الكاتب:
د. سهيل الاحمد
تصدر عن قلبك خواطر ومخاطبات لتخبرك بأن تراجع هذا القلب فتقول له: أعيش في حياتي بالأمل، وأطمح أن أتطور في عملي، وأتقدم فأهتم بمراجعة سلوكي وتصرفاتي وذلك بفهم وتأمل وروية وبلا ندم، وتذكرك بألا يكون لهذا الفهم أي تفرد أو أنانية مقيته ... وهذا لأن مع تفرد الإنسان بقراره أحيانًا بأن يجعل من وجدانه تحقيق لمبدأ الجمود والبقاء رافضًا للاعتراف بالزلل، ولذلك فإن من حق قلبك ونفسك عليك أن تعلم بأن كل إنسان يلزم من طبيعته وفطرته أن يوقع نفسه في أخطاء وزلات ولا بد ذلك في الواقع الفطري والإنساني؛ وعندها فأخطاء - هذا المنصف مع نفسه والرحيم بها - تناجيه أن فكر في هذه التصرفات الصادرة عنك ثم حاسب مستشعراتك وردات أفعالك، ليحصل لك من ذلك تقدم محمود، وإسعاد منتظر وإلى الخطأ لا يعود، وعندها فإذا تعاملت مع أقرانك ومن تعاملهم في حياتك ومقابلاتك المعاشة أو من هم تحت رعايتك بتكليف ومسؤولية قد كلفت بها أمام الله تعالى وأمام خلقه المستخلفين في الأرض؛ أن تلتزم بالعدل والإنصاف وتتذكر في ذلك احترام النصح والنقاش وتقبل الخلاف، وهذا لا يتأتى من مجرد موقف أو تجربة سريعة لم تألفها؛ بل أنك بنفسك قد تعلمت وتدربت على ضبط النفس والسلوك؛ فأوصلتك إلى قناعة بأن الاعتراف والرجوع عن الخطأ فضيلة، وهي تعلي من قدرك وترسي عوامل الاستقرار والفهم لنظام حياتك وطبيعة السلوك الصادر عنك، حيث إنه لا يمنعك قضاء وموقف قد قضيته واتخذته في السابق، وقد وجدت الخطأ منك وعنك صادر بخصوص ذلك بأن ترجع عنه وتعود إلى صوابك الذي ترى، والحق الذي يطلب ويراد للعدل والفهم الصحيح لمآلات الأفعال في الدنيا والآخرة، حيث إن الرجوع إلى الحق أقوم وأدوم وأعدل من التمادي في الباطل وعلى الخطأ المرفوض بقاؤه، لأن الله قد حرم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرمًا فطلب وقال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا دَخَلَ الْبَحْر، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ: أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ .