الكاتب: ياسر المصري
اقر الكنيست الاسرائيلي منذ ايام بالقراءة الثانية والثالثة الغاء قرار الانفصال، وكان قرار الانفصال "فك الارتباط قد تبناه حزب كاديما العام 2005 لتنفيذ مخطط شارون المنشق عن حزب الليكود وهذا المخطط الذي كان قائما لتحقيق شعار شارون نحن هنا وهناك نأخذ ما نريد ونترك لهم ما لا نريد، ولهم بخطته ومشروعه هم نحن الشعب الفلسطيني" ولعل هذا المخطط الذي عمل على تنفيذه شارون كان يأتي لتغيير ادارة الصراع من حيث أن التسوية قد قامت وتوصلت لوجود اتفاق اوسلو بناءا على شعار اسحاق رابين الذي وقع على اتفاق اوسلو وكان يتبنى شعار-رابين- نحن هنا وهم هناك، بمعنى انه كان يرى ان التسوية تقوم على اساس الانفصال عن الفلسطينيين واعطائهم الادارة والارض في حدود الرابع من حزيران من العام 1967 ، وهذا هو السبب الذي سبب قتله وايضا حيّد شارون من حيث ان كلاهما كانا قد وضعا حدود لكيان الاحتلال، واليوم يأتي القرار بإلغاء الانفصال أي التحول عن شعار شارون السابق والذي يعبر عن ادارة جديدة للصراع أنذاك الذي اقر خطة الانفصال والتحول عن شعار رابين الذي اعتمد الانفصال كآلية في إدراة الصراع.
ويأتي التحولين للاستراتيجية من قبل دولة الاحتلال من ادارة الصراع الى حسمه وفق الصهيونية اليمينية والمرتكزة على تحولات حدثت داخل هذا الكيان معتمدة على عدة عوامل سابقة ساهمت وأعدت وصول هذا اليمين الى الحالة التي هو عليها، وفي مقدمتها تعزيز الصوت الانتخابي المعتمد على المستوطنين ووجود وزراء في أكثر من حكومة يسكنوا في المستوطنات، والتخلص من كل من يقترب من فكرة انهاء الصراع عبر التسوية كما حدث مع ايهودا أولمرت، وتهيئة القوانين لتصدر هذا اليمين وبسط رؤيته من الصراع، فقبل وجود بن غفير وشموتريتس كان هناك خطوات متسارعة لفرض القانون الإسرائيلي وتطبيق السيادة الاسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة كأمر واقع، ومنذ سنوات سلطات الإحتلال تقوم بتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات والطرق في الضفة الغربية المحتلة بشكل تدريجي، ولعل الاختلاف في اليمين الصهيوني المتشكل في مجتمع دولة الاحتلال يقوم على مسألة الحدود التي يراها كل حزب او تيار صهيوني يميني ولكن جميع هذه الاحزاب تتبنى رؤية عدم السماح لقيام دولة فلسطينية والعمل على القضاء على اي فرصة لمنع ذلك، من خلال استباق الخطوات وبناء الاستيطان ومنع التواصل الجغرافي الفلسطيني وإقامة بنية تحيتة تخدم هذه المستوطنات بما يقدم كل مانع وعائق لإقامة هذه الدولة، وقد استفاد هذا اليمين من تحريض الوسط الصهيوني الذي بث الرعب وأغلق التسوية مبكرا تحت مبررات وأدعاءات تخدم هذا اليمين الصهيوني وتكرس رأي عام تتوافق وبعض تطلعات وأفكار هذا اليمين.
ولعل في هذا القرار بإلغاء الإنفصال تمهيدا لمرحلة جديدة من الصراع وقد تحمل عدة أشكال واوجه:
الأول: ان دولة الإحتلال تتحول وتتغير وهي في منتصف مرحلة جديدة (بدء هذه المرحلة كان بعد اغتيال الرئيس عرفات وإنكار دولة الإحتلال لموجبات التسوية والاقرار رسميا بعد اعلان دولة الإحتلال رفضها لقيام الدولة الفلسطينية وتحديدا ما بعد الانسحاب احادي الجانب من قطاع غزة العام 2005 وهذا الإنسحاب الذي أسس له ليقوم عليه الإنقسام بفصل قطاع غزة عن الضفة الفلسطينية، ولحق هذا تصريحات وزير حرب دولة الاحتلال بوغي يعلون العام 2012 والتي اكد فيها رفض قيام الدولة الفلسطينية ) وهذه المرحلة تقوم على اساس العمل من قبل الصهيونية اليمينية لحسم الصراع وليس ادارته في الضفة، والحسم لجهة وجود مخطط فعلي لدي الصهيونية اليمينية ينتهي بانهاء الكيانية الفلسطينية المنبثقة والقائمة على اساس اتفاق اوسلو في الضفة.
الثاني: ان الحركة الصهيونية تريد اغلاق مشروع التسوية وجعله واقع لا يمكن وجوده والقضاء نهائيا على ما يسمى حل الدولتين.
الثالث: زيادة ورفع وتيرة الاشتباك ما بين المستوطنين والشعب الفلسطيني في الضفة وإدارة هذا الاشتباك بشكل جديد يجعل من وجود قوات الاحتلال كقوات فصل لهذا الاشتباك وتنصل دولة الاحتلال من شكلها القائم على انها دولة احتلال ومسؤولة فعليا عن كل ما ينتج ويحدث من هذا الاحتلال كسياسة وواقع، وذلك باستبدال صيغة جديدة من توصيف قوات الاحتلال في الضفة الفلسطينية.
الرابع: تعزيز الانقسام وجعل غزة وجهة لإدارة جديدة للصراع كواقع جغرافي معزول ومحاصر واستدراجها للوصول إلى ما يسمى الهدوء مقابل تحسين ظروف الحياة.
ولعل هذا التغيير والتحول في دولة الاحتلال سيفرض نتائج طبيعية من التغيير في محاور ثلاث:
المحور الأول على صعيد الحالة الداخلية في دولة الإحتلال من حيث ارتفاع وتيرة حالة الإنقسام وتعمق الإشتباك داخليا، وهذا مرتبط في بنية الدولة التي ستديرها الصهيونية اليمينية والتي لن تكتفي بمقاعد الكنيست بل ستتمدد بأصوات المستوطنين للسيطرة الفعلية على أركان دولة الإحتلال ولعل ما يتعلق بالإشتباك حول الاصلاح القضائي هو إشتباك اولي وسابق لما هو قادم على صعيد مؤسسة الجيش والأمن بفعل تأثير هذه المؤسسات على قرارات دولة الكيان المصيرية، من حيث ان الدولة تعمل لدى الجيش والأمن وليس كما هو في أي دولة طبيعية اخرى من خدمة الجيش والأمن للدولة ومن حيث أن الجيش والأمن أدوات رئيسية في مشروع تعميق الإحتلال وادارة الصراع من حيث الشكل والسياسات.
وقد ظهرت توجهات هذا اليمين الصهيوني في المظاهرات التي تحدث في الداخل وعدم الإكتراث بأي تهديد خارجي تزعم به مؤسسات دولة الإحتلال سواءا ذلك المتعلق بالمواجهة مع أيران أو وجود فرضيات لتهديدات امنية اخرى، وهذه الصورة تعكس أن هذا اليمين لن يتوقف عند حد المعالجات القضائية لتقييد سلطة القضاء على السلطة التنفيذية بل ستعداه الى مظاهر أخرى في هذا الكيان.
والمحور الثاني هو الحالة الفلسطينية، حيث أن التغيير في مجتمع وكيان دولة الإحتلال هو من حيث الجوهر والرؤية هو تغيير بشطب كل الأدوات التي كانت لتحقيق التسوية، ولن يكون هناك من قبول لوسطية الحلول أو القبول في المؤقت اآني او المرحلة، وقد راهنت الحركة الصهيونية منذ إقامة الكيان على أنها ستجد في مرحلة ما جيلا فلسطينيا لا يقوى على مواجهتها والثورة بوجهها، واعتمدت لتحقيق ذلك على بث عقدة الخوف في المجتمع الفلسطيني، غير أنها في كل مرحلة تواجه هي بالخوف من جيل يأتي بعد جيل يغير في أدوات نضاله واساليب مواجهته وثورته، وقبل حوالي العام تناقل الكثير من المحللين والنخب في مجتمع دولة الإحتلال أن ازدياد العمليات البطولية التي يقوم بها الشبان الثائرين ان مردها إلى ان هؤلاء الشبان لم يشاهدوا دبابة الميركافاة وهي تنفذ العملية الحربية لإجتياح المدن الفلسطينية-السور الواقي( الانتفاضة الثانية) ليأتي بطل يصعب أخراج عمليته البطولية في افلام الاكشن والإثارة ويقتحم حاجز احتلالي محصن بكل الأدوات الأمنية والعسكرية ويكسر هذه النظرية إلى غير رجعة بل يقدم نموذج في بث الرعب في صفوف جنود قوات الإحتلال لن ينسى لسنوات طوال لاحقة، ولم يتجاوز الشهيد البطل عدي التميمي من العمر الرابعة والعشرون، وقد استخدمت قوات الاحتلال أعلى التقنيات وأدوات الرعب والآلة الحربية بكل تفوقها وتقدمها الحربي والتكنولوجي ولكن ما تواجهه هو جيل يؤمن بدوره في الإشتباك والتضحية وليس هناك في قاموسه من مفردات التخلي عن ارضه، وهذا من المؤكد انه سيعيد صياغة كامل الحركة الوطنية وإن كانت في هذه المرحلة مازالت اسيرة الالتزام بالتسوية القائمة منذ ما يقارب الثلاثة عقود، وهذه التسوية لم تعد تعبر عن امل أو الم مجتمع توافق على ضرورة تبنيها كآلية لأنهاء الصراع والقبول بالممكن، ومن المؤكد أن اسقاط الاحتلال للتسوية التي لم يأخذ منها الفلسطينيون ما أرادوه سياسيا ووطنيا من كل هذه التسوية برمتها، سيدفع باتجاه ضرورات المواجهة والإشتباك بكلفة أعلى من السابق ولكن بفاعلية واهمية أيضا أعلى من أي مرحلة سابقة.