الثلاثاء: 24/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

بعد 78 عاماً من الأنتصار على النازية- المفارقات والمقاربات

نشر بتاريخ: 08/05/2023 ( آخر تحديث: 08/05/2023 الساعة: 13:47 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي

بعد يومين بالتاسع من أيار تحل علينا الذكرى ٧٨ للأنتصار على النازية التي دفعت الانسانية وتحديدا الشعوب الأوروبية ومنها شعوب الاتحاد السوفيتي السابق ثمنا باهظا من أرواح أبنائها ومقدراتها من أجل دفن هذا الوحش النازي الذي اطل برأسه قبل أكثر من تسعون عاما من الزمن لمعاداة حريات الشعوب والعدالة وعجلة تطورها الطبيعي .

اليوم يتوجب ربط الكفاح ضد الأحتلال الاستعماري والفاشية الصهيونية مع ذكرى الأنتصار على النازية ، والتحرك مع كل شعوب العالم وقواه الديمقراطية والتقدمية لمناهضة نهوض النازية الجديدة حول العالم ولحماية شعبنا الفلسطيني من مجريات ذلك واستمرار جريمة الأستعمار الممتدة لاكثر من ٧٥ عاما من أجل دحر الأحتلال ونظام الفصل العنصري وتنامي الفاشية .

فمن الدروس المستفادة من هذا الأنتصار على النازية ونتائجها ، هي أن تحديد مصير العالم في المرحلة المعاصرة لتطور البشرية هي مسؤولية مشتركة ذات طابع عام لا يتجزأ . اليوم كل الشعوب تتحمل المسؤولية أمام جيل المستقبل من أجل الوصول الى نظام دولي متعدد الاقطاب ومتوازن يقوم على إنهاء هيمنة السياسية الأمريكية وحلفاؤها ، ويقوم على أساس المبادئ والقيم التي وضعتها الشعوب المنتصرة في المعركة ضد النازية والتي من أهمها قيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي اختيار مسار تطورها المستقل ، حيث من هنا تكمن مسؤولية شعوب العالم والشعوب الأوروبية على وجه الخصوص التي دفعت ثمنا غاليا في دفن الوحش النازي .

هنالك ضرورة اليوم لانهاء ظواهر الاستبداد والعنصرية بكافة اشكالها كما الحروب والحروب بالوكالة التي تقوم على حساب مصالح الشعوب . هنالك ضرورة لدحر نشؤ ظواهر النازية الجديدة التي بدأت تطل برأسها من أجل حصار من حقق الانتصار الفعلي على النازية سابقا أو الثأر منه .

وهنالك تكمن ايضا ضرورة العمل من أجل تعزيز الثقة المتبادلة بين الشعوب على قاعدة العدالة والمساواة والتضامن بينها والبحث المشترك للآفاق المستقبلية للبشرية جمعاء التي يجب أن تكون أفضل من أجل حماية مصالح الشعوب والسلم الدولي ، وإنهاء استمرار دفع الشعوب ثمن المغامرات المتوحشة الأمريكية حول العالم وثمن هذا الأحتلال الأستعماري الإسرائيلي البشع الذي لا يمكن أن يستمر للأبد خاصة مع بروز ظواهر الأزمات العميقة اليوم داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه والمتغيرات الدولية والاقليمية الجارية ومقاومة شعبنا .

لقد ارتكبت الولايات المتحدة بعد مرحلة الأنتصار على النازية الجرائم ضد شعوب كثيرة في مناطق مختلفة من العالم وفي مساندة الحركة الصهيونية التي إدانتها الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل تراجعها لاحقا عن قرارها بمساواتها بالعنصرية لظروف المتغيرات الدولية والضغوطات الأمريكية في حينه وأسباب أخرى . وهي اي الولايات المتحدة اليوم تدفع باعادة التوتر للعالم في حربها وتهديداتها ضد الصين وروسيا والشرق وشعوب امريكيا اللاتينية وافريقيا بشكل عام ولا تبالي في استدامة الاحتلال الاستعماري بل تعمل على حمايته .

تلك القيم التي كان من المفترض أن تشكل الهيكل الأخلاقي والسياسي للنظام العالمي المعاصر التي ثُبت في ميثاق منظمة الأمم المتحدة التي تشكلت كأحد النتائج المهمة للانتصار على النازية ، وفي تأسيس هذه المنظمة الدولية التي تدعوا لتوحيد جهود البشرية لضمان السلم والأمن الدوليين والتصدي للتهديدات الدولية وتتضمن جوابا نهائيا وأساسيا لكل الشعوب المحبة للسلام برفض آيديولوجيا النازية والفاشية وأي نظرية معادية للبشرية وقيم ومبادئ الانسانية ، الا ان الهيمنة الأمريكية وتهديداتها كانت مانعا من تنفيذ العديد من قرارات المنظمة الدولية ، وعملت في حينه على اعادة ترتيب المنطقة جيوسياسيا وساهمت في خلق دولة المشروع الاستيطاني التي تتمدد اليوم في كل فلسطين التاريخية ، وما زالت هي وحلفاؤها يقدمون الدعم الذي توج مؤخرا في تغييب الحقيقة وتزوير الوقائع وتجاهل شعبنا وحقوقة من خلال بيان الكونغرس الأمريكي وتصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية قبل أيام.

إن ما تقوم به قوى اليمين والليبرالية المتوحشة بالولايات المتحدة ومؤسستها العميقة وبعض الدول الأوروبية اليوم وحلفائها وفي مقدمتهم دولة الأحتلال الأستيطاني إلاسرائيلي يستند الى الارتداد عن تلك النتائج والى مرتكزات فكرية تعبر عن روح نازية وفاشية جديدة تقوم على اسس التمييز العنصري والتطرف القومي الديني والفوقية العرقية او الدينية وفق مفاهيم مزعومة تساندها قوى صهيونية دولية او قومية مسيحية غربية تسعى لما حاولت أن تسعى له قبل ٧٨ عاما النازية ألالمانية وحلفائها من موسيليني وفرانكو وغيرهم لاضطهاد الشعوب التي لا تنبع من عرقهم المزعوم .

وفي عصرنا الحالي الذي يتسم بالعنصرية غير المبررة في بعض دول الغرب الاستعماري تجاه اللاجئين او الملونين وعودة بعض مظاهر الاستبداد والارتداد عن الديمقراطية الشعبية والعدالة الاجتماعية ، فأن آليات صعود هتلر انذاك تشكل مسألة ملهمة لهم بشكل خاص ، فلا يوجد نموذج أفضل بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في تفكيك الديمقراطية والعدالة الاجتماعية على حساب صعود اليمين الفاشي القومي أو الديني.

حيث يشير عدد من حكام دولة الأحتلال الى ان تعاون الصهيونية الدينية مع الصهيونية العلمانية نجح في الاستمرار طالما تبنّت الصهيونية العلمانية بصورة واضحة فكرة الوطنية اليهودية . الأمر الذي برأيي ينقلها إلى مراحل الفاشية اليوم .

وبالتالي يُمكِن القول إن الحركات العقائدية اليمينية القومية والدينية بكافة تشكيلاتها اليوم تُجسّد العقل الباطني للنازية الجديدة وللحركة الصهيونية .

حيث تَستقي الحركة الصهيونية نقاءَها الدينيّ والسياسيّ من خلال وهمِهم في محو شعبنا الفلسطيني ، وهي تستمد وَهم شرعيتها التاريخية من خلال خطابات الانتصار علينا نحن الفلسطينين وحسم الصراع المبكر معنا من خلال تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى أو مملكتها التوراتية كما يروج غلاتهم اليوم في برنامج حكومتهم ، تماما كما كانت خطابات النازيين امثال جوبلز وغيره بحق القوميات الأخرى غير الاَرية قبل ٧٨ عاما ، كما خطابات زعماء الحركة الصهيونية الاوائل ومعلمهم جابوتنسكي .

والمفارقة هنا ، ان هذه الحركة وكيانها السياسي قد ساندت وعلى مدار عقود طويلة حركات فاشية ونازية جديدة من أجل إنجاح وصول ديكتاتوريات عسكرية للحكم في عدد من دول اوروبا وامريكيا اللاتينية قبل الاطاحة الشعبية بها .

وبالمناسبة فقد استمد النازيون الإلهام من العنصرية الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. حيث يشيد هتلر في كتابه «كفاحي» بأمريكا باعتبارها الدولة الوحيدة التي أحرزت تقدماً نحو مفهوم عنصري كأساس للمواطنة من خلال استبعاد أعراق معينة من التجنيس والمواطنة وممارسة الفوقية البيضاء .

وقد كان برنامج التعقيم القسري في كاليفورنيا سبباً مباشراً في استلهام قانون التعقيم النازي عام ١٩٣٤. وهناك أيضاً أوجه تشابه اجرامية بين تقنيات الموت الأمريكية والألمانية ، والتي اخذ الأحتلال الإسرائيلي بتكرارها ضد ابناء شعبنا .

قبل ثلاث سنوات ولمناسبة مرور ٧٥ عاما من الانتصار على النازية ، وبناءً على اقتراح من روسيا، تم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار ينص على "مكافحة تمجيد النازية والنازية الجديدة والممارسات الأخرى التي تسهم في تسعير الأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصّب".

ولقد كان مفاجئا أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا قد صوتت ضد القرار مع دول اخرى ، بينما امتنعت أغلب الدول الأوروبية عن التصويت ، الموقف كان غريبا حينذاك ، لكن ما يجري اليوم قد يسهم في تفسير ذلك.

فما زالت محاولات اضطهاد الشعوب بافكار متجددة وجرائم التطهير العرقي واستمرار فرض نكبة ومحرقة مستمرة على شعبنا الفلسطيني التي تحلُ علينا ذكرى بداياتها كجريمة ضد الانسانية قبل ٧٥ عاما بعد أيام قليلة في ١٥ أيار والتي هدفت الى تنفيذ مشروع استعماري عنصري على أرض نحن الفلسطينين اصحابها، أرض ليست لهم ، لم يأتي بها احد من هؤلاء المستوطنين من الدول التي تركوها في إطار مؤامرتهم مع النازية في حينه واستغلال اتباع الدين اليهودي من أجل أهداف الحركة الصهيونية العالمية على حساب حل المسالة اليهودية في مجتمعاتهم الاصلية وفقراء اليهود والتي وصفها لينين قبل قرن من الزمن بالحركة العنصرية ، تلك الحركة التي ساندتها قوى الاستعمار الأمريكي والبريطاني والتي ابتدعت فكرة الوطن القومي لليهود الذين لا ينطبق عليهم "مفهوم شعب" وفق كافة المعايير منذ وعد بلفور وما قبل .

واليوم وبعد ٧٨ عاما تظهر قوى نازية جديدة تمارس سياسات إثارة بؤر النزاع في هذا العالم لمحاولات استمرار فرض وانقاذ هيمنة النظام الأحادي القطب المتهاوي الذي لا يخدم مبادئ السلم والأمن الدوليين ، وتساهم هذه القوى وبعض الدول من خلال صمتها على جرائم الاحتلال بتشجيع استمرار ارتكابها وتعزيز مفهوم دولة الاحتلال كنظام فوق القانون الدولي وكنظام عنصري معاصر تحميه اساسا الولايات المتحدة بأشكال عسكرية ، أمنية وسياسية وتمنع إدانة جرائمه في مجلس الأمن الدولي ، رغم ادعائها برعاية عملية سلام لم تؤدي الى نتائج حتى اللحظة سوى استدامة هذا الأحتلال بأشكاله المختلفة .

وتبقى المفارقة أن الأيديولوجيا النازية التي كانت عدوا للغرب في الحرب العالمية الثانية، هي اليوم من ينفذ أجندة الغرب في اوراسيا ، بل وفى بعض الدول الأوروبية التي تخرج عن الخط العام للعولمة الأمريكية ، مما يوضح بجلاء أن الصراع بين ألمانيا النازية والغرب في الحرب العالمية لم يكن صراعا أيديولوجيا، بل صراع مصالح يخدم تفوق الولايات المتحدة على حساب تدمير اوروبا ، وهو ما يتضح بجلاء مع وجود العلاقات الحسنة بين النظام النازي الألماني من جهة وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى في سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية ومن مساندة النازية انذاك للمخطط الصهيوني .

وهو ما يتم اليوم من جانب الولايات المتحدة بجر أوروبا إلى حافة الهاوية الاقتصادية من خلال حربها الجديدة بالوكالة التي قد تعيد تدمير القارة وافقارها كما حدث بالحرب العالمية الثانية .

وهذا ما دفع وزير خارجية روسيا الذي ترأس بلاده مجلس الأمن قبل ايام لفضح جوهر الاحتلال الإسرائيلي الأطول بالتاريخ بعد الحرب العالمية ومهاجمة السياسات الإسرائيلية وربطها بتاريخ النازية بعد افتضاح امر تعاونها مع النازيون الجدد في أوكرانيا.

كما ان الدروس والعبر المستفادة من الانتصار على النازية التي كلفت شعوب الاتحاد السوفيتي السابق لوحده انذاك ما يقارب ٣٠ مليون انسان قاتلوا بايمان من أجل الدفاع عن الوطن ودحر النازية ، وكلفت البشرية ومنها الشعوب الأوروبية ومقاومتها الوطنية عموما ملايين اضافية من البشر ، تؤشر على ضرورة توقف هذه الحروب الصغيرة والكبيرة ضد شعوب الأرض ، وضرورة أن تتوقف حروب سلطة راس المال السياسي من خلال مجمعاتها العسكرية والمالية ، ومن محاولات الليبرالية الجديدة المتوحشة من تكرار التاريخ أينما كان ومن انتاج أسلحة الدمار الشامل وإثارة بؤر التوتر على حساب قضايا الشعوب المقهورة والسلام والاستقرار ، وهذا ما يسعون له اقطاب الحزب الجمهوري والمحافظون بالولايات المتحدة وعلى رأسهم روني دي سانتيس المرشح لنائب الرئيس في حال فوز ترامب أو النازيين الجدد هنالك والذين يلبسون ثوب القومية المسيحية المتجددة .

إن غدا لن يكون كما قبله في ظل بدايات انهيار احادية القطب كنظام عالمي واستئثارها ، وعلى شعوب الأرض ان تكافح من أجل انتصار قضايا الإنسانية وقيمها في هذا الكون من اجل بناء عالم جديد يكون افضل مما كان او مما هو عليه الآن ومن اجل دحر مُشعلي الحروب و أعداء الإنسانية، فمن دروس الانتصار على النازية بعد ٧٨ عاما ما يؤكد على عدم استطاعة اي قوة مهما بلغ جبروتها أن تقهر مصير َومصالح الشعوب وان الشعوب بما فيها شعبنا حتما لمنتصرة.