الكاتب:
محمد شديد
شكلت الثورات الصناعية الثلاث السابقة التي كانت بداياتها في الثورة الصناعية الاولى في اواخر القرن الثامن عشر، تغيراً كبيراً في ادارة حياتنا اليومية، واتخذت انماطاً جديدة بتطور الحياه بصورة عامة من النمط البدائي الى النمط التكنولوجي سواء على المستوى الفردي او المستوى المجتمعي، والان نحن في الثورة الصناعية الرابعة التي غيرت بصورة كاملة طريقة العيش والعمل بطريقة مختلفة على الثورات السابقة، واصبحت بعض المصطلحات بحاجة الى تعريف جديد مثل مصطلح "التكنولوجيا"، حيث ان التحول التكنولوجي الكبير في هذه الثورة وما رافقها من تطورات مثل انترنت الاشياء والروبوت والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرها، والعملات المشفرة، وانترنت الاجسام، والكمبيوتر الكمي. شكلت مرحلة انتقال كبيرة وفارق في الحياه في كافة الجوانب، مثل الترجمة الفورية والقيادة الذاتية للسيارات وادارة المصانع عن بعد، وتحويل النص الى صوت والعكس، وزرع شرائح في جسم الانسان، وزرع اجهزة طبية في القلب لمعادلة ضربات القلب، واجهزة تغرس في البنكرياس لمعادلة نسبة السكر في الدم وغيرها من الاجهزة مثل الجهاز الذي يوضع في الدماغ لمرضى الاعصاب من اجل معادلة التيار الكهربائي في الجسم والدماغ، كل ذلك سابقاً كان مجرد خيال او سيناريو فيلم يشاهد للمتعة.
اتاحث هذه التكنولوجيا للانسان والمؤسسات والحكومات والدول التحكم بشكل سهل وسريع وفعال في استخدمات وتطبيق هذه التكنولوجيا مثل تشغيل السيارة او التحكم فيها عن بعد من الجوال او جهازة حاسوبي، كما يستطيع التحكم في الغسالة وواجباتها والتعرف على محتويات الثلاجة عن بعد من خلال الاتصال بالانترنت، ان التطور الكبير في هذه التكنولوجيا الذي التي تم استخدامها من قبل فئات كبيرة سواء افراد او مؤسسات او شركات او حكومات ودول، و هي عبارة عن ربط اغلبية الاجهزة بالانترنت تحت ما يسمى" الفضاء السيبيراني" والتحكم بها عن بعد وهذا ما اطلق عليه بالمفهوم التقليدي انترنت الاشياء (ومن المعلوم بان اي جهاز متصل بالفضاء السيبيراني معرض للاختراق)، فلو نظرنا الى هذه الثورة بمفهوم اكثر تقدماً وتطوراً فانه يمكن للثلاجة ان ترسل رسالة الى المتجر او مركز التسوق ويمكن لها شراء المستلزمات ومن الممكن توصيلها الى المنزل بدون اي تدخل بشري، كما انه من الممكن ان تقوم بمعرفة عطل السيارة دون الذهاب الى ورشة الصيانة، كما ان السيارة تقوم بالتعرف على الارصفة والجوانب واشارات الطرق واشارات المرور ويمكن لها اخذ قرار بالسير او الاصطفاف بدون تدخلات بشرية، كما تم تطوير هذه التقنيات ليتم استخدامها في الرعاية الصحية وفي الادارة الصحية مثل انظمة التنبيهات الطارئة الخاصة بالادارة الصحية حيث تستخدم في القياسات الحوية للانسان مثل ضغط الدم والسكري ونبضات القلب، وتم استخدامها في معادلة وتنظيم نبضات القلب ، وتنظيم السكر في الدم وتنظيم كهرباء الدماغ ، كما يمكن لرجل الي على هيئة جندي ان يستطيع تحديد العدو من الصديق ومن ثم ياخذ قرار ذاتي باطلاق النار.
رافق هذه التطورات في عالمنا ايجابيات وسلبيات، فمن ايجابيات هذه التكنولوجيا انها سهلت على الانسان الكثير في كافة مجالات الحياه والعمل فانها سهلت على الطبيب وعلى العامل وعلى الممرض وعلى المؤسسة والشركة والمنزل واصبحت ادوات المراقبة لحظية وبنسبة دقة عالية جداً وفي الوقت الحقيقي، وسهلت على الطلبة والبحاثين والخبراء وغيرهم، وكان لها اثر ومساهمة كبيرة في مجال مكافحة الامراض مثل ازمة كوفيد19 التي المت بالعالم اجمعه، كما انه كان لها فائدة كبيرة في التسهيل على البشر في التنقل في القطارات الكهربائية والطائرات وانظمة النقل البري والبحري والجوي، وطرق التواصل بين الناس من خلال منصات التواصل الاجتماعي او الهواتف وغيرها، وساهمت في التسهيل على الباحثين في الوصول الى المعلومات باقصر وقت واقل جهد وتكلفة، كما ان هذه التكنولوجيا ساهمت في تقديم الخدمات الامنية والعسكرية من خلال دخول التكنولوجيا الحديثة في الاجهزة الشرطية والجيش والامن التي تحفظ الدولة وامنها الداخلي والقومي من خلال معرفة الاشخاص المشبوهين الكترونياً ومراقبة المجرمين ومعرفة اماكنهم وسهلت الكشف على الجريمة، اضافةً الى انه تم استخدام هذه التكنولوجيا من قبل الدول في الطائرات الحربية والعسكرية والاسلحة والدبابات التي سهلت عليهم تحديد الهدف وبدقة متناهية كما تم استخدامها في الصواريخ الموجهه والطائرات بدون طيار، وانظمة واجهزة المراقبة الداخلية والخارجية للدولة.
وفي السنوات السابقة تم تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتكون بديل عن العنصر البشر في مجالات متعددة مثل التوصيل والنقل وان تكون السيارة بدون سائق، وان يكون الروبوت محقق او شرطي او عسكري او محامي او مذيع نشرة اخبار او برنامج وغيرها. تطورت هذه التكنولوجيا وتنامت بشكل سريع جداً الى ان اصبحت متلازمة لكافة مناحي الحياه حيث انها تستخدم في المنزل والعمل والسيارة والمدرسة والجامعة ومركز العمل وكافة مناحي الحياه، الى ان وصلت الى ان يكون الروبوت هو عسكري او شرطي ويقوم بتحديد هدفة في الحروب ويقوم بالقتال واطلاق النار والهجوم والانسحاب وكل هذا بقرار ذاتي دون تدخل مباشر للبشر.
اما عن سلبيات هذه التكنولوجيا، فكما اسلفت الذكر فان جميع الاشياء اصبحت متصلة بالانترنت بالفضاء السيبيراني ولها قرار ذاتي ولا شك بان الهجمات الالكترونية التي عاشها ويعيشها العالم من ضمنها هجمات فايروس الفدية التي قد تسببت في اضرار بالغة لعدد كبير من الشركات والاشخاص، وقدرت بملايين الدولارات كل هذه الهجمات كانت وجهتها الحاسوب اي ان الاضرار تخص هذه الاجهزة، واليوم مع التطور الحاصل وانتشار انترنت الاشياء وغزو الذكاء الاصطناعي لكافة مناحي الحياه من منازل وسيارات واجهزة طبية ورعاية صحية وانظمة الري والطقس وانظمة الحروب والاسلحة فان الخسارة سوف تكون اكبر واوسع مما سبق. حيث انه المنازل و السيارات و والانظمة والاجهزة والمعدات والروبوت واجهزة البنية التحتية والرقابة الصحية واجهزة الرقابة الامنية وغيرها عرضة للاختراق بسبب انها متصلة بالانترنت وقابلة للاختراق وسوف يتحول هذا المصدر القوي الى مصدر هش وسهل اختراقه ومراقبته. حيث ان تاثير فايروس واحد او هجمة سيبيرانية واحدة يحدث ضرر اكثر بكثير من قنبلة. ومن المتوقع ان يصل عدد الاجهزة المتصلة الى الانترنت حسب خبراء في العام 2025 الى 22 مليار جهاز اي ان الهجمات الاكترونية وعمليات الاختراق من الممكن ان تحدث شللاً في العالم مع بقاء التوقعات مفتوحة لانهيار منظومة الانترنت باكملها. حيث ان استهداف نقاط وانظمة البنية التحتية للدولة مثل الكهرباء والمياه والاقتصاد والمال قد يحدث ضرراً كبيرة وبالغاً في الدولة تتاثر فيه الدولة اضعاف ما تتاثر به بعد حرب او التعرض للصواريخ او القنابل الموجهه.
فمع ظهور اي تكنولوجيا تظهر معها ثغرات امنية تكنولوجية يمكن للمخترق او المتسلل ان يستغلها فانه من الصعب ان يتم بناء نظام او تكنولوجيا جديدة خالية من الثغرات فماذا لو اصاب فايروس رجل آلي او جيش آلي واصبح لا يفرق بين العدو والصديق او بين الجندي والمدني، مع وجود الثغرات الامنية في الانظمة فان هذا السيناريو حاضراً وبقوة وحال حدوثها سوف تكون التكنولوجيا سبباً في تدمير البشرية، ولابد للاشارة بان هذه التكنولوجيا قادرة على التعلم وتطوير ذاتها من خلال البرمجيات والخوارزميات التي بنيت بها بحث انها تقوم بالتعلم والتعرف على الاشياء من تلقاء نفسها وتقوم بتطوير ذاتها بنفس مبدأ عصبونات الدماع والعقل والسيالات العصبية الدماغية للانسان. وماذا لو تم اختراق سيارة اثناء سيرها على خط سريع وماذا لو تم اختراق جهاز قلب ورفع نبضات القلب او خفضها، وماذا لو تم اختراق نظام رعاية صحية كما حدث في احدى الدول، او اختراق او وضع فايرس خبيث في نظام مالي واداري كما حدث قبل عدة اشهر في وزارة الصحة. وماذا لو تم اختراق منصة صواريخ او محطة غاز او مصنع كيميائي كما تم اختراق محطات تحلية مياه الشرب في اسرائيل وزيادة نسبة الكلور في المياه من قبل مجموعات هاكرز ايرانية، وماذا لو تم اختراق نظام ملاحة سفن او ملاحة جوية كما تم اختراق نظام السفن في ايران من قبل مجموعة هكرز اسرائيلية، وماذا لو تم اختراق شبكة الكهرباء وتعطيلها بالكامل كما حدث في كندا قبل عدة اعوام، حيث ان الضرر الذي سوف سيتبع ذلك في بالغ الخطورة. اما فيما يتعلق بالخصوصية فهل سألت نفسك مرة عن المعلومات والبيانات التي نضعها على مواقع التواصل الاجتماعي او نتداولها عبر الايميل وغيرها هل انها محمية او هل ان الشركات تستخدمها ام هل تبيعها لشركات اخرى، واين يتم حفظ هذه البيانات والمعلومات والملفات وغيرها وهل فعلاً لا يستطيع احد الاطلاع عليها، جميع هذه الاسئلة حاضرة وبقوة فمع هذا التطور الكبير من التكنولوجيا وانتشار واسع وكبير للاجهزة المتصلة بالانترنت وتقنيات الذكاء الاصطناعي والكم الهائل من البيانات التي تنقل عبر الانترنت فان موضوع الحماية مازال في مرحلة التطوير وان الخصوصية في مرحلة "الشك" وتشكل معضلة كبيرة لدى مستخدمين هذه التكنولوجيا، وان موضوع الحماية موضوعاً ساخناً وفي طور التطوير والتحسين ومع ذلك فانه يومياً يخلق ثغرات جديدة.
في ظل ان الامن السيبيراني اصبح هاجساً وشبحاً يؤرق ويلاحق كافة مستخدمي التكنويوجيا الحديثة فانه على الافراد والمؤسسات والحكومات اخذ كافة التدابير الامنية الالكترونية اللازمة مثل انظمة الاستجابة المبكرة لحوادث الامن السيبيراني لكي لا تكون عرضة للابتزاز او الاختراق او التخريب او التدمير او التزييف او سرقة البيانات او كشفها وعرضها وبيعها. فمن المعروف ان المخترق طور نفسه وادواته وابتكر ادوات وطرق جديدة للاختراق من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها فبالتالي الامر ليس بالمعقد ومن الممكن اختراق اي جهاز متصل بالانترنت او الشبكة والحاق الضرر به. او اختراق منصات التواصل الاجتماعي ونشر جميع المحادثات او المراسلات والصور والفيديو وغيرها، او اختراق منصة صواريخ وتوجييها، او اختراق رجل الي على هيئة جندي واعطائه اوامر بالاتحاد مع الجنود الاخرى لاطلاق النار على اي بشري، او اختراق اجهزة امنية وشرطية او محاكم ونشر كافة ملفاتها وقضاياها وغيرها. بالاضافة الى الدمار والتخريب الكبير الذي سوف يتبع ذلك فانه سوف ينشئ حرب مجتمعية واهلية وسوف يكون ذلك اشبه بيوم القيامة ولكن بصورة مختلفة.