الكاتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة
كشفت أمس مجموعة مسلحة في الضفة الغربية في بيان لها عن قيامها بإعدام فلسطيني من نابلس بحجة أنه "عميل" للاحتلال وانه كان له "دورٌ بارزٌ" في اغتيال عدد من "المجاهدين"، ثم نشرت بعد ذلك فيديو للشخص الذي أعدمته وهو يدلي باعترافاته، أقل ما يمكن وصف هذه الاعترافات بأنها "ساذجة" وكأن الاحتلال في حاجة لشخص ساذج كي يقف امام بيت شخص مطلوب ويراقب دخوله وخروجه، ثم يكافئه الاحتلال بـ"كروز دخان" كما اعترف القتيل في الفيديو المنشور، في مشهد يعيدنا لقصص الانتفاضة الأولى عندما كانت تجري تصفيات "حسابات" ثم يكتبوا على الجدران بانه تم اعدام العميل الخائن فلان الفلاني وتنتهي القصة.
كأن هذه المجموعات لا تعرف أو لم يصل لأسماعها أن قوات الاحتلال تعرف تضاريس المنطقة بالكامل، وترصد استخبارياً وعبر الأثير والاتصالات السلكية واللاسلكي كل التحركات، كما أن لديها أقمارا صناعية تجعل الأرض مكشوفة لها، مما يجعلها لا تعتمد على العنصر البشري كثيرا.
سواء كان الشاب الذي أعدمته عرين الأسود عميلاً للاحتلال أم بريئاً، فهذه ليست القضية، ولكن القضية هي أنه في ظل وجود سلطة شرعية وأجهزة امنية وأجهزة قضائية، فإنه ليس من حق كائن من كان أن يأخذ القانون بيده، وليس من صلاحيات قانونية لعرين الأسود أو غيرها تخولها بالتعرض لحرية الفلسطينيين او حياتهم أو سلامتهم الجسدية في أي مكان، بل هذا من صلاحيات الأجهزة الأمنية الشرعية ومن صلاحيات الجهاز القضائي الفلسطيني، ومن حق أي متهم أن تجري له محاكمة عادلة تأخذ تسلسل المحاكة العادلة الواجبة لأي متهم مهما كانت التهمة. وما أقدمت عليه هذه المجموعات هو اعتداء على الشرعية الفلسطينية وهي بداية مرحلة الفوضى وأخذ القانون باليد، وإن لم تنتبه السلطة الفلسطينية لهذه الاحداث فإننا امام مرحلة جديدة تتلاشى فيها السلطة الفلسطينية لصالح حكم "مليشياوي" ينهي حلم الدولة الفلسطينية وهذا ما تتمناه إسرائيل وتعمل ليل نهار لتحقيقه في ظل غياب واضح للسلطة الفلسطينية واجهزتها.
إن انتشار الفوضى في الضفة الغربية هي لصالح دولة الاحتلال وهي بالتأكيد سبب فيها، بل وتغذيها، من اجل أن تقول للعالم بأن السلطة الفلسطينية لم تعد قائمة وهي غير "ذي صلة" ولا تقوم بواجباتها لذلك تقوم قوات الاحتلال بعمليات اقتحام يومية لسد فراغ غياب السلطة الفلسطينية. إن التخلص من السلطة الفلسطينية تهدف له دولة الاحتلال من اجل إنهاء حالة سياسية فلسطينية تتمتع بالشرعية الدولية والإقليمية والعربية لصالح حالة سياسية جديدة تتوافق فيها مع سياسات دولة الاحتلال لضم الضفة الغربية لدولة الاحتلال وانهاء الكيانية الفلسطينية واستبدالها بمشروع "روابط القرى" الذي بدء يطل برأسه منذ فترة في ظل غياب السلطة الشرعية المنتخبة من الشعب الفلسطيني.
إن طريقة الإعدام التي أقدمت عليها ما تسمى ب"عرين الأسود" من شأنها ترسيخ حكم المليشيات وهي رسالة قوية بأن السلطة الفلسطينية في طريقها للتلاشي، وأن أجهزتها لم تعد موجودة إلا في مناطق معينة، وإن لم تفوق من "غفوتها" فستجد نفسها بين ليلة وضحاها خارج كل شيء وقد استبدلها الاحتلال بمن يخدم مصالحه وحينها سيكون الثمن "الوطني" المدفوع باهظا جدا، لذلك يجب ان تتحرك الأجهزة الأمنية الفلسطينية "الشرعية" فورا وتفتح تحقيقا فيما جرى وتحاسب كل من اشترك في هذه الجريمة وبالقانون، كي تغلق باب فتنة قادمة لن تبقي ولن تذر.
انا على يقين بأن أبناء فتح الذين ضحوا بالغالي والنفيس منذ الانطلاقة الأولى من اجل المشروع الوطني الفلسطيني سوف يهبوا لإنقاذ حلمهم الوطني الذي وعدهم به القائد المؤسس ياسر عرفات، ولن يكونوا معول هدم للحلم الفلسطيني، وسوف يقفوا سدا منيعا أمام محاولات دولة الاحتلال باستبدالهم بعملاء يخدموا اجندته بالتخلص من كل ما هو فلسطيني من الأرض حتى الانسان وحتى الثقافة والتاريخ الفلسطيني العريق.