الكاتب: د. ناجي صادق شراب
تعرف السياسة بدراسة القوة اى القدرة في التأثير على السلوك السياسى للفاعليين الدوليين الأخرين. ومنذ المؤرخ اليوناني ثيوسيديدس والحروب البيلونيزية بين أسبرطة وأثينا مرورا بالعديد من الحروب بين الدول وبالحربين الكونيتين الأولى والثانية وصولا للحرب الكونية المصغرة في او كرانيا ومنطوق السياسة ثابت يقوم على مبدأ الأمن ولبقاء او ما يعرف بالعقدة الأمنية اوعقدة ثيوسيديس، فالسلاح تغير لكن منطوق العلاقات بين الدول ثابت ، وعلى هذه الفرضية تقوم نظرية القوة او النظرية الواقعية في العلاقات الدولية والتي تعتمد على مبدأ القوة .
وفd هذا السياق لا يمكن فهم التحولات في العلاقات الدولية إلا في سياق بينة القوة على كافة المستويات الإقليمية والدولية ، وهذا يفسر لنا ضخامة الإنفاق العسكرى للدول حتى الدول الفقيرة ولذا توصف العلاقات الدولية اليوم بعسكرة العلاقات الدولية.
وهذا الإنفاق العسكرى أحد محددات تصنيف الدول على سلم القوة الدولية ـوأحد معايير هيكلية النظام الدولى أحادية او ثنائية او تعددية القطبية , فعلى سبيل المثال تبلغ ميزانية الدفاع ألأمريكية 770 مليار دولار والصين 330 مليار دولار وروسيا 70 مليار دولار. فالقوة العسكريةاأحد ركنى القوة الصلبة للدول إلى جانب القوة الاقتصادية . وأساس العلاقات بين الدول الصراع على توسيع شبكات نفوذها بالسيطرة والتحكم على مناطق النفوذ ذات الأهمية الإستراتيجية .
وهنا تلعب الحروب دورا أساسيا في رسم وإعادة رسم الخرائط السياسية في المناطق وألأقاليم التي تحدث فيها.فإذا كانت على المستوى العالمى كالحرب العالمية ألأولى والثانية فتعمل او هدفها إعادة بنية النظام الدولى ، ففي أعقاب الحرب الأولى اتسمت العلاقات الدولية وتمحورت حول الدور الأوروبى حتى ان عصبة ألأمم وصفت بالعصبة ألأوروبية مع بداية ظهور دور الولايات المتحده ، اما الحرب الثانية فقد أدت إلى تراجع الدور ألأوروبي وبروز نظام القطبية الثنائية بالقوتين ألأمريكية والسوفيتية وتخلل الحرب الباردة بينهما .
وأستمر العمل بهذا النظام حتى سقوط الإتحاد السوفيتى وتفككة مع بداية التسعينات ليقف الرئيس بوش الأب بعد الحرب في العراق ليعلن بداية نظام القطبية ألأحادية الذى تقف على رأسه الولايات المتحده. واليوم نرى الحرب الأوكرانية والتي تتجاوز الحرب حدودها الجغرافية بمشاركة الولايات المتحده ودول الإتحاد بدعم أوكرانيا وتغذيتها بالسلاح والهدف إجهاض القوة الروسية , وإن كان هدف روسيا المعلن إنتهاء نظام القطبية الأحادية . ولعل ما يحدث من توتر وبوادر حرب بارده بين الصين والولايات المتحده في تايوان أيضا هدفه إعادة بناء النظام الدولى على أساس من القطبية التعددية , ولعل ما ساهم في ذلك تراجع النفوذ الأمريكي وقدرة الولايات المتحده على ممارسة نفوذها وتأثيرها في العديد من المناطق في العالم وخصوصا في الشرق الأوسط بتقليص وجودها العسكرى ليبرز الدور الصينى والروسي ، وراينا ذلك في نجاح الدبلوماسية الصينية في الوصول لللإتفاق السعودى الإيراني الذى ستكون له تداعيات ملموسة في بناء الإقليمية الجديده وتأكيدا على الدور العالمى للصين. وإذا كانت الحرب على المستوى الإقليمى فمن شأنها ان تعيد رسم الخارطة السياسية للإقليم والمثال الواضح الشرق الأوسط والنظام العربى والذى شهد اكثر من حرب بين إسرائيل والدول العربية واليوم تلوح في ألأفق الحديث عن الحرب مع إيران للحيلولة دون إمتلاكها القوة النووية التى تسعى إيران إمتلاكها لتثبيت نفوذها الممتد في المنطقة ,ولا شك انه في حال وقعت هذا الحرب فمن شأنها ان تعيد رسم مناطق الفوذ في المنطقة كلها.وبالمقابل تؤدى التحالفات الإقليمية والدولية نفس وظيفة الحرب وهى الحفاظ على مناطق النفوذ وتقاسمها بين الدول القوية.
فالعلاقات الدولية ومنذ مؤتمر وستفاليا وظهور الدولة القومية كفاعل رئيس في العلاقات الدولية ويحكمها مبدأ المصالح الحيوية والنفوذ، ولهذا لا عدوات ولا صداقات دائمة في العلاقات بين الدول بل مصالح ونفوذ ، وهذا يبرز لنا دور الدول النفطية والغنية وتحكمها في القرار الدولي وتأثيرها على سلوك الفاعلين الأخرين وإمتداد مناطق نفوذها ، هذا المفهوم يرتبط بنظرية الدور والمكانة التى تسعى لها الدول .ولهذا من سمات العلاقات الدولية التغير وعدم الثبات.
وهذه المصالح تفسر لنا كثير من الظواهر والعلاقات بين الدول، وأخرها كما أشرنا الاتفاق السعودى الإيراني فلا يمكن فهم دوافعه بعيدا عن هذا الفهم.
والإتفاق الصينى الروسى ، ومعاهدات الشراكة الإستراتيجية التي توقعها الدول وتنويع علاقاتها الدولية بقيام علاقات مع دول القوة وألأمثلة كثيرة بين إيران والصين والدول العربية والصين وغيرها من الدول.
فاليوم نتحدث عن أكثر من 190 دولة أضعاف عدد الدول الذى قامت عليه الأمم المتحده. ويبقى أن أشير إلى أن المنطقة العربية قد تكون اكثر المناطق التي تعانى من الصراعات الإقليمية والدولية لبسط نفوذها وهذا يفرض على دول المنطقة إعادة بناء قوتها الذاتية وبناء قوة تحالف عربى وهذا ما نلحظة في المصالحات العربية وفى العمل على عودة سوريا للحاضنة العربية وبروز دور القوة الصلبة العربية مصر والسعودية والإمارات وما قد تشكلة وقوة ونفوذ تقلص نفوذ الدول الأخرى في المنطقة.