الكاتب:
وليد الهودلي
هذه الأيام، كان الله في عونك اذا كان لك ولد او بنت في الجامعة، أما إذا كانوا اثنين أو ثلاثة فعندئذ لا بدّ وأن تغرق بالدين وتعاني الأمرّين، يحدثوننا عن دول فيها التعليم الجامعي مجانيّ مثل الجزائر ثم ننظر لنرى كم هو عندنا حجم التجارة الجامعيّة وكم هو حجم التداول التجاري باتجاه واحد من جيوب الناس الخاوية ذوي الطلبة، الى حسابات الجامعات عندنا، فبعد نجاح الطالب في التوجيهي تبدأ مأساة التعليم الجامعي وهمومها التي تكاد لا تطاق، فمع الضائقة المعيشية لأغلب الناس في واقع اقتصادي في غرفة الإنعاش أو في حالة موت سريري، فإن معركة جديدة تُفتح على العائلة عندما تتشرّف بوجود طالب جامعي من بين أعضائها، والجامعات عندنا لا يوجد عندها: " يمّة ارحميني".
بداية هناك مشكلة عندما يكون القطاع الجامعي غير مدعوم، فلا تجد الجامعات من مصادر للدعم سوى جيوب أهالي المنتسبين اليها والانقضاض على رواتبهم التي لا تكاد تغطّي الاحتياجات الأساسية لعائلاتهم، خاصة بعد الغلاء الذي أصاب البلد بعد الكورونا فرحلت السيدة كورونا وبقي الغلاء، فبدل صرف علاوة غلاء المعيشة يجري الخصم من الرواتب، حال البلد اقتصاديا في حالة انهيار ومع هذا تبقى الأقساط الجامعية في ارتفاع مستمر لا يتوقّف.
لا أريد هنا بحث كلفة الأقساط وهموم ضخّ الالاف من الخريجين في تخصّصات قد ارتوت البلد منها ولم تعد بحاجة الى هذا الكم الهائل المتفوّق على حاجة السوق اضعافا مضاعفة. ولكن طالما أن الحالة هكذا دعونا نسأل هذا السؤال (وخذونا على قدر عقولنا): لماذا تصرّ جامعاتنا الموقّرة على مساقات تسمّى متطلبات جامعة وهذه أغلبها لا علاقة لها بالتخصّص الذي اختاره الطالب، تجد مثلا في الطب قرابة خمسين ساعة من هذا القبيل، وتلزمه الجامعة بها كثقافة عامّة فيزداد هو وأهله رهقا وتمعن في إغراقهم بديون لا قبل لهم بها، ليقف خبيرا في التعليم وليقنع الطلبة وأهله بأهمّية هذه المتطلبات التي لا علاقة لها بالتخصّص؟ هل تبني بذلك شخصية الانسان الذي نريد وفق فلسفة تربوية وتزوده بالمهارات والخبرات اللازمة التي تجعل منه مواطنا صالحا مثقّفا واعيا؟ اليوم حجم الانفتاح في عالم النت يزوّد طلبتنا بما نريد وما لا نريد وأصبحت هذه الثقافة التي يتزوّد بها مما يسمّى: " متطلبات جامعة" نقطة في بحر هذه الثقافة الواسعة، وإنّ أنشطة غير منهجية وغير مكلفة على هامش دراسته الجامعية قد تزوّده بالثقافة والخبرات أضعاف ما تزوّده هذه المتطلبات. ولكن هذه لا تعود بالفائدة الماديّة على الجامعة بينما تلك تشكّل حقل نفط للجامعة: إذ لو حسبنا دخل الجامعة من هذه المتطلبات لرّأينا حجم هذا الدخل المريع، الجامعة تستفيد مادّيا والطالب مع أهله يُستنزفون كثيرا، والنتيجة لا تذكر سوى مضاعفة حجم الغضب في صدور الذين تقع عليهم عصيّ ما يسمّى: " متطلبات جامعة".
آن الأوان أن نحرّر جامعاتنا من هذه الاصار والاغلال التي تثقل كاهلنا دون فائدة تذكر، خاصّة ونحن نشهد المزيد من المعاناة والتحدّيات القاسية التي يوجهها المواطن الفلسطيني، فلا أقلّ من أن نكون رحماء بيننا، لنرحم من في الأرض كي يرحمنا من في السماء.