الكاتب:
عوني المشني
دائما وابدا هناك قوى دولية متصارعة ، هناك قطبين ، والصراع بينهما يكاد يقسم العالم ، كان هناك امبراطورية روما وكانت مقابلها الامبراطورية الفارسية ، كانت تركيا وكانت بريطانية ، كان الاتحاد السوفياتي وكانت امريكيا …. هكذا هي حكاية التاريخ السياسي العالمي …. بالكاد مر العالم بسيادة القطب الواحد .. حتى الفترة التي يمر بها العالم بمرحلة القطب الواحد تكاد تكون لحظة تحول ما بين مرحلتين ، سيادة امريكيا كقطب واحد هي تلك اللحظة ، ربع قرن او اكثر قليلا من سيادة امريكيا كقطب واحد هي لحظة في تاريخ التحولات السياسية الكبرى .
المشكلة مزدوجة !!!
امريكيا تريد ان تطيل تلك " اللحظة التاريخية " لتحولها الى مرحلة تاريخية … هذا يناقض منطق التاريخ ، هذا محاولة للوي عنق المنطق السياسي ، وهذا لا يمثل سوى محاولة رعناء لا يعتقد انها قابلة للنجاح .
روسيا الى حد كبير والصين الى حد اكبر تريد ان تعيد نظام القطبية الثنائية او عالم متعدد الاقطاب
هذا سبب او السبب الاهم للصراع الدولي … ولكن ومع ان هذا يستجيب لمنطق التاريخ الا انه يستعصي ، لماذا يستعصي الانتقال لعالم متعدد الاقطاب ؟!!
حتى بدون معارضة امريكيا فان هناك سبب جوهري لهذا الاستعصاء وهو ان القوى الصاعدة - روسيا والصين - لا يقدمان للعالم منهج ومفهوم مختلف ….
حتى تكون قطب عالمي يحتل موقع القطب الثاني في عالم ثنائي القطب يفترض ان تقدم للعالم مفهوم جديد … الاتحاد السوفييتي قدم الاشتراكية الشيوعيه ، امريكيا تقدم النظام الديمقراطي الحر ، لا يمكن احداث استقطاب دولي حول قطب لا يمتلك نظرية او رؤية مختلفة .
امريكيا ما زالت تقدم نظام ديمقراطي حر
روسيا ماذا تقدم الان ؟!!!
ماذا تقدم الصين الان ؟!!!
في الاقتصاد لا يلاحظ فوارق جوهرية
اقتصاد روسيا والصين شبه المركزي والمخطط لا يختلف جوهريا عن الادارة الراسمالية للاقتصاد وان كان اكثر مركزية ،
اجتماعيا لا يوجد رؤية مختلفة او لنكون اكثر دقة لا يوجد رؤية بمواصفات متميزة .
الشيوعية اصبحت من الماضي وفي التراث التاريخي لتلك البلدين .
كيف ستحدث روسيا او الصين استقطاب عالمي حولهما ؟!!
المصالح . ربما ! ولكن المتصالح متغيرة ولا تحدث اصطفاف عقائدي حول قطب دولي ، المصالح تبني علاقات وليس تحالفات استراتيجية ، علاقات تتغير وبسرعة ودون سابق انذار تبعا لتغير المصالح
ما الذي تمتلكه روسيا او الصين لاحداث اصطفاف دولي حولهما كقطب او اقطاب عالمية ؟!!! ما هي الرؤية .
اشتراكية الافراد ليست هي الرؤية ..، اشتراكيه الافراد في ظل هيمنة دول على مصالح وخيرات الشعوب الاخرى لا تعني سوى اشتراكية الفقر !!!
حرية الافراد في ظل عبودية الشعوب لا تعني اكثر من الحرية في اختيار الاسياد او وكلاء الاسياد …
الذي ينقص العالم هو مساواة الشعوب والدول بعضها ببعض من حيث : حق الشعوب في التصرف بما تملكه من خيراتها ، سياسة تكامل الدول في التعاطي مع الثروات بما يحقق الرفاهية الجمعية للشعوب وهي الطريقة الاكثر عدلا وهي ما تعكس ذاتها على رفاهية الافراد . ما جدوى الحر
احد اهم اسباب الفقر في العالم هي نهب الدول الاستعمارية لخيرات الدول الفقيرة ، افريقيا الغنية بالذهب وكل الخامات الطبيعية تعاني من المجاعة !!!
احد اهم اشكال الاضطهاد هو الاضطهاد القومي ، ما قيمة نظام ديمقراطي في دولة خاضعة خيراتها للنهب كما الحال في معظم دول افريقيا ؟!!!
عندما تتكامل سياسات الدول وتتعامل بعدالة مع الامكانات لدى هذه الدول ستتحقق الرفاهية للشعوب وستنتهي سياسات التجويع والافقار .
ربما تحتاجه روسيا والصين هو ما يحقق هذه الغايات بطريقة خلاقة . لكن ان تسعى روسيا او الصين لتحل مكان امريكيا في الهيمنة على مقدرات الشعوب فذلك يعني استبدال الادوات التي تمارس النهب وهذا لا يحقق استقطاب دولي حول اقطاب جديدة .
ان ما ما يقال من قبل روسيا والصين يمس هذا الوضع ولكن بطريقة هامشية واحيانا خجولة ، ولكنه لم يشكل رؤيا واضحة ومتكاملة .
السؤال هل تستطيع روسيا او الصين ابتداع رؤيا كهذه ؟!! ربما السؤال الذي يسبق ذلك هو هل ترغب روسيا والصين بان يكونا قطبين او قطب واحد برؤية مختلفة تحقق عدالة جمعية ؟!!!
روسيا والصين هما ما يستطيعان الاجابة ، اجابتهما ستحدد مستقبل موقعهما في العالم الجديد .
امتلاك السلاح والقوة قد يمكنهما من اخضاع امريكيا بالتخلي عن مكانها كقطب وحيد في قيادة العالم ، ولكن القوة والسلاح لا تمكنهما من خلق استقطاب دولي حولهما ، الرؤية المختلفة والعادلة هي ما تمكنهما من ذلك .
الرؤية اعمق من خطاب اعلامي واكثر فاعلية من مؤتمر ، انه سلوك سياسي له اساس نظري . تحتاج روسيا والصين الى الكثير الكثير لتأكيد هذا النهج . انها تحتاج الى رؤية .