الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب
لا تكتمل العروبة إلا بدولها وشعوبها، ولا تكتمل الدول العربية إلا بعروبتها وهويتها ولغتها وللحاضنة العربية التي تجسدها الجامعة العربية .
وفى هذا السياق يأتي الحديث وتتجدد الزيارات والمبادرات لعودة سوريا ليس فقط لمقعدها بالجامعة العربية بل لهويتها وثقافتها ودورها العروبى، والتي تعتبر سوريا من الدول المؤسسة للجامعة العربية وتاريخها طويل في المساهمة بفكر أبنائها ومفكريها بالحركات العربية التي تأسست منذ عشرينات القرن الماضى ، ولنتذكر ان سوريا ومصر شهدتها أول وحدة عربية عام 1958 وكان يمكن أن تشكل نواة لوحدة عربية أشمل وأقوى لولا الإستهدافات الخارجية التى لا مصلحة لها في تحول هذه المنطقة العربية إلى كتلة قوية بما تملكه من قدرات إستراتيجية وإقتصادية وجيوسياسية كفيلة ان تجعل منها قطبا ليس إقليميا بل دوليا.
وفى عام 1956 عندما شنت قوات العدوان الثلاثى على مصر وأستهدفت الإذاعة المصرية قامت الإذاعة السورية بدورها معلنة هنا القاهرة من دشق. وخاضت حربى 1967 و1973ولعل هذا أول درس يمكن لنا أن نستحضره من عودة سوريا لحاضنتها العربية ،فالهدف وكما نرى في أكثر من دولة عربية التفكيك وإستعادة سياسات الإنقسام وهذه المرة على أسس مذهبية إثنية. والدرس الثانى الذى يمكن أن يحتم عودة سوريا وكما قال الأمين العام للجامعة العربية السيد أحمد أبو الغيط أن عودة سوريا اليوم حتمية ، هذا الدرس يتعلق بالتحولات التي في بيئة القوة الإقليمية والدولية، فالحرب الأوكرانية الروسية وفى حقيقتها حربا كونية بوكالة أوكرانية تطال تداعياتها المنطقة ، وبوادر الحرب الباردة الأمريكية الصينية والصراع من أجل إعادة بناء النظام الدولى وتحوله من احادى القطبية للتعددية ، وبروز التحالفات الدولية الجديدة وأبرزها تحالف البريكس وصعود الدول الإقليمية كإيران وتركيا وإسرائيل والصراع على القوة النووية بين إيران وإسرائيل،كل هذه التحولات تفرض على الدول العربية ان تتحرك بدرجة أكبر من الواقعية والمرونة السياسية بإسترجاع كل دولها وفى مقدمتها سوريا لما لها من أهمية جيوسياسية وأرضها ساحة للصراع بكل مستوياته الدولية والإقليمية ، وهنا الخيار امام المنظومة العربية وهى من مناطق الإستهداف ان تتحول لقوة مؤثرة فاعله مقرره لمصيرها وإما ان تتحول لمنطقة تابعة مفككة منقسمة . والحاجة لتشكيل تحالف إقليمى عربة على أسس جديده لا يستكمل إلا بعودة سوريا.
وفى هذا السياق فعودة سوريا إلى عروبتها ليس مكافأة للنظام كما تراه الولايات المتحده وغيرها من الدول الأوروبية التي ترفض عودة سوريا في ظل نظامها الحالي ومنطلقاتها ليست عربية،وفى ظل سياسات غائبة عنها العدالة الدولية في كل القضايا وخصوصا فلسطين.
إن عودة سوريا تستحضر هنا الدور الذى قام به حكيم العرب زايد والذى أوصى أبنائه بمصر وكل العرب عندما عمل على المبادرة لعودة مصر لقلب مقعدها في الجامعة العربية في أعقاب تجميد عضويتها بعد إتفاقات كامب ديفيد وزيارة الرئيس السادات للقدس، ودعوته للرئيس حسنى مبارك لزيارة أبوظبى قبل قمة عمان والمبادرة يومها بعودة مصر إلى قلب مقعدها في الجامعة العربية والقاهرة مقرها الدائم. وان العروبة لا تكتمل إلا بمصر .
هذا السيناريو يتكرر اليوم بالدور الذى قامت به الإماراتوورئيس الدولة سموالشيخ محمد بن زايد بالمبادرة بالزيارات على مستوى الخارجية وبزيارة الرئيس بشار الساد لأبوظبى مرتين وقوله لقد حان الوقت لعودة سوريا إلى الجامعة العربية. وهذا اللتوجه نجده في الدور المبادر الذى قامت به السعودية بإعتبارها صاحبة القمة العربية وفى عاصمتها ستعقد القمة الثانية والثلاثين ولقاءات وزراء الخارجية لبلديهما. وبالدور الذى قامت به مصر والإتصالات على مستوى الرئيسين ولقاءات وزراء الخارجية.
وهذا التحرك ليس غاية في حد ذاته بل يأتي في ظل رؤية عربية شاملة للأزمة السورية وكل تداعياتها وما ترتب على الثورة التي شهدتها في العام 2011 من تدخلات إقليمية ودولية وجماعات متشدده كانت نتيجتها مئات آلآلاف من القتلى المدنيين وملايين من اللاجئيين وتدمير العديد من القرى والمدن والبنى التحتية . هذه العودة تأتى في ظل رؤية ومبادرة عربية تؤسس وتؤصل لسوريا الواحده الموحده بنظامها القوى وابرزهااقضايا الحوار الوطنى بين كافة القوى وعودة ملايين اللاجئيين وإعمار القورى والدمن ودعم سوريا في بناء بنيتها التحيتة وتشكيل حكومة وحدة وطنية .
ولا شك ان هذه المطالب تعتمد على الإستجابة الواقعية للنظام ونية الدول العربية الصادقة لتوفير كل وسائل الدعم وفي التغلب على التحديات والمعيقات التي تعيق عودة سوريا.ولا شك أن الاتفاق السعودى الإيراني والدور الصينى وتوجهات المصالحة التركية العربية والسورية تدفع في إتجاه العودة لسوريا ،ويبقى ان الحوار العربى والمصالح العربية العليا تفوق اى مصالح وأولويات أخرى .وعودة سوريا للجامعة العربية عودة لكل القضايا العربية وفى قمتها قضية فلسطين.ولا شك ان الحفاظ على الدولة والنظام في سوريا يعد إنجازا كبيرا والبديل كان الفوضى وسيطرة الجماعات المتشددة .