الإثنين: 18/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نظريات الاخلاق

نشر بتاريخ: 18/05/2023 ( آخر تحديث: 18/05/2023 الساعة: 10:39 )

الكاتب: د.باسم الحجاحجة

يرى الفيلسوف الامريكي جون ديوي أن اهم مشكلة للتربية الاخلاقية في المدرسة هي مشكلة العلاقة بين المعرفة والسلوك فإذا لم يكن التعلم المقتبس من منهج الدراسة النظامي ذا أثر في الاخلاق فمن العبث الاعتقاد بأن الغاية الاخلاقية هي الهدف النهائي والموجد للتربية ، حيث لا توجد علاقة عضوية وثيقة بين مواد المعرفة وأساليبها وبين نمو الاخلاق لذلك فإننا نضطر الى اصطناع دروس معينة في الضبط ، وبالتالي لن تتحد المعرفة من المنابع الاعتيادية للعمل والنظرة الشاملة الى الحياة، وستغدو الاخلاق أمرا خاصاً أي طائفة من الفضائل المتفرقة .

ومن وجهة نظري فإنني أوافق نظرية جون ديوي في هذا الجانب من التربية ، ففي التربية الأخلاقية لا بد من التعاون والتكافل بين المؤسسات التربوية؛ كالأسرة، والمدرسة، لأنه من الصعب أن يقوم فردٌ واحد بتربية أبنائه مثلًا دون تعاون مَن هم معه ومَن حوله على هذه المهمة، ويجب أن يكون تصور الأخلاق من خلال تصور الخير والشر على رأي واحدٍ وموقف واحدٍ من المؤسسات التربوية، ومتى ما كانت على رأيين وموقفين في هذا فستسقط البوصلة، وسيتشتت الأمر ويضيع المتربي.

والتربية التي لا تبنى على أخلاق وقيم واضحة محددة ستنحرف عن الطريق، وتفقد الهدف، ولن تؤتي ثمارها؛ إذ سوف يغيب العدل والإنصاف والصدق ، وتحل مكانها القِيَم الهادمة التي تنخر في النظام التربوي التعليمي، وهذا ما يميز التربية الإسلامية التي تضع الأخلاق وتزِنُها وتأطرها بميزان الشرع، فلا يحصل تناقض وتضاد، أو تبديل وتحويل.

وبداية التغيير إنما هي من النفس من خلال القناعة التي يتحصل عليها من التربية وطرائقها,

حيث يقول تعالى في محكم تنزيله : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم " .الرعد: 11]،

كذلك يشير جون ديوي في كتابه عن نظريات الاخلاق بأن هنالك تناقض في المناقشات الاخلاقية بين العمل وفق المبدأ والعمل وفق المصلحة، ويرى ان من يعمل على مبدأ يعمل بنزاهة بريئة من المصلحة وفق نظام وقانون عام يعلو وفق كل الاعتبارات الشخصية . اما من يعمل طوعا لمصلحته فسيكون عمله انانيا يقصد به الربح الشخصي ، أي ان الفرد في هذه الحالة يستبدل الحاجة المؤقتة المتغيرة بالإخلاص الذي لا يحيد قيد شعرة عن قوانين الاخلاق .

وبعد التأمل في نظريات ديوي أرى انه و من الطبيعي أن نلاحظ كثيرا من الافراد الذين يغلبون المصلحة الشخصية على المصلحة العامة او كما وصف ديوي تغليب العمل وفق المصلحة على العمل وفق المبدأ ، بل أصبح هذا الامر يشكل ظاهرة وآفة اخلاقية واجتماعية في وقتنا الحاضر في كثير من مؤسساتنا التربوية بالاضافة الى المؤسسات المجتمعية الاخرى، لذا يجب على الفرد أن يتعامل من منطلق المعايير الأخلاقية العامة التي يؤمن بها كالأمانة وإطاعة النظم والعدل والرحمة والصدق واحترام الآخرين والولاء وغيرها.

كما ويمكن أن نخلق من نظريات ديوي حلولا و مفاتيحا للنهوض وترجمة العمل الاخلاقي في مجتمعنا على ارض الواقع ، من خلال التأكيد على العمل وفق المبدأ بالتأثير على أخلاقيات الفرد في العمل لتكون أخلاقا مهنية وتربوية عالية يسمو بها الانسان من خلال استثمار المصادر الممكنة منها الرسمية والمتمثلة في القوانين والأنظمة والتعليمات وتوجيهات الإدارية وسياقات العمل الإداري، فللقواعد القانونية دور في إقرار أخلاقيات العمل والمهام والواجبات بصياغات ذات بُعد أخلاقي تفصح عن ثناياها القانونية، بأساليب وصياغات متعددة.

اما التأثير الاخر فهو الذي يتمثل بالأعراف والعادات الاجتماعية والتربوية والدينية ، كذلك بتأثيرات الاسرة والتربية، وتأثيرات البيئة الاجتماعية كالتأثير من المدرسة او الزملاء واحيانا تأثيرات المواقف التي قد تُملي على الفرد انتهاج نهج معين لا يتفق مع الاخلاق، فمثلا التفاؤل والتفكير العاطفي والسعادة تُملي عليه مواقف اخلاقية ايجابية حسب نظرته التفاؤلية كما أشار ديوي, فيما أن النظرة السلبية تعكس سلوك آخر والذي يؤثر على عمله وعلى من حوله.

وهناك تأثير آخر من النظام القيمي الذاتي والمتمثل بالقيم الشخصية ، والصفات الشخصية للفرد نفسه حيث يتأثر السلوك الاخلاقي للفرد بمجموعة من العوامل التي ترتبط بتكوينه العائلي، حيث ان المعايير الشخصية والحاجات الفردية والمتطلبات المالية التي تدفع الفرد الى العمل وفق المصلحة .

وكما أشار ديويً ، انه لا يمكن أن نفصل التربية عن الاخلاق ، وهذا رأي سليم ، فالأسرة والتربية لها دور في تنمية اخلاقيات الفرد حيث تمثل العائلة النواة الاولى في بناء الشخصية، كما ان المدرسة لها دوراً اساسياً في تكوين القيم الاخلاقية وتنمية السلوك الاخلاقي لدى الموظفين والافراد.

ولا يمكن أن نغفل التأثيرات الدينية ، فهي تؤدي دورا مهماً في مجال أخلاقيات العمل في تحقيق الرخاء والتضامن بين الافراد والتضحية بالمصالح الخاصة بهم في سبيل المصلحة العامة، فالعمل وفق المبدأ هو القانون الاعلى الذي يجب ان يخضع له كل قانون، وتبرير المصلحة العامة والدفاع عنها تعد قيمة اخلاقية لدى الافراد في توجيه سلوكياتهم وافعالهم .

ختاماً، فان القيم عنصر اساسي في ثقافة التميز, وهناك مفاتيح تؤثر على اخلاقيات الفرد فنشر القيم الايجابية والتي تدعم الابداع والابتكار وتوليد الافكار وتشجع على التعاون والانفتاح والاداء المتميز والتطوير المستمر ستؤثر تأثيرا ايجابيا على الفرد وعلى المؤسسة التربوية الفلسطينية وعلى المجتمع الفلسطيني بأكمله وسيكون العمل وفق المبدأ وليس وفق المصلحة.