمل الميداني المسلح في شمال الضفة الغربية. وربما نهضة الجناح الثوري في «أمّ الجماهير» استطاع بناء مروحة كبيرة من التنسيق، ولا سيما مع أبناء «الراية السمراء». أنتج ذلك غرفة عمليات مشتركة بين التنظيمين. فليس مفاجئاً رؤية صاحب الابتسامة الساحرة ابن جهاز الشرطة الفلسطينية عز الدين صلاحات يستشهد مع ثلّة من مقاتلي «كتيبة جنين». هنا أصبح «لواء الشهداء – كتائب شهداء الأقصى» داخل المخيم مع «كتيبة جنين» توأماً سياميّاً لا يمكن فصلهما عائلياً وميدانياً.
■ ■ ■
يمكن وصف العلاقة بين «فتح» و«الجهاد» بالأخوية المتساوية. كل طرف يعرف ماذا يريد من الآخر، من دون التدخل في الخيارات السياسية، علماً أن «الجهاد» ترفض مسار المفاوضات كلياً، وتحترم «فتح» هذا الموقف، ولا سيما أن «الجهاديين» لا يتطلّعون إلى منافسة «الفتحاويين» على مؤسسات الحكم، ويطمحون إلى المشاركة في القرار العام. في المقابل، يبني كل طرف علاقاته الخارجية وارتباطاته الإقليمية، وهذا لا يؤثر على قاعدة الطرفين، وهذا كان واضحاً في معركة «وحدة الساحات». وربما البعد التاريخي لتأسيس الحركتين يؤدي دوراً في توحيد صفوفهما، فجزء من المؤسسين الأوائل لـ«فتح» تمرّدوا ضد جماعة «الإخوان المسلمون» بعدما رفضت القتال في فلسطين، وهكذا حصل مع مؤسّسي «الجهاد الإسلامي». أمّا بالنسبة إلى مستقبل العلاقة، فيمكن تطويرها وفقاً لخطة ميدانية بعيداً عن البرنامج السياسي.