الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فتح على وقع انتخابات جامعة النجاح

نشر بتاريخ: 20/05/2023 ( آخر تحديث: 20/05/2023 الساعة: 13:57 )

الكاتب: عوني المشني



قد تنجح فتح هنا وقد تفشل هناك ، قد تفشل اليوم وقد تنجح غدا ، هذا وضع متغير لكن هناك ما هو اشبه بالحقيقة الثابتة وهو انه ومنذ عشرون عاما وهو ان مكانة حركة فتح في تراجع وصل الى الخطر الداهم ، وعشرون سنة مدة كافية لملاحظة هذا التراجع واعتباره معطى شبه مؤكد ، وحتى لو نجحت فتح في كل المواقع بنسب ما دون الستين في المائة وعلى مدار اكثر من دورة انتخابية فذلك يعني تراجع قياسا بوضعها التاريخي كطليعة واغلبية طاغية في المرحلة السابقة .
لماذا تتراجع حركة فتح ؟!! قيل في هذا الموضوع اكثر مما يحتمل التكرار ، وما قاله اعضاء من فتح اكثر مما قاله المحايدون او حتى خصومها ، ولكن وفي اغلب الاحوال يتوقف القول وكل قول عند مرحلة معينة ، هي ذاتها دائما ، ان الاصلاح المراد لخروج فتح من ازمتها يصطدم مع موقف قيادة حركة فتح ممثلا باللجنة المركزية ، وفي العمق اكثر ان العائق الحقيقي هو رئيس هذه الحركة بالتحديد باعتباره الذي يتحكم في كل امور الحركة بلا استثناء .
السؤال الذي يهرب منه الجميع وبلا استثناء : لماذا يريد رئيس الحركة ان تبقى في ازمتها وفي حالة تراجع متواصلة ؟!! والسؤال يأتي بهذا الشكل القطعي باعتباره استنتاج منطقي وموضوعي لمقولة ان عدم اجراء اصلاحات كافية لاخراج الحركة من مأزقها هو مساهمة موضوعية ليس في الابقاء على ازمتها فحسب بل وفي تعميقها ايضا .
من هذه النقطة يفترض ان تكون بداية الكتابة ، ما سبقها بديهيات تم رصدها كثيرا وقتلها الكتاب والمثقفين واعضاء الحركة بحثا ونقاشا واصبح تكرار الحديث فيها مدعاة للملل والاحباط .
هناك ثلاث افتراضات لتفسير موقف الطبقة القيادية للحركة ورئيسها ، التفسير الاول افتراض انعدام المعرفة والخبرة ، وسرعان ما يسقط هذا التبرير امام طول وعمق التجربة لهذا الطبقة القيادية واذا ما اخذنا وضع رئيس الحركة في هذا المجال فيكاد هذا التفسير ان يصبح اقرب ان النكتة السمجة ، رجل عاصر الحركة منذ يومها الاول ومن موقع قيادي ومر بكافة مراحل تطورها لا يمكن ان يكون مفتقدا للخبرة او المعرفة ، بل هو الاكثر خبرة والاكثر معرفة والاكثر ادراكا لاوضاع الحركة وازماتها وسبل تجاوزها . وهذا لا يختلف عليه احد .
التفسير الثاني ان مصالح الطبقة السياسية والتي تقود الحركة وبالتحديد قيادتها تكمن في بقاءها هكذا ، معدلات لا يراد تغييرها حفاظا على مواقعهم وامتيازاتهم ، ربما يفهم هذا اذا ما طبق على معظم اعضاء المركزية ولكن بالنسبة لرئيس الحركة فذلك مختلف الى حد كبير ، لا يوجد من ينافسه على موقعه كرئيس للحركة هذا اولا ، وثانيا فان ضعف الحركة ينعكس عليه شخصيا كون هذا الضعف للحركة يضعفه في مواجهة خصومه السياسيين من قوى اسلامية وغيرها بل حتى انه بضعفه في علاقاته الاقليمية والدولية ، وثالثا فان ذلك يضعفه امام الاعداء فقوة حركة فتح تساعده كثيرا في التمسك بثوابت شعبه .
اما التفسير الثالث فهو ان هناك عامل غير مرئي وضاغط على هذه الطبقة السياسية وبالتحديد رئيس الحركة لاخذ هكذا موقف والابقاء حلى حركة فتح في حالة عدم الاتزان ، حركة تستخدم في سياق سياسي مختلف عما انشئت من اجله ويستنفذ كادرها وتاريخها في تبرير الامر الواقع .
امام التفسيرات الثلاث هذه نحتاج الى ادوات تحليل استثنائية للوصول الى الاستنتاج الصحيح بشأن السبب الحقيقي ، ولكن في السياسة دوما هناك تداخل منطقي للاشياء ، فاخذ هذه الاسباب الثلاث مجتمعة ولو بنسب متفاوته يمكن ان يعطي تفسيرا منطقيا ، هناك عوامل متداخلة لها علاقة بنوع التجربة وليس بطول امدها وهناك مصالح ذاتية وضغوط من مصادر اخرى اجتمعت وجعلت الامور تأخذ هذا المسار ،
امام هذا الوضع فان النصح والارشاد وتقديم التوصيات والمناشدات لم ولن تجدي نفعا ، موقف الخلية القيادية الاولى التي تقود فتح غير قابل للتغير عبر النقاش او الارشاد او استصراخ الواجب ، لديهم موقف او مواقف مفهومة تماما لهم ومبرر تماما لهم وعن سابق اصرار ومعرفة مسبقة ،يدركون اسبابه ومآلاته ومخاطره .
السؤال هل يعني ان هذا قدر لا مفر منه ؟!!! بالتأكيد هو ليس كذلك ولكن تحتاج فتح الى مفاعيل استثنائية لاحداث تغيير حقيقي وجذري يعيد فتح الى حالتها الطبيعية كحركة تحرر وطني . الكادر الوسيط في حركة فتح هو الاكثر فهما للحالة التي وصلت اليها الحركة ، وهو الاكثر قدرة على احداث التغيير لكنه باغلبيته النسبية جرى ربطة من حيث الراتب وبعض الامتيازات بمنظومة السلطة وبالتالي لا يغامر بفتح تناقض او اختلاف قد يؤثر على معيشته او حياته ، هذا اضافة لمشاعر " القبيلة " التي تحكم الارتباط العاطفي بحركة فتح والذي يجعل الاختلاف فيها شأن لا يعلو على الارتباط الوجداني المتأصل . جانب اخر لا يقل اهمية وهو ثقل وتأثير العوامل الخارجية والتي سيكون لها تأثير ليس بالقليل عند اي محاولة فاعلة وحقيقية للتغير ، لان ما تم انجازه بالابقاء على حركة فتح بهذه الحالة الهلامية لا تسمح الاطراف المستفيدة من هذا الوضع بتغييره بسهولة ، بل قد لا تسمح مطلقا بتغييره ، هذا ليس من قبيل تضخيم نظرية المؤامرة بل يكون من السذاجة عدم رؤية ذلك .
نحن امام حالة ملتبسة والتعقيدات فيها مربكة الى حد ان " الانتظار " هو الحل المتوفر في ظل تعقيدات الحلول الاخرى . وقد يعفي الكثير من الكادر نفسه من المسئولية ياخذ موقف نظري ناقد لا يسموا الى مستوى الفعل ، يجد هذا الكادر في هذا الموقف نوع من تخدير الضمير او اعفاء نفسه من المسئولية .
ربما استمرار تلك الحالة وازمة الكادر الوسيط في التعاطي معها ستقود الى سياقات اخرى ، فليس مستحيلا ان يكون الاصلاح متعذرا ليفتح الباب واسعا لانبثاق قوى جديدة ، فعندما تستنفذ القوى القديمة دورها تولد قوى جديدة هذا ليس استثناء في الحركة الاجتماعية السياسية ، لكنها عملية تحتاج الى وقت طويل لا تحتمله متطلبات القضية السياسية الوطنية . لكن المرونة الكبيرة التي تتمتع بها فتح والهامش الواسع من الديمقراطية قد يعطي افقا مختلفا لتغيير ينتظر اللحظة المناسبة والتي ستنتج في ظل الصراع مع المحتل ، هذا امر ليس متعذرا ، وقد تكون التطورات التي تحصل في الحركة سواء الحراكات بين الكادر انفسهم والتصاعد الكفاحي الذي بدأ في مدن شمال الضفة الغربية ، قد يبدو هذا ارهاصات في ظل تراكمها قد يؤدي الى نقلة نوعية على طريق تغيير ذي مغزى .