الإثنين: 13/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بين المنطق واللامنطق

نشر بتاريخ: 18/02/2023 ( آخر تحديث: 18/02/2023 الساعة: 18:58 )

الكاتب:

السفير حكمت عجوري

وصول بن غفير وسموتريتش الى سدة الحكم في دولة الاحتلال يعني فشل كل الوسائل المنطقية التي توفرت لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لان وصولهم يعني ان اللامنطق هو الذي يحكم هذا الصراع وهو ما جعله الاطول في التاريخ المعاصر وقد دخل في مرحلة الاستنزاف لكل قيم التعايش المتعارف عليها بين بني البشر بعد ان فقد المحتلين الصهاينة انسانيتهم واصبح التطرف طبيعتهم وصارت هوايتهم قتل الفلسطينيين و هدم بيوت الفلسطينيين المكتظة بساكنيها دون اي محاسبة من اي كان.

هذه القتامة سببها غياب المعقول وغياب المنطق عن هذا الصراع وكانه صراع بين كائنات فضائية وذلك لكون هذا الصراع خرج عن حدود الشرعية الدولية وقوانينها والسبب هو عجز هذه الشرعية عن فعل اي شيء حيال ما يجري على ارض فلسطين التاريخية من تحدي سافرمن قبل اسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لهذه الشرعية والضرب بعرض الحائط بكل فوانينها وكل ما يصدر عنها من قرارات على الرغم من ان اسرائيل ولدت من رحم هذه الشرعية، ليس ذلك فحسب وانما و بحسب قانون اللامنطق الذي صار يفرض نفسه على الصراع صار محرما على الفلسطينيين مقاومة هذا الاحتلال الارهابي حتى بما اقرته الجمعية العمومية للمنظمة الاممية وهو حق من هم تحت الاحتلال في مقاومة المحتل بكل الوسائل الممكنة بما فيها الكفاح المسلح.

من ناحية اخرى وفي نفس السياق نجد بان امريكا ومنذ حرب 1967 صارت هي شريان الحياة بالنسبة لدولة الاحتلال بدليل كل هذا الدعم الامريكي غير المشروط لاسرائيل القوة القائمة بالاحتلال وبكل انواعه المالي والعسكري والديبلوماسي لدرجة اننا اصبحنا نشك بان الصراع اصبح وكانه صراع امريكي فلسطيني وهذا يعني ان مفتاح الحل المنطقي والممكن هو في يد امريكا ولكن و على ما يبدو ان القفل بيد اسرائيل (اللوبي الصهيوني والمصالح الامريكية في المنطقة ) وهو ما يفسر ولكن لا يبرر عجز الادارات الامريكية عن فعل اي شيء سوى انها تقف موقف المراقب عندما يتعلق الامر بما ترتكبه اسرائيل من جرائم بحق الفلسطينيين وبحق الشرعية الدولية وهو ما نوه لخطورته اينشتاين بالقول : "العالم لا يدمره الاشرار ولكن يدمره اؤلئك الذين يراقبونهم دون ان يفعلوا شيئا".

مؤخرا قام مدير وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (CIA) ويليام بيرنز بزيارة قصيرة للمنطقة ختمها بالتعبير عن قلقه من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة مع ان الاعمى يرى بان اندلاعها اصبح حتمي كرد فعل على ما يجري من موبقات احتلالية بحق الفلسطينيين على الارض الفلسطينية ومع ذلك لم يحاول بصفته ممثل عن الادارة الامريكية القيام باي خطوة ايجابية تجاه هذا القلق كأن يعلن مثلا عن اعادة فتح قنصلية بلاده في القدس الشرقية وذلك من باب اضعف الايمان ، وكذلك جاءت زيارة الوزير بلينكن الذي ادان لاحقا ومعه اربعة دول عظمى الاستيطان وشرعنة البؤر الاستيطانية مع ان الاستيطان كله يعتبر غير شرعي بالعرف الدولي كون الاستيطان يقف سدا منيعا امام حل الدولتين المعتمد دوليا كحل للصراع ، لياتي الرد سريعا وكصفعة حذاء في وجه كل هؤلاء من قيل وزير اسرائيلي فاشي ممثلا عن الموقف الاسرائيلي الرسمي بالقول بانهم (الاسرائيليون) ملتزمون بالاستيطان .

هذه الادانة الخماسية لاسرائيل منطقيا من المفروض ان تعكس ادانة العالم اجمع لاسرائيل وهذا يعني ضمن المنطق المتعارف عليه ان يتم اعتبار اسرائيل كيان متمرد ولا بد من معاقبته باقل الممكن وهو اما اسقاط عضوية اسرائيل في المنظمة الاممية او بمقاطعتها دوليا كما حصل مع جنوب افريقيا توأم اسرائيل في الفصل العنصري، ولكن وبسبب اللامنطق الذي يحكم الصراع سرعان ما تراجعت امريكا عن الادانة ولوحت باستخدام الفيتو ضد هذه الادانة في حال تبناها مجلس الامن كما جاء على لسان مساعد المتحدث باسم الخارجية الامريكية (معا).

الى ماسبق نذكر ايضا بعجز رئيس الادارة بايدن لغاية الان عن تنفيذ حتى ما وعد به من خلال برنامجه الانتخابي لاصلاح ما افسده سلفه ترمب وهل هناك اسوأ من ضياع هيبة امريكا على يد ترمب الذي وضع رقبته ورقبة ادارته بيد النتن ياهو ومساعده الغر النسيب جاريد كوشنر اللذين امليا عليه صفقة العصر من الفها الى يائها بكل ما فيها من تناقض مع الدستور الامريكي ومبادئه في حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير.

الى ذلك نضيف بان الرئيس بايدن واثناء نيابته لادارة اوباما تعلم اكثر من اي رئيس امريكي آخر عن حقيقة الصراع وكيفية حله منطقيا اضافة الى انه يعرف اكثر من غيره عن وسائل الخداع والكذب الذي يمارسه النتن ياهو الذي ابدع في صناعتها لدرجة انه صار هو نفسه يصدق كذبه كونه مصاب بعبقرية الجنون التي ستمكنه ايضا من تحقيق اخر اهدافه قبل مغادرته المسرح السياسي وهي تدمير القضاء في اسرائيل لتحصين نفسه حتى لا يدخل السجن "الا اذا تمكن من ذلك عن طريق صفقة مع المعارضة" بالرغم من ان السجن يعتبر المكان الطبيعي لامثال النتن ياهو ولا ابالغ بالقول حماية له من نفسه وافكاره العنصرية وحماية لكل من يعيش في فلسطين التاريخية وربما المنطقة كلها وذلك لسبب بسيط وهو ان بذور التطرف التي زرعها في تسعينات القرن الماضي ورعاها طوال سنوات حكمه اثمرت اخيرا بوصول ارهابيين وفاشيين يشاركونه الحكم.

ازاء كل ما سبق لا اجد غير تفسير واحد وهو ان الادارة الامريكية ومعها الدول صاحبة الفضل الاكبر في صناعة الكيان الصهيوني وعلى راسها بريطانيا كلهم استسلموا للتعنت والغطرسة الاسرائيلية ليتركوا الامر للفلسطينيين كونهم "الام الحقيقية للولد" لفعل ما عجز كل هؤلاء عن فعله لاستعادة حقهم الفلسطيني وذلك بمواجهتهم المباشرة مع اسوأ حكومة صهيونية عرفها التاريخ المعاصر مع ادراكنا بان كل الحكومات الاسرائيلية سواء عندما يتعلق الامر بالصراع وحله وذلك ومنذ اغتيال رابين على يد ارهابي يهودي سنة 1995 .

ما سبق يوضح ايضا بان الحل المفروض على الفلسطينيين في هذا الصراع هو فقط ما يمليه عليهم الاحتلال وهو ادارة الصراع وليس حله وذلك بابقاء الامور على ما هي عليه وفرض السلام مقابل لقمة العيش الذي هو تجسيد للعبودية التي تعتبر وجه اخر لنفس عملة الفصل العنصري الذي يمارسه الاحتلال بحق الفلسطينيين .

هذا المنطق الاحتلالي الصهيوني يرفضه الفلسطينيون جملة وتفصيلا لانهم لن يقبلوا بغير الجنة بديلا لفلسطينهم وبسبب هذا المنطق اصبح الاستشهاد غاية لكل عشاق الحرية من شباب فلسطين وذلك بعد ان اغلقت دولة الفصل العنصري كافة الطرق الاخرى امام الفلسطينيين في حقهم بالعيش بامن وسلام في دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس كما اقرتها لهم الشرعية الدولية.