الكاتب:
رائد محمد دبعي
بابتسامة تعلو ثغره، وبدلة أنيقة، ولغة انجليزية مطواعة على شفتيه ، يقف نتنياهو عام 2021 ليعلن أمام وسائل الإعلام نية حكومته التبرع باَلاف اللقاحات لعدد من الدول الصديقة لإسرائيل، فيما سربت وسائل الإعلام في ذات العام خبر دفع اسرائيل مبلغ 1.2 مليون دولار لروسيا لشراء لقاحات للسوريين، عبر النظام السوري، ثم صرح نتنياهو يوم الإثنين الماضي " أن إسرائيل مستعدة لتقديم المساعدة لضحايا الزلزال في سوريا، وبما أنه تم استلام طلب لمساعدة المنكوبين السوريين، فأوعزت بذلك "، يأتي تصريح نتنياهو متزامنا مع إرسال إسرائيل 150 شخصا ضمن حملة اطلقت عليها إسم " غصن الزيتون " للبحث عن ناجين في تركيا نتيجة الزلزال الأخير .
خبر يستحق الإشادة لو بدر عن شخص غير نتنياهو، وعن دولة غير اسرائيل، فبعد فصل القمح عن الزوان، يتضح لنا أن تلك اللقاحات التي نجحت إسرائيل في تخزينها في رفوف مخازنها حتى شارفت مدة صلاحيتها على الإنتهاء، هي حصيلة " قرصنة اللقاحات" " وسباق الادوية" غير الأخلاقي، التي واكبت ذروة الجائحة، والتي جندت اسرائيل أجهزة استخباراتها الخارجية بما في ذلك الموساد، واستخدمت مختلف الأساليب القذرة من أجل وصولها لإسرائيل بكميات تزيد عن حاجتها، على الرغم من شح كميات الإنتاج عالميا في بداية الجائحة، لاستخدامها لاحقا إما لابتزاز دول بعينها من أجل تحقيق مكاسب سياسية في ظل جائحة إنسانية، أو لمكافأة دول بعينها على تحيزها لإسرائيل وإدامة احتلالها لفلسطين وهضبة الجولان، ومزارع شبعا، أو تصويتها ضد الحق الفلسطيني في المنظمات الدولية، أو لدفعها لنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة كما فعلت إسرائيل مع التشيك، وسان مارينو، وهندوراس وغواتيمالا، وهو الأمر الذي أكد عليه نتنياهو ذاته في إطار تبريره لتبرعه باللقاحات بالقول أن " إسرائيل حصلت على المقابل الذي تتطلع اليه "، يضاف إلى كل ذلك أن إسرائيل التي تحاول تجميل صورتها عبر " دبلوماسية الكوارث" هي الكارثة الأكبر على صدر الشعب الفلسطيني منذ ما يزيد عن سبعة عقود، ففي حين كان نتنياهو يعلن عن تبرعه باَلاف اللقاحات لعدد من الدول التي وصفها بالصديقة لإسرائيل، كانت اسرائيل تمنع وصول اللقاحات للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال، وتتنكر لواجباتها كقوة احتلال تجاه ملايين الفسطينيين وفق القانون الدولي، فيما كانت توزعها على المستوطنين في الضفة الغربية، فيما أثبت التحقيقات أن صفقة اللقاحات السورية لم تكن سوى جزء من عملية سياسية أكبر تحت رعاية روسية، لها علاقة بتبادل أسرى ومواطنين من الجانبين.
محاولة إسرائيل ركوب الموجة مرة أخرى عبر التسلق على مصائب المواطنين في سوريا وتركيا، لتجميل صورتها عالميا، عبر تصريحات عن استعدادها لدعم السوريين، أو إرسال عشرات الأشخاص إلى تركيا، لن يغير من حقيقة إسرائيل كدولة احتلال، ونظام تمييز عنصري، ولن يخفي جرائمها اليومية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والضفة المحتلة والقدس، ولن يخفي سياساتها التمييزية ضد الفلسطينيين في النقب والساحل والمثلث والجليل، فالضمائر القبيحة لا تخفيها أدوات التجميل، وعلاقة إسرائيل بمحيطها هو تاريخ من الدم والعدوان والقتل والمذابح والمجازر المنظمة، تختلف تماما عن الخلافات بين الدول الطبيعية، ففي حين من الممكن أن تكون الكوارث سببا للانفراج السياسي بين الدول ، كما حدث بين سيريلانكا وأندونيسيا بعد زلزال عام 2004، أو بين الهند وباكستان بعد فيضانات كيرالا في الهند عام 2018، أو بين تركيا وعدد من خصومها السياسيين بعد الزلزال الأخير، كما هو الحال مع مصر والسويد واليونان وارمينيا، إلا أن ذلك لا يمكن أن ينطبق على إسرائيل أبدا، كون التمييز العنصري، والعدوان، والرغبة الجامحة بالتوسع على حساب أمن واستقرار المنطقة، يكشف نواياها، ويحد من قدرتها على التضليل.
صور فرقة الإغاثة الإسرائيلية في تركيا التي تملأ وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل ملفت، والحملة الاعلامية التي ترافقها، وتصريحات قائدها " غولان فاخ" الذي يشير بشكل ساخر في كل حديث صحفي له، بأنها المهمة رقم 31 لفرق الطوارىء الإسرائيلية في تركيا خلال العقود الأربعة الماضية، لرسم صورة مضللة عن "إسرائيل الحضارية التي تتطلع إلى علاقات طبيعية مع محيطها"، لا يمكن أن يخفي دم الضحايا الذي يلطخ ايديها، ولا يمكن أن يلغي حقيقة إسرائيل كقوة احتلال، ودولة وظيفية في المنطقة، الهدف منها تحقيق أهداف الاستعمار ومصالحه وأطماعه على حساب مصالح المواطنين وحقوقهم، فما من دولة من دول المنطقة، بدءا بفلسطين وسوريا والأردن ولبنان وتركيا والعراق ومصر واليمن إلا ولإسرائيل تاريخ حافل بقتل أبنائها، والتسبب بالكوارث بها، وبالتالي فإن كل محاولاتها لتطبيع علاقاتها عبر تسلق أوجاع الناس ودمائهم لن تجعلها دولة طبيعية، ولن تدخلها نادي الإنسانية، فالاحتلال هو الكارثة الأكبر، وفاقد الشيء لا يعطيه.
* محاضر بقسم العلوم السياسية، جامعة النجاح الوطنية