الكاتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة
بتاريخ 10/3/2023، توصلت إيران والسعودية، وبرعاية صينية، وباطلاع روسي، إلى اتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وبصورة كانت مفاجئة وصادمة لإسرائيل أدت لتبادل الاتهامات بين الحكومة الإسرائيلية والمعارضة التي تقود تظاهرات ضخمة لإسقاطها، وقد حمل البيان الصيني السعودي الإيراني المشترك، دلالات قوية على ما هو أبعد من إعلان إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016 بين طهران والرياض، ويمكن اعتباره اتفاق تاريخي استراتيجي ويعكس تغييرات كبرى في الإقليم والعالم.
قراءة سريعة في الإعلان "شديد الوضوح" عن الاتفاق السعودي الإيراني توحي ب"اتفاقية سلام" جدية وهامة واستراتيجية تعيد تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين السعودية وإيران الموقعة عام 2001، و تفعيل اتفاقية التعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة عام 1998، وهي أيضا بمثابة محاولة لتثبيت مرجعية جديدة للنزاعات في غرب آسيا، تؤدي فيها الصين دور "صانع السلام"، بالشراكة مع كل من إيران والسعودية حيث يكون لهما دور في النزاع أو تأثير على أطرافه.
لا شك لدى، بأن اتفاق تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية برعاية صينية سيكون له ثمن استراتيجي وابعاد اقليمية وعالمية، وستكون إسرائيل "الخاسر الأكبر" منه، فهو يقلص نفوذها إقليمياً وعربياً، وينهي فكرة "الحلف العربي الإسرائيلي" بغطاء أمريكي ضد إيران، وهي (إسرائيل) التي كانت تطمح وتبحث عن حليف عربي يخوض حربها ضد إيران، الأمر الذي يعتبر اخفاقاً وتراجعاً لفكرتها بخوض حرب شاملة غير معلنة مع طهران بالتحالف مع دول عربية وعلى رأسها العربية السعودية، وتتحمل كل تبعات هذه الحرب وتكاليفها وتجني ثمارها إسرائيل.
ولا شك لدي أيضا، بأن السعودية اليوم تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان تتطلع الى دور ريادي على الصعيد الإقليمي والدولي ومن موقع القوة والنفوذ الاقتصادي والمالي، ولم تعد السعودية الخانعة والخاضعة للولايات المتحدة، فقد صفع "الأمير الشاب" رئيس الولايات المتحدة صفعة كادت أن تفقده توازنه و(تصحيه من نومه إلا أنه استمر في نومه)، عندما رفض طلبه بزيادة انتاج النفط من أجل التخفيف من آثار الحرب الأوكرانية الروسية وارتأى عدم الرهان على الموقف الامريكي وعدم الانصياع لمحاولات فرض املاءات والمشاركة في العقوبات على روسيا، بل واستمر في التغريد خارج "أمريكا" بفتح علاقات مع روسيا في خفض انتاج النفط والحفاظ على مستوى الأسعار ووثق علاقاته التجارية والاقتصادية الهائلة مع الصين واخيراً اتفاقه مع إيران.
اتفاق بكين سيكون علامة فارقة في التحول السياسي الذي يجري الان في العالم نحو تعدد القطبيات ونزع الهيمنة الامريكية على العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط المتخمة بالمشاكل التي تسببت فيها أمريكا وإسرائيل ولكن كي نضمن نجاح اتفاق بكين، والبناء عليه، فذلك يتطلب "موقفاً عربياً" وإرادة، (أظن انها وجدت)، تعيد النظر في الاستراتيجيات العربية الموحدة تجاه القوى المؤثرة اقليمياً ودولياً بالاستناد الى المصالح الجيواستراتيجية والجيوسياسية التي تؤدي في النهاية إلى خدمة أمنها القومي والإقليمي.
فلسطينيا،يجب أن تعي القيادة الفلسطينية هذه التطورات "الهامة جداً" الحاصلة حولنا واستغلالها الاستغلال الأمثل في خدمة القضية الفلسطينية خاصة وأن دولة الاحتلال تمر في ازمة كبرى ليس داخلية وحسب وانما في مكانتها الدولية والإقليمية أيضاً، فهذه فرصة ذهبية للفلسطينيين كي يتوحدوا وينهوا انقسامهم للأبد ويفتحوا افاقاً جديدة للنضال والتحرر الوطني.