الكاتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة
كانت دولة الإمارات قد وزعت الأربعاء الماضي نص مشروع قرار على الدول الأعضاء في مجلس الأمن، صاغته بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، يدعو لوقف الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب، وإلزام دولة الاحتلال بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية إلا أنه وبعد ضغوط مارستها واشنطن، أعلنت الامارات أنها أبلغت مجلس الأمن الدولي أنها لن تدعو للتصويت على مشروع القرار الذي يطالب إسرائيل بوقف فوري وكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وانها ستستبدله ببيان رسمي، يُعرف باسم "البيان الرئاسي"، يتعين على المجلس المكون من 15 عضوا الموافقة عليه بالإجماع.
ما حدث هو ضغط امريكي أدى لإنجاز دبلوماسي لإدارة بايدن واتفاق "عام غير مكتوب" يشمل وقف السلطة الفلسطينية تحركاتها أمام الأمم المتحدة مقابل "تأخير" إسرائيل لخططها الاستيطانية في الضفة الغربية وتخفيف الإجراءات الأحادية التي تتخذها، وحتى هذا التأخير لن يكون لما تم تشريعه من بؤر استيطانية ولا حتى للعشرة آلاف وحدة سكنية التي تم إقرارها والتي سيتم تأخير اجتماع لجنة التخطيط والبناء بخصوصها لفترة، أعتقد لما بعد شهر رمضان، بل لما هو مطروح من حديث حول 18 ألف وحدة جديدة، وهذا انجار يحسب لبلينكن وانتصار لأمريكا لتؤكد أنها مازالت قادرة على "الضغط" ولا أقول "التوسط" على الأطراف وأيضا انتصار لإسرائيل كونها لم تخسر شيئا وهي ماضية في طريقها وخططها الاستيطانية دون أي توقف ولكنه هزيمة سياسية للفلسطينيين في ظل مسلسل الهزائم المستمر منذ سنوات.
عناصر الصفقة التي سربها الاعلام الإسرائيلي ولم يذكرها الاعلام الفلسطيني لا بالنفي ولا بالتأكيد، ستبقى هي الرواية السائدة والمتداولة وربما الصحيحة وطالما بقيت السلطة الفلسطينية ملتزمة الصمت فمن حق الناس ان تشكك في النوايا، وحينها يمكن اعتبار ما تم هو "جريمة سياسية" وسابقة سياسية سيستخدمها الاحتلال ضد الفلسطينيين في مواجهته القادمة في المحافل القضائية العالمية، لاسيما محكمة العدل والمحكمة الجنائية، على اعتبار أن ما كان من استيطان هو بموافقة الطرف الفلسطيني وهذا سيكون كارثة سياسية في مواجهة المشروع الاستيطاني، وأن الاستيطان في أراضي الدولة الفلسطينية لا يشكل خطرا سياسيا او جغرافيا او حتى أي نوع من الجرائم وبأن المستوطنين هم مواطنين "أبرياء" وليسوا مجموعات إرهابية يجب ملاحقتهم وطنيا وإقليميا ودوليا.
الموافقة الفلسطينية على صفقة وقف التصويت مقابل وعود كاذبة أعطت سلطات الاحتلال الشرعية السياسية قبل القانونية في ضم المنطقة "سي" في الضفة الغربية والتي تبلغ مساحتها أكثر من نصف الضفة الغربية، وأعطته الحق في طرد سكان هذه المنطقة وهدم منازلهم دون حتى ادنى تعويض لهم، وأن هذه الموافقة فتحت الباب واسعا لوقف كل حراك فلسطيني نحو القضاء الدولي متمثلا في محكمة العدل والمحكمة الجنائية، وربما تستخدم دولة الاحتلال هذه الموافقة كدليل اثبات للدفاع عن مواقفها الاستيطانية وعن سياساتها الاجرامية بحق الشعب الفلسطيني.
ألم يكن متخذ القرار يدرك بأن التحرك الأمريكي جاء لأنه مأزوم ومتورط في حرب كونية مع روسيا ولا يريد أن يدخل في حرج دولي كنتيجة لاستخدامه حق النقض الفيتو وان هذا الحرج سينتهي بعد انتهاء الازمة الأوكرانية وسترجع "ريما لعادتها القديمة" ولن تشعر أمريكا حينها بحرج في اتخاذ الفيتو، لذلك ما كان ينبغي الانصياع للضغوط الامريكية في مقابل "وعود واهية" ليس لها أي رصيد سوى أنها صدرت عن "الكلامنجي بلينكن"!.
الموافقة على صفقة بلينكن هي نقطة سوداء ستسجل في تاريخ من وافق عليها، وكان يمكن أن تطلب إرجاء التصويت وتبرره بعدم المقدرة على مواجهة الضغوط ولكن دون ان تتورط في صفقة ستجلب الضرر السياسي الكبير لكل القضية الفلسطينية.
الوقت لم يفت بعد، ويمكن للقيادة الفلسطينية الإعلان عن رفض عناصر الصفقة الامريكية المعلنة ولا عودة للتنسيق الأمني ورفض أي بناء استيطاني او إجراءات تقوم بها دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية واعتبارها جريمة حرب ومطالبة العالم بالوقوف معنا ضد هذا الاحتلال الظالم.
برقية تعزية: اليوم غادر الحياة الأخ والصديق اللواء توفيق أبو مغصيب (يوسف الشبل) مرافق وسائق الخالد ابوعمار، فسلاما لروحه وصبرا لأهله ومحبيه وحسن عزاء.