الكاتب: نادين روز علي
كشفت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية قبل اسبوعين أن مصلحة السجون الاسرائيلية بدأت بتنفيذ حملة لنقل أسرى فلسطينيين من سجونهم الأصلية إلى سجون أخرى، تنفيذاً لقرار محكمة العدل العليا الاسرائيلية الذي صدر منذ العام 2017 ولم يتم تنفيذه بشتى الحجج. وينص قرار المحكمة الاسرائيلية على إعطاء الأسير الفلسطيني مساحة وفضاء أكبرحيث أن كثافة السجناء بالنسبة للمساحة والغرف هي عالية جداً في السجون الاسرائيلية وهذا مناقض لحقوق السجين كما أنه يسبب مشاكل نفسية تؤدي بالتالي إلى الفوضى والغضب والتمرد وما إلى ذلك. وقالت الصحيفة أن هذا النقل يتم بالتنسيق مع قيادة السجناء من الفصائل المختلفة. وقد تم نقل الدفعة الأولى من السجناء إلى سجن نفحة في النقب، بعد أن تم تحضيره من ناحية البناء والمساحة والظروف الأخرى ليكون أكثر راحة للسجناء ويلبي طلبات محكمة العدل العليا الاسرائيلية. ومن بين من تم نقلهم كان الأسير القائد مروان البرغوثي. وهذه هي الدفعة الأولى من أصل 2000 أسير سيتم نقلهم لأماكن أفضل من مكان سجنهم.
هناك من يرى أن هذا الأمر هو مجرد تنفيذ لقرار المحكمة بناء على شكوى بخصوص حقوق الانسان، وهناك من يرى أن الأمر هو بالأساس بضغط من قادة الأسرى وتهديداتهم، وهناك من يرى أن الهدف من ذلك هو تفريق الأسرى وعزلهم عن بعضهم بهدف إضعاف كلمتهم. ولكن التفسير الأقوى، بنظري، هو الأول، وهو نتيجة لدعوى من جمعية حقوق الانسان التي استصدرت من محكمة العدل العليا هذا القرار رغم معارضة مصلحة السجون الاسرائيلية. وإذا نظرنا للأمر من وجهة نظر أخرى ومكان آخر، فإننا نرى أن هذا الأمر هو مصلحة مشتركة للطرفين: فلا شك أنه في صالح السجين الذي يعطيه منفساً وبعض الحرية الشخصية وشعوراً بالتغيير إلى الأفضل جسمانياً ونفسياً، وفي نفس الوقت سيتم ترتيب السجناء من جديد وفصل بعضهم عن بعض وربما فصل القيادة وتغيير قيادات وما شابه.
من ناحية أخرى فلو تأملنا مواقف الأطراف الاسرائيلية لرأينا معارضة من مصلحة السجون والحكومة عامة، ولفهمنا أن المحكمة أرغمت الحكومة على اتخاذ هذه الخطوة مما يعني أن هذه الخطوة ليست في مصلحة الحكومة، وأن نشيطي حقوق الانسان هم الذين فرضوا هذا الأمر. ولكن سواء كان هذا برضا أو معارضة الحكومة فإن تنفيذ الحكومة لهذا القرار والقيام بهذه الخطوة التي هي حتماً في صالح الأسرى.
وفي كل الأحوال فإن الأسير نفسه لا بد أن يتأثر للأفضل، وخاصة نفسياً وروحياً وحتى جسدياً. صحيح أنه سيفارق زملاء قدامى في السجن القديم، وهذا أمر صعب جداً على البعض في حياة السجن، لكن ينتظره زملاء جدد في السجن الجديد.
لقد بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتى نهاية عام 2022 وبداية هذه السنة 4700 أسيراً. أي أن ما نشرته هآرتس من حملة النقل (2000 أسيراً) سوف تسري على حاولي نصف الأسرى الفلسطينيين المحكومين، اذا استثنينا المعتقلين الإداريين البالغ عددهم 850 معتقلاً. وهذا، طبعاً، عدد لا بأس به من أسرانا الذين سيستفيدون من قرار المحكمة هذا.
لقد ماطلت حكومة الاحتلال في تنفيذ قرار محكمة العدل العليا الصادر منذ عام 2017، يشتى الحجج، وطلبت من المحكمة بشكل متواصل تأجيل تطبيق القرار، وكذلك طلبت أن يكون التنفيذ على عدة مراحل. وفي تاريخ 29/12/2022 أصدرت المحكمة قبولها طلب دولة الاحتلال بتأجيل تنفيذ المرحلة القادمة من تطبيق القرار حتى عام 2027، أي لخمس سنوات إضافية، بحجة ازدياد عدد السجناء بشكل غير متوقع بسبب محاربة العنف والإرهاب في الدولة وما نتج عنه من اعتقالات وبسبب ازدياد عدد المعتقلين الاداريين وعدم الإفراج عن الكثيرين منهم. وطبعاً يجري الحديث هنا عن كل السجناء داخل اسرائيل، بما في ذلك السجناء اليهود والعرب على خلفية جنائية أو مدنية أو أمنية وغيرها. وهذا يعني إن إقدام مصلحة السجون الاسرائيلية على اختيار الأسرى الفلسطينيين بدايةً لتنفيذ هذه الحملة له دلالاته، ويعني أيضاً أن ظروف سجنهم كانت أقسى من الباقين، ولا شك أن الأسرى الفلسطينيين هم المستفيد الأكبر من قرار المحكمة المذكور.
وجدير بالذكر أن دولة الاحتلال تعتبر الأسرى الفلسطينيين سجناء ومعتقلين وليسوا "أسرى حرب" كما نعتبرهم نحن. لذلك فإن الاحتلال لا يطبق عليهم قوانين اتفاقات جنيف واتفاقات لاهاي العالمية بشأن أسرى الحرب.