الأحد: 12/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

في إدارة أزمة إضراب المعلمين

نشر بتاريخ: 11/03/2023 ( آخر تحديث: 11/03/2023 الساعة: 17:43 )

الكاتب: تحسين يقين



دع عنك إيطاليا والبرازيل، وتعالي الى هنا، ومن هنا الى أوكرانيا!
تساءلت طفلا وقتها لماذا يأتي الفنان نهاد قلعي في مسلسل "صح النوم" على ذكر إيطاليا والبرازيل، وكنت في كل مرة كسامع أرجو أن يكمل مقاله الذي بدأ بكتابته بهذه الجملة الافتتاحية، ولم يكمله.
كنا قد عرفنا إيطاليا من خلال كتاب الخرائط، المسمى ب "أطلس"، والذي حتى الآن لم أعرف لم تم تسميته هكذا، أما البرازيل فقد سمعنا بها لأن لنا أقرباء سافروا الى هناك، ووقتها قلت لماذا لم يسافرون الى أمريكا، وسبب تساؤلي أن من سافروا الى أمريكا، كانوا يزورون البلاد أكثر من الذين سافروا الى البرازيل. لم نعلم أنها كلها تنتمي الى أمريكا، جنوبا وشمالا.
لكن ما لم يكمله المرحوم نهاد قلعي الذي أدى دور حسني البرزان، الذي التبست عليّ فكرة وجود علاقة بين اسم عائلته البرزان، والبرازيل، أكملناه فيما بعد، وكلما تقدمنا بالعمر، صرنا نربط الأمور ببعضها بعضا. وهل العقل غير هذا الربط بين الأشياء!
- من الأفضل تقييم إدارة الأزمة خلالها أو بعدها؟
- ربما الأهم، من خلال خبرة الحياة، هو عدم الوصول أصلا الى الأزمة، من خلال حكمة التصرف، من باب درهم وقاية خير من قنطار علاج.
طيب، هل كان بالإمكان مثلا حل قضية المعلمين والموظفين المدنيين والعسكريين؟
طالب المعلمون قبل فترة، أي قبل الإضراب (أكان من الحراك أو من الاتحاد) بأن تصرف الحكومة راتبا كاملا، ولما لم تفعل، زاد المعلمون من السقف، أما خلال الأزمة، فقد دخلت الحكومة في جدل الجهة الداعية، علما أن الجوهر هو أن المعلمين تبعوا من تحدث بما يهمهم، لا منحازين لهؤلاء ولا الى أولئك. وخلال حديثي مع العشرات من خلال أسئلة إيحائية لاستقصاء الجانب الفكري والسياسي، اكتشفت هذا بسهولة. وللأسف تأخرت الحكومة، والنتيجة ترك الطلبة في البيوت والشارع.
كان ذلك أولا وثانيا، أما ثالثا، فهو أن الحكومة كانت تعرف أن مقترحها الأول، سيرفضه المعلمون، إذن لماذا تقدمت به؟
على أمل أن يكون صدور الحكومة والمعلمين والوسطاء واسعة، لأننا إن نجحنا فسننجح جميعا، فليس الأمر، من باب، "علّم طرف على آخر".
رابعا، ومع احترامنا لجهود الرئاسة بتكليف الأخ اللواء ماجد فرج، مدير المخابرات العامة، فإن ذلك كان متأخرا، فبالرغم من أن المشكلة هي مشكلة الحكومة شكلا، فإنها في العمق هي مشكلة تؤرق النظام السياسي، فماذا هو هذا النظام، إن لم يواصل تقديم أهم الخدمات: التعليم والصحة؟ ولكن كل تأخيرة فيها خيرة، فقد تم الاستجابة لمطالب المعلمين، لنعرف جميعا أنه سيتم وضع نسبة ال 15% الموعود بها المعلمون على قسيمة الراتب.
ولكن مرة أخرى، تخفق الحكومة في إدارة الأزمة، حين تنفّذ الخصومات، حيث كان بمقدورها الطلب من المعلمين تعويض ما فات الطلبة، وألا تدخل في دائرة "قوت الأسرة، وليس المجال الشعوري متقبلا لفكرة الخصم، بناء على عدم وجود تغطية من اتحاد المعلمين للإضراب الذي قاده "الحراك"، لأن العبرة هي في نسبة من أضرب من المعلمين، وهو ما استفز جموع المعلمين، الذين رفضوا الاتفاق الأخير رغم أنه استجاب لمطالبهم، فمن هو العبقري وراء تنفيذ الخصم؟ أما كان الأجدى قول: "إن الحكومة إذ تؤكد على التغيب عن العمل لم يكن شرعيا، فإنها واحتراما للطلبة والأهالي، لتجد نفسها تؤجل هذا الخصم، مطالبة جمهور المعلمين بتنظيم حالتهم النقابية، وهي أي الحكومة، ومنظمة التحرير، مرجعية الحكومة، ستعمل على إحراز وفاق المعلمين، ضمن اتحاد المعلمين وفق أسس ديمقراطية، يكون صندوق الانتخابات هو جوهرها، فالحكومة ومنظمة التحرير، حريصتان على وحدة النقابة، لأن الاختلاف لا يفيد أحدا، لا يفيد لا المعلمين ولا الطلبة ولا المجتمع وبالتالي لا يفيد الحكومة.".
للأسف لم تقل الحكومة ذلك، كأنها لا تعرف معنى "لقمة العيش" لدى محدودي الدخل، كأنه غاب عن بالها تجارب العالم الذي نحن جزء منه.
وللأسف، بدلا من موقف عقلاني لحراك المعلمين، يطلب إعادة الخصومات، فإنه تطرف في موقفه استمرار الإضراب، علما أنه كان من السهولة الاستجابة لهذا المطلب، لأن الهدف هو عودة المدارس.
لك، ونحن في سياق هذه النصيحة، نصفع كمجتمع مرة أخرى مرة أخرى، وليس المعلمون فقط، بما وصل الينا من أن وزارة المالية لم تقبل وضع هذه النسبة على قسيمة الراتب، "إجا تايكحلها عماها"؛ لنفاجأ بأن الحكومة منقسمة، وأنه وزارة المالية تستفز المجتمع الفلسطيني الذي ينتظر عودة المدارس، فما الخطأ في وضعها على القسيمة، وربط تنفيذها بعودة انتظام الرواتب؟
ولا أدري هل هذا حدث فعلا، أكاد ألا أصدق، لولا تصريح المتحدث باسم الحكومة على التلفزيون الفلسطيني!
إذن: هل نحن إزاء أسئلة من قبيل:
- هل هناك من يسعى لتثوير الشارع الفلسطيني؟ وباتجاه أي هدف؟
- إذا تعسّر تنفيذ أي حل، ألا يمكن اللجوء للاستقالة مثلا؟
- هل هذا مناسب الآن في ظل الوضع الذي نعيشه جميعا؟
- وأي سؤال لأي مواطن، فله الحق به.
"مش محوجة"، نعم ولعلنا بحاجة لحكمة الأمثال الشعبية: إن قسيت القلوب عليك بالمحننات، والحمل ان توزع بنشال، وصفي النية ونام بالبرية؛ نحن بحاجة لتتجلى المسؤولية لدينا جميعا؛ فالتحلي بحسّ المسؤولية قمة النبل.
ليس لدينا ما نضيفه، غير معنى واحدا هو أننا بحاجة الى الحكمة والتضامن بيننا، بحاجة لمأسسة النزاهة والحكم الرشيد، لاستعادة ثقتنا ليس بالحكمة فقط، بل ببعضنا بعضا، جميعا. ومن عمق الشفافية والحكم الرشيد هو التقييم الموضوعي، والمساءلة، فإن تمت فعلا، فلتطلب الحكومة ممثلين للمجتمع والنقابات، كي يكونا جزءا من المراقبة المالية، لتحمل المسؤولية معا، وهنا أزعم أنه سيكون مخرجا يحفظ كرامتنا جميعا، فليس هناك أسرار مالية.
ومعا في الخطوة التالية أن نطلب استحقاقاتنا المالية كون السلطة الوطنية قد تمت بعقد دولي، والمطالبة بحزم بما لنا من أموال محتجزة، لعدم قانونية ذلك أبدا، من باب إقناع الجميع بأن الحصار المالي يؤثر جدا على تماسك الشعب والحكومة معا، وأخيرا إنجاز حقيقي لترشيد النفقات، والاكتفاء فقط بتقديم الرواتب، بتخفيض الامتيازات الى الحد الأدنى المقبول.
لنستعيد ثقتنا ببعضنا، تلك هي طريق الأمل: فإن لم يمنح شعبنا الأمل، فأي سخرية نعيش!
[email protected]