الأحد: 29/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل تستطيع الحكومة تحقيق التوازن وتنظيم سوق الدجاج اللاحم في قطاع غزة؟

نشر بتاريخ: 03/04/2023 ( آخر تحديث: 03/04/2023 الساعة: 17:26 )

الكاتب:

المختص في الشأن الاقتصادي محمد عبدالهادي نصار

يعيش مربو الدجاج اللاحم في قطاع غزة بعد أسبوع من بداية شهر رمضان ظروفاً حرجة في ظل انخفاض أسعار الدجاج اللاحم، حيث يتم شراء الدجاج من المزارع من قبل الموزعين بسعر يساوي أو أقل من سعر التكلفة، ويرى مربو الدجاج اللاحم بأن متوسط سعر التكلفة حالياً يتراوح بين 8.5 إلى 9 شواقل نتيجة لارتفاع سعر مدخلات الانتاج، ويختلف سعر التكلفة حجم المزرعة ونوعها سواء مغلقة أو مفتوحة وكذلك عمر الدجاج، وقد شهدت الأيام الماضية إعلانات في مناطق مختلفة من قطاع غزة عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن عروض لبيع الدجاج اللاحم الحي ب8.5 شيقل ، و9 شواقل للكيلو جرام.

في الأزمة الحالية يلقي مربو الدجاج اللاحم باللوم على وزارة الزراعة لأنها سمحت بدخول كميات كبيرة من البيض المخصب قبيل شهر رمضان، ويرون بأن الوزارة غير قادرة على ضبط الأسعار من خلال إلزام موزعي الدجاج بشراء الدجاج اللاحم من المزارع بسعر لا يقل عن 9.5 شيقل للكيلو جرام، وبالتالي يحصل الموزع على نصف شيقل، ومحلات بيع التجزئة على شيقل، ويباع الدجاج للمستهلاك بسعر 11 شيقل، كما ويهدد مربو الدجاج اللاحم باتخاذ خطوات يعبرون من خلالها عن اعتراضهم على السياسات التي تتخذها الوزارة لمواجهة الأزمة الحالية مثل اللجوء للمحكمة الإدارية أو الاعتصام السلمي، كما يرون أيضاً بأن الحكومة استخدمت كل وزاراتها من أجل إلزام مربي الدجاج اللاحم بالتسعيرة التي وضعتها أثناء أزمة غلاء الأسعار رمضان الماضي فيما لم تستخدم كل قوتها من أجل إلزام الموزعين بتسعيرة تضمن ربح معقول للمربين أثناء هذه الأزمة.

في هذا المقال سنتحدث عن أسباب انخفاض أسعار الدجاج اللاحم في قطاع غزة، ومن هم الرابحون وكذلك الخاسرون من إنخفاض الأسعار، كما سنقوم بتقديم توصيات تساعد الحكومة في ضبط سوق الدجاج اللاحم مستقبلاً.

بداية يحتاج قطاع غزة شهرياً إلى حوالي 2 مليون دجاجة، 70% من هذه الكمية يتم استهلاكها من خلال المطاعم ومحلات الشاورما، و30% يستهلكها المواطنون، وفي شهر رمضان تتضاعف كمية الدجاج اللاحم المستهلك لتصل إلى 3.5 مليون دجاجة كنتيجة طبيعية للإفطارات الجماعية والولائم العائلية التي تقوم بها الجمعيات الخيرية أو المواطنين.

نتيجة لمشكلة ارتفاع أسعار الدجاج اللاحم خلال شهر رمضان الماضي حرصت وزارة الزراعة قبيل شهر رمضان الحالي بالتنسيق مع المجلس الأعلى للدواجن (ويضم ذوي العلاقة من الوزارات والنقابات أو التجمعات العاملة في مجال تربية الدجاج اللاحم) على إدخال كمية تصل إلى 4.5 مليون بيضة مخصبة، وهذا يعني توفر أكثر من 3.5 دجاجة في شهر رمضان، فيما يقول بعض مربى الدجاج والمختصين في مجال تربية الدجاج اللاحم بأن الكمية التي أدخلت من البيض المخصب إلى قطاع غزة وصلت إلى 5 مليون بيضة مخصبة، مما تسبب بوجود كميات كبيرة من الدجاج اللاحم في السوق، مما أدى إلى انخفاض أسعار الدجاج اللاحم ليصل إلى 10 شواقل للمستهلك وأقل.

الرابح الأكبر من هذه الأسعار المنخفضة هو المستهلك، ثم تجار الصوص والأعلاف والذين تزيد أرباحهم كلما زادت كميات البيض المخصب المدخلة، لأن معدل ربحهم ثابت في الصوص وكذلك في العلف، وكذلك بعض موزعي الدجاج الذين يزداد ربحهم حيث يستفيدون من خوف بعض مربي الدجاج من انخفاض السعر أكثر وبالتالي يشترون الدجاج بسعر أقل ويحصلون على فرق أكبر بين سعر الشراء من المزارع والتوزيع لمحلات التجزئة، إضافة إلى أصحاب المطاعم ومحلات الشاورما والذين يستطيعون شراء كميات من دجاج التفريك بأسعار منخفضة وتخزينها في الثلاجات من أجل استخدامها في نهاية شهر رمضان وعيد الفطر، أما الخاسر الأكبر والوحيد فهم مربو الدجاج والذين يبلغ عددهم حوالي 4,000 مربي دجاج العدد الأكبر هم صغار المربين من خريجي الجامعات الذين لجؤوا لتربية كميات قليلة من الدجاج اللاحم في مزارع مغلقة غالباً فوق منازلهم من أجل توفير القليل من الشواقل ليعتاشوا منها في ظل عدم توفر فرص عمل.

خلال الشهرين الماضيين كان هناك تحذيرات من المختصين في مجال تربية الدجاج اللاحم من وجود كميات كبيرة من عرض الدجاج اللاحم في السوق تفوق الطلب على هذه السلعة أثناء شهر رمضان، حيث طالبوا الوزارة بوقف إدخال كميات كبيرة من البيض المخصب، ولكن خوف الوزارة من حدوث أزمة جعلها لا تعطي أي أهمية لهذه التحذيرات.

الآن وقد وقعت الأزمة تقوم وزارة الزراعة بعقد إجتماعات مع موزعي ومربي الدجاج من أجل البحث عن حلول للأزمة، وقد كان الاجتماع الأخير مع موزعي الدجاج اللاحم من أجل تحديد سعر الشراء من المزارع، وقد نتج عن هذا الاجتماع تحديد سعر الشراء من المزارع بحيث لا يقل عن 9 شواقل، ووقف استيراد قطع الدجاج المبردة والمجمدة من "إسرائيل" من أجل سحب الكميات الفائضة من الدجاج اللاحم من السوق، في حين يرى مربو الدجاج اللاحم بأن هذه الإجراءات غير كافية، وقد تسبب ذلك برعب لدى بعض مربي الدجاج اللاحم من انخفاض الأسعار أكثر إضافة إلى الضغط الذي يمارسه بعض الموزعين مما دفع صغار مزارعي الدجاج اللاحم إلى البيع بسعر 8.5 شيقل وأقل للكيلو جرام للموزعين، أو لبيع الدجاج إلى محلات بيع التجزئة مباشرة مما جعلنا نرى عروض عبر مواقع التواصل الاجتماعي لبعض المحلات تبيع الدجاج بسعر 8.5 و9 شيقل للمستهلك.

خلاصة القول أن الإجراءات التي اتخذتها الجهات الحكومية في قطاع غزة جاءت من أجل توفير سلعة الدجاج اللاحم بسعر مناسب للمستهلك في شهر رمضان، ولكنها تسببت بوجود فائض في الكميات المتوفرة في السوق وخسارة متوقعة لمعظم المزارعين، لذلك لابد من خطوات معلنة وواضحة من قبل وزارة الزراعة تقلل من سيطرة بعض تجار الصوص والأعلاف وبعض الموزعين على السوق، وتمنع أي إحتكار وكذلك أي محاولة لإخراج المستثمرين الجدد من سوق تربية الدجاج اللاحم، وتزيد من قدرة الوزارة على ضبط التوازن في سوق الدجاج اللاحم، ومن هذه الخطوات ما يلي:

الخطوة الأولى ضبط كميات الدجاج اللاحم في السوق من خلال تحديد كميات البيض المخصب المدخلة إلى الفقاسات وأن تكون الرقابة صارمة على عمل الفقاسات وفق نظام الحصص المعمول به، بما يضمن عدم وجود فائض بكميات كبيرة في السوق من الدجاج اللاحم.

الخطوة الثانية تحديد سعر كيلو الدجاج اللاحم بشكل شهري وفق الكميات المتوفرة في السوق بما يضمن هامش ربح معقول لمربي الدجاج اللاحم، ويحافظ على حالة التوازن في السوق.

الخطوة الثالثة البحث بشكل جدي عن إمكانية تصدير الكميات الفائضة من الدجاج اللاحم من قطاع غزة إلى أسواق الضفة الغربية.

الخطوة الرابعة هي العمل على إنشاء صندوق لحماية مربي الدجاج اللاحم، بحيث يتم تحصيل رسم 10 أغورات أي أصغر وحدة نقدية على كل بيضة مخصبة أو صوص، يتحمل تجار البيض وأصحاب الفقاسات 5 أغورات، ويتحمل مربو الدجاج 5 أغورات، ويكون لهذا الصندوق هدفين، الأول انشاء مسلخ حكومي وثلاجات كبيرة لحفظ الدجاج الفائض عن السوق والتخلص تدريجياً من استيراد قطع الدجاج المجمدة من "إسرائيل"، والثاني حماية مربي الدجاج من المخاطر والكوارث الطبيعية للمساهمة في تعويض المزارعين في أوقات الأزمات، ومن المتوقع أن يكون متوسط التمويل الشهري للصندوق حوالي 300,000 شيكل، كما سيشرف على الصندوق لجنة من الوزارات الحكومية وممثلين عن القطاعات العاملة في مجال تربية الدجاج اللاحم.
وبذلك يمكننا القول بأن الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة لو قامت بالخطوات السابقة فإنها ستعيد التوازن وتستطيع تنظيم سوق الدجاج اللاحم في قطاع غزة في المستقبل القريب.