الكاتب: محمد موسى مناصرة
التاريخ يعيد نفسه، ظاهريا يبدو أن هذا المفهوم مضلل، ولكن فيما هو جوهري كالعلاقة بين السبب والنتيجة، او ظروف متشابهة اذا ما تكررت ستفضي الى نفس النتائج، فالمفهوم صالح تماما.
تحضرني هذه الحكمة، كلما نظرت الى واقع حال السوريين ممن احتسبوا على الثورة أو المعارضة، الذين بعثرتهم الانكسارات، وتداعيات الثورة المضادة، والتدخلات الاقليمية والدولية الرافضة لتطلعات السوريين للحرية والعزة والكرامة، وهبوط العالمية بكل ثقلها في الفضاء السوري وغطت كل ميدان فيه.
في تاريخنا الفلسطيني، مرَّ زمن كانت فيه القيادة الفلسطينية مبعثرة، مقابل قيادة صهيونية موحدة، والقيادات الفلسطينية منذ العشرينات من القرن الماضي، اوكلت الجهود الدبلوماسية المتعلقة بفلسطين للحكام والامراء الخاضعين في حينه للإمبريالية البريطانية وغيرها. والسوريون اليوم اوكلوا مهامهم الدبلوماسية لبعض الحكام العرب وللجامعة العربية ولبعض الدول الامبريالية.
في المقابل القيادات الصهيونية التي ليس فقط استحوذت على مهام أي جهد دبلوماسي يتعلق بأهدافها، بل وللدرجة منعت الصهاينة من هم بالخارج الحديث أو الافتاء بأي شأن من شئون الصهيونية في فلسطين، وأدارت الصراع على الارض الوكالة اليهودية. وكانت بجميع الوان الطيف الصهيوني موحدة ومتعلمة غير جاهلة.
ما أود الاشارة اليه، كانت فلسطين خاضعة للانتداب البريطاني، وتحت هذه الملحفة القيادة الفلسطينية برئاسة الحاج امين الحسيني انشأت تحالفات مشينة ومخزية مع النازية في المانيا ومع الفاشية في ايطاليا، الامر الذي أفقد الشعب الفلسطيني أي صديق أو حليف محتمل، بما في ذلك فقدان تفهم الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الناشئة للقضية الفلسطينية وخسرنا في افهامهم مخاطر الصهيونية على العالم كله، وطبعا هذا ليس تبرئة للسوفييت من الاخطاء التي وقعوا بها، وهذه الاطراف رأت في القيادات الفلسطينية بانها قيادات رجعية ونازية فاشية مجرمة. هذا التحالف المسكوت عنه بين النازية والقيادة الفلسطينية ومسكوت عن تداعياته على قضيتنا وشعبنا، كان له آثار مدمرة على نضالنا في مواجهة الصهيونية دوليا.
وما اشبه اليوم بالبارحة، سوريون يصطفون في فرق للدبكة على انغام اليرغول يحتفلون رقصا ودبكة بالأكاذيب عن انتصارات جيش ستيبان بانديرا في اوكرانيا، ويحتفون بحجر الشطرنج بيد البنتاغون ووكالة المخابرات الاميركية والبيت الابيض باعتباره بطلا ، وهو من دمر بلده وطنا وشعبا ودولة، لإرضاء حلف الناتو واسياده في واشنطن، تكرار لأخطاء الحاج أمين الحسيني في التحالف مع الجهة الخطأ.
حكومات اوكرانيا منذ العام 2014 حيث سيطرت الجماعات النازية على السلطة وأدمجت في جيش ستيبان بانديرا في عملية تأهيل الجيش، وتغيير عقيدته العسكرية من قبل أميركا وبريطانيا لتهيئته للهجوم المقبل على روسيا، بحسب المتوفي جون ماكين، قتلت تلك الحكومات اكثر من 14 الف مواطن! لماذا؟ لانهم طالبوا بحقوقهم كمواطنين باستخدام لغتهم واحترام تاريخهم وموروثهم في مواجهة النازية، ولأنهم نظموا المظاهرات ضد سيطرة القوى النازية على الدولة، فلماذا كان عليهم التنازل عن هويتهم مقابل الخلاص من جرم ابادتهم.
وبالمقارنة بين زيلينسكي ومن سبقوه من حكام بالأسدية التي حرمت السوريين اربعة عقود من حقوق المواطنة ومن الكرامة والحرية، واستحوذت على ثروات البلد لصالح العائلة، فاستدعت هذه الاوضاع الاقدام على ثورة 2011، زيلينسكي ومن سبقوه من الحكام فعلوا في مشاريق اوكرانيا ما هو أكثر بشاعة بتنفيذ جرائم إبادة وجرائم ضد الانسانية وتطهير عرقي ليس لانهم ثاروا كما فعل السوريون بل لأسباب فاشية ونازية وعنصرية كريهة.
فلئن كان السوريون ضد الاستبداد والقهر والحرمان من الحريات والديمقراطية في سورية. فكيف يتقبلون ما هو أقذر في اوكرانيا، ليس الحرمان من حق المواطنة فقط بل وتنفيذ جرائم ابادة مثبتة وبأدلة قاطعة لا يرقى اليها ادنى شك، وليس لان روسيا تقول ذلك، بل هو ما نفذته الحكومات النازية في كييف وعلى مرأى ومسمع كل العالم منذ العام 2014 وحتى الان.
ولا ضير من تذكير السوريين كتاب وصحفيين ومفكرين ومتثقفنين، يستحيل تفهم الاخرين لكم ، وتفهم أي مطالب لكم وانتم تصطفون في خنادق النازية في اوكرانيا، والتخندق مع اميركا وحلف الناتو والحركة الصهيونية الذين يستخدمون النازية في اوكرانيا في المواجهة مع روسيا الاتحادية.
ليس هناك حر وثائر في العالم من لا يتفهم مطالبكم في الحرية والديمقراطية ومواقفكم النقدية من الاسدية أو من وايران أو تجاه روسيا أو تجاه أي جهة كانت، ولكنكم تفقدون كل احرار العالم في اسنادكم لأميركا وللنازية كأقذر ظاهرة اجتماعية شهدتها البشرية، وفي اسنادكم لمساعي أميركا في تدمير روسيا الاتحادية كوطن وشعب وحضارة ومقدرات، ففي التكثيف السياسي أنتم تدعمون هيمنة الولايات المتحدة الابتلاء الاكبر للشعوب ، وتدعمون بمواقفكم ذهاب المرحلة الانتقالية للنظام الدولي راهنا باتجاه تثبيت الاحادية القطبية باعتبارها المرحلة الثالثة من مراحل تطور النظام الدولي، ومع هيمنة الدولار وهيمنة الهراوات النازلة على رؤوس البلدان الفقيرة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ونظام سويفت الاميركي، ادوات البلطجة الاميركية الى مدى الايام.
عبارات الانشاء العاطفي التي يطلقها السوريون الاعضاء في الحزب الديمقراطي الاميركي، بالنتيجة مكرسة لخدمة لمجاميع السلاح والطاقة والمعادن والمصارف ولوكالة المخابرات الاميركية، الدولة العميقة في أميركا، فالتحالف مع الولايات المتحدة عار ما بعده عار إن كنتم تروا في انفسكم طلاب حرية وديمقراطية، وأظن العقلاء بينكم يعرفون دور اميركا في قيادة الثورة المضادة.
ان هزيمة الولايات المتحدة وحلف الناتو وأداتهما القوى النازية في اوكرانيا هو انتصار للبشرية كلها، وليس لروسيا الاتحادية وشعوبها فقط، سيكون انتصارا لكل ما ابدعته البشرية لصالح الأنسنة، وابرز المكاسب من هزيمة اميركا على الاقل هو التقليل من وحشنة وتنمر اميركا على دول وشعوب العالم.