الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على إقامة نظام ابارتهايد كامل على ارض فلسطين ، وتستغل انشغال العالم ب ( جائحة أوكرانيا ) و( حرب كورونا) وغيرها من الملفات . تواصل حكومة نتانياهو الدموية اطلاق يد الإرهابيين اليهود لتهويد الأقصى وإعادة احتلاله وتنفيذ جرائم القتل اليومية لدرجة لم تعد تطاق .
قلت سابقا وأكرر قولي أن أكبر خطيئة عند التنظيمات الفلسطينية هي عدم وجود بنك اهداف للثورة الفلسطينية ، وان كل تنظيم يعمل وفق اجنداته وأهدافه الخاصة ما يعني ان جميع التهديدات ضد إسرائيل تفقد قيمتها وتضعها في سلة التعبيرات الانشائية والانفعالات العاطفية الجياشة . بينما ترسم إسرائيل تحديثا شهريا لبنك أهدافها داخل وخارج فلسطين ، وحين تريد هي تقوم بتحقيق بنك الأهداف من خلال القصف او الاغتيال او الاغلاق او التهويد او إقامة المستوطنات او ارتكاب المجازر .
حين تقرر القيادات الفلسطينية الرد على اقتحام المسجد الأقصى في رمضان يذهب كل تنظيم نحو اجنداته الداخلية ، وتذهب الدول العربية نحو مصالحها في عدم اغضاب الولايات المتحدة الامريكية .
القيادة الرسمية تذهب تلقائيا نحو الشكوى للأمم المتحدة والمطالبة بحماية دولية ، وفريق ثان يوكل الامر تلقائيا للجمهور الغاضب وللكتائب المسلحة بمعنى انه وقتما يشاء يحرر نفسه من المسؤولية ويرميها نحو شباب لا يحملون سوى السلاح الفردي وهم مطاردون وفقراء ولا يدعمهم احد . فريق ثالث من القيادات يتواجد في غزة ويقيس الأمور وفق اعتبارات داخلية ويقرر شكل الرد اما بطريقة التهديد او بطريقة رشق الصواريخ وهذا يعتمد على نوعية القذائف ومدى اطلاقها ولكل قذيفة وزنها السياسي والأمني والعسكري . فقصف تل ابيب يعني حرب وقصف عسقلان يعني عملية وقصف مستوطنات غزة يعني تسخين وهكذا .
النوع الرابع من القيادات له بنك اهداف عجيب وغريب ، ويتمثل في اصدار بيانات الشجب والاستنكار . وهذا الفريق ناشط جدا في نشرها وتعميمها على جميع المواقع الإخبارية والصفحات !!
تل ابيب تعي ذلك وتعلم طبيعة الرد الفلسطيني وفق هذا النمط . ولا تخشى أي رد سوى رد الجمهور الغاضب الذي قد ينتج عن غضبه تنفيذ عمليات ضد الاحتلال . وبنك اهداف هؤلاء الشبان الغاضبين واضح وهو ايقاع اشد الألم بإسرائيل ردا على اعتداءات الجيش والمستوطنين . ولكن إسرائيل تخشى الرد الفلسطيني خارج الحدود خشية ما بعدها خشية .
حين نقلت أمريكا سفارتها من تل ابيب الى القدس ، كتبت الصحف العبرية على لسان الأمريكيين والإسرائيليين : ان العرب سوف يصدرون البيانات الغاضبة ولكنهم في النهاية لن يفعلوا شيئا .
وبالفعل هذا ما حدث . لم يطرد أي سفير إسرائيل او امريكي من اية عاصمة عربية او إسلامية . وذهبت الأمور الى ما ذهبت عليه .
واللافت ان جميع القيادات ومهما اختلفت مشاربها تفاخر وتشجع شباب الضفة على المقاومة ، باعتبار انهم الان مكلفون رسميا وشعبيا واخلاقيا بالمسؤولية عن القدس وعن الأقصى وعن كرامة الشعب الفلسطيني وكرامة الامتين العربية والإسلامية .
هذا الحال لن يبقى هكذا والطبيعة لن تقبل الفراغ . وبشكل طبيعي وتراكمي بدأت تنشأ قيادة جديدة في الازقة والمخيمات والاحياء الشعبية ، وسوف تنشأ قيادة بديلة في الخارج تقارع الاحتلال وتنقل المعركة الى عواصم العالم ، وهذا ما حدث في مرحلة أيلول الأسود واختطاف الطائرات والعمليات الخارجية .
استراتيجيا لا يمكن ان يستمر هذا الواقع المأساوي الى ما لا نهاية .