الكاتب: زاهر ابو حمدة
لم يستثمر الفلسطينيون سياسياً مفاعيل معركة "سيف القدس" أو "هبة الكرامة" في أيار 2021. حينها توحدوا جغرافياً وديموغرافياً، واشتعلت مناطق الـ48 لا سيما المدن المختلطة كالقدس والرملة واللد والخط الساحلي. ولم يشمل اتفاق وقف إطلاق النار ضمانات لحماية من تظاهروا في الداخل، فشنّ الاحتلال حملات اعتقال واسعة ضد الناشطين أو من يشتبه بمشاركتهم في التظاهرات والاشتباكات. في حين عمل الاحتلال على درس ذلك ووضع خطط لمنع تكراره. فما فعله فلسطينيو أرض 1948 كان السبب الرئيس في خضوع الحكومة خوفاً من تأزم الأوضاع وفقدان الشرطة السيطرة ووضع احتمالية تدخل الجيش في المدن.
ووفقاً للدراسات خرجت العقلية الأمنية والسياسية الاسرائيلية بطرح "الحرس الوطني". وصادقت حكومة نفتالي بينيت، في حزيران 2022، على خطة الحرس الجديد بموافقة وزير الأمن الداخلي السابق عومر بار ليف، والمفتش العام للشرطة كوبي شبتاي، على أن يكون الجهاز الأمني الجديد ميليشيا مساندة لقوات حرس الحدود وذراعاً للشرطة. وهكذا لم تكن فكرة وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، إنما سياسة حكومة كانت ستُنفذ وإن لم يربح اليمين الفاشي الانتخابات. ومع أن بن غفير حاول تصوير انشاء "الحرس الوطني" انجازاً له مقابل الموافقة على تأجيل التعديلات الدستورية وخفض التصعيد الداخلي وكبح التظاهرات، إلا أن النهج مستمر والقرار مطروح على الطاولة إن مرت التعديلات أو لم تنفذ. وتحظى فكرة إقامة "الحرس الوطني" والميليشيات المسلحة بشبه إجماع إسرائيلي، بحيث لا تقتصر الخطة على أجندة وفكر بن غفير وتحالف "الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش. وسبق لحزب "الليكود" عندما كان في المعارضة، بلورة خطة لإقامة ميليشيات مسلحة تعمل داخل الخط الأخضر، وذلك بالتوازي مع قوات الأمن والشرطة.
أتى الاعلان عن "الحرس الوطني" بعد تهديد بن غفير بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها، كابتزاز واضح لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لكن في خفايا القرار خطة أكبر ومشروع أضخم. فتوجه الحكومة نحو "الحرس الوطني" لتشكيل منظومة شاملة لاعادة الأمن الذاتي في البلدات والمدن وجمع السلاح وترخيص حمله لليهود. وبموجب المشروع، فإن فرق "الحرس الوطني"، ستكون تحت قيادة وزير الأمن القومي، وتتشكل من متطوعين وعناصر أمن وجنود سابقين، وجل نشاطها وعملها مواجهة الفلسطينيين في القدس المحتلة وداخل أراضي الـ 48، والمدن الساحلية المختلطة بالعرب واليهود، وذلك لقمع أي انتفاضة قد تحدث وإخمادها. فهي أشبه بلجان شعبية وتستند إلى القوة النظامية لحرس الحدود الذي يضم 8 آلاف عسكري، و46 سريّة احتياطية تضم 5 آلاف عسكري، و300 شرطي متطوع. وتبلغ التكلفة المالية الأولية لإطلاق خطة "الحرس الوطني" نحو 111 مليون شيكل (32 مليون دولار) وتحول كميزانية لمرة واحدة، إضافة إلى 61 مليون شيكل (17.4 مليون دولار) ميزانية سنوية، إلى جانب زيادة معاشات عناصر الشرطة، ورفع عدد العناصر وتجنيد 4 آلاف ضابط شرطة جديد.
ولو لم يُشكل "الحرس الوطني"، لكان سيتحول الى أمر واقع. فقد أسس أحد أعضاء حزب "عظمة يهودية" (يترأسه بن غفير) في آذار 2022، ميليشيا مسلحة في منطقة بئر السبع تحت اسم "ميليشيا بارئيل" وتمتلك معدات وأسلحة ودوريات خاصة بها، وتفتح أبوابها للمتطوعين اليهود لفرض الأمن والأمان في النقب. وبالتالي، سيتحول المستوطنون من حملة سلاح فردي إلى جهاز أمني تحت أمرة بن غفير. وهنا لا بد من التنبيه إلى أن ما ينتظر الفلسطينيين في أراضي الـ48 أو الضفة الغربية سيكون دموياً. وربما المعارضة الإسرائيلية ترفض خطوة نتنياهو وبن غفير، ليس من منطلق الخوف على الفلسطينيين إنما لأن "الجنون" سيجر رداً فلسطينياً. وهذا ما يقوله رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق إيهود باراك، بطريقة غير مباشرة، بحيث يؤكد أن "تعيين بن غفير مسؤولاً عن الحرس الوطني خطوة جنونية لنتنياهو، فقد وجهت إليه تُهم 53 مرة، وأدين عدة مرات، واحدة منها كانت على صلة بالارهاب". أما زعيم المعارضة رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، فيشير إلى أن "مهرج تيك توك (يقصد بن غفير) يريد تحويل ميليشيا السفاحين التابعة له إلى حرس وطني يجلب الارهاب والعنف في كل مكان في البلاد". وحذر المساعد السابق لوزير الخارجية إيدان رول، من أن ناشطي منظمة "لا فاميليا" العنصرية اليمينية "سيصبحون الحرس الوطني بسلاح وصلاحيات".
هذا كله يقودنا إلى توقع مجازر جديدة داخل الخط الأخضر مع سرقة الأراضي بالقوة وفرض سلطة أمر واقع، كما حصل قبل 47 عاماً حين استشهد ستة شبان في الداخل بعد تظاهرات واضراب رداً على قرار مصادرة الاحتلال الإسرائيلي 21 ألف دونم من أراضي الجليل والمثلث والنقب، في الثلاثين من آذار عام 1976، وهو ما عُرف حينها بـ "يوم الأرض". ومن المهم أن يحيي الشعب الفلسطيني ذكرى يوم الأرض سنوياً، بحيث أصبح هذا اليوم ذكرى لتخليد وتجسيد تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه ووطنه. أما ما هو متوقع بعد تأسيس العصابات والميليشيات وقوننتها، أن تكون المواجهة غير متكافئة أمنياً وعسكرياً، وعليه وجب على الفلسطينيين لا سيما في القدس والمناطق المختلطة أن يستعدوا ويتسلحوا بما استطاعوا للدفاع عن أنفسهم.