الكاتب:
هديل ياسين
تشهد العلاقات الروسية الاوكرانية الكثير من الصراعات، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي حتى الآن. حيث خلفت هذه الأزمات الكثير من النتائج على الدول الغربية والعالمية، خصوصاً على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه روسيا وأوكرانيا والعالم ككل، إلى جانب محاولاتها المستمرة فرض سيطرتها على المجتمع الدولي، ومن ضمنها بشكل كبير محاولة فرض قوتها على روسيا، على الرغم من وجود مجموعة من التعهدات الأمريكية للإتحاد السوفيتي من اجل توطيد العلاقات بين الدولتين.
يظهر الصراع ما بين روسيا وأوكرانيا بوجود الكثير من الملفات التي تشكل نقاط تركيز الصراع ما بين الطرفين، والتي معظمها وجدت منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، حيث لم يتم معالجتها بين الدولتين، إضافة إلى وجود مصالح خارجية تؤثر على هذه المصالحة بين الدولتين، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر الفاعل الاساسي في التحكم في الصراع، إضافة إلى أن الملف الأبرز حول الصراع الروسي-الأوكراني يدور حوله انضمام اوكرانيا إلى حلف الأطلسي(الناتو)، ومحاولتها الكثيرة للانضمام للإتحاد الأوروبي، كما شكل إعلان أوكرانيا امتلاك السلاح النووي، من الأسباب الرئيسية، ووضع إقليم الدونباس وإعلان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك استقلالهما، واستعادة روسيا لشبه جزيرة القرم.
يستمر الصراع بين روسيا أوكرانيا، وتتجاوز تداعيات هذا الصراع العمليات العسكرية والعلاقات الدولية، حيث ان تأثير هذا الصراع له أبعاد طويلة المدى على الدول الكبرى والعلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية والعلاقات التي توازي الدول القوية ودول القوى الإقليمية، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وتختلف مواقف الدول حسب مصالحها الخاصة مع أطراف الصراع، من أجل تحويل الحرب الروسية الاوكرانية إلى ساحة من أجل فتح المجال أمام القوى الدولية لتحسين موقعها في النظام الدولي القائم، إلى جانب المساهمة في إعادة تشكيله، وبذلك هناك تأثير كبير للولايات المتحدة لاأمريكية في الصراع المستمر بين أطراف النزاع.
الصراعات القائمة بين هذه الدول خلف الكثير من الآثار السلبية في ثبات استراتيجيات الطرفين تجاه دول أخرى، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية تجاه اوكرانيا، من خلال اختلاف السلوك الدولي إلى جانب السياسات المتبعة من قبل الدولتين تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، كما وان هناك علاقات غير وطيدة وما بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي، وما تلاه من احداث اثرت على العلاقات ما بين الدب الروسي وامريكا، وبذلك ترجح الولايات المتحدة الأمريكية عزل اوكرانيا عن الحدود الروسية، إلى جانب إدراك الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كبير تراجعها في التدخل في أطراف الصراع، والعلاقات الدولية الأخرى، للبحث عن مكان لها داخل هذا الصراع وتراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة دولية عظمى. وما سوف يتم أضافته في هذه الدراسة هو ربط الدور الذي قامت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع الروسي الاوكراني، وذلك من خلال ما سبق، كيف أثر الدور الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع ما بين روسيا وأوكرانيا في تحقيق مصالح أوكرانيا؟
يعتبر العامل الجغرافي و العوامل التي أسهمت في الصراع ما بين الدولتين من أهم العوامل التي دعت إلى النزاع ما بين الجانب الروسي والأوكراني، كما وقد تدخل القوة الخارجية من خلال تقديم المساندة والدعم إلى تغيير مجريات وأحداث ونتائج الصراع الروسي الأوكراني، كما عملت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تقديمها الدعم والوقوف كحليف قوي إلى جانب أوكرانيا مقابل روسيا.
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أحد أهم القوى الفاعلة في النظام الدولي، حيث أن دورها المستمر لحل القضايا الدولية والصراعات الدائرة ما بين أطراف الصراع في العالم، يسهم في زيادة نفوذها على المستوى الدولي، وعلى إعتبار انه العلاقات الروسية الأمريكية ليست جيدة إلى حد ما.
وبالتالي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية لإثبات القوة والنفوذ الدولي، وتشكيل نظام دولي متعدد القوة، كما هو الحال في الدول الأخرى، مثل: الصين التي تسعى لفرض نفسها كقوة دولية عظمة. وبذلك من الضروري فهم دور الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع الدائر ما بين أوكرانيا وروسيا، وما هي أهداف الولايات المتحدة الأمريكية من التدخل في هذا الصراع.
يزداد الصراع الروسي-الأوكراني نتيجة مجموعة من العوامل، حيث تعتبر بؤرة النزاع ما بين الطرفين جعل أوكرانيا عضواً في حلف شمال الأطلسي، من أجل تحقيق أهداف عسكرية على أراضيها، مما يشكل تهديداً على أمن روسيا، حيث تعد أوكرانيا محط تحقيق الكثير من مصالح روسيا من الناحية السياسية والإقتصادية، إلى جانب رغبة روسيا في السيطرة على البحر الأسود الذي تعتبره منطقة استراتيجية لها. بهدف تسهيل الوصول من خلالها كممر مائي إلى القارات آسيا أوروبا وأفريقيا.
تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على معالجة نقاط الصراع الأساسية ما بين الأطراف، والتي تعتبر قضايا قديمة منذ وجود الإتحاد السوفيتي، والتى لم يتم معالجتها حتى الآن. تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعل الأساسي للتحكم في الصراع الدائر بين الأطراف، لإثبات دورها في حل القضايا والملفات الأبرز في الصراع الروسي-الأوكراني، والتي تدور بالأساس حول إنضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، والنوايا الأوكرانية من أجل إمتلاك السلاح النووي، وإستعادة روسيا لمنطقة شبه جزيرة القرم، من أجل استغلالها لتحقيق مصالح عسكرية روسية.
تتأثر أدوار القوى الدولية العظمى في هذا الصراع من أجل تحقيق أهداف بعيدة المدى، وخلق توازن القوى الدولية مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تختلف المواقف حسب المصالح الداخلية للدولة مع أطراف الصراع، مع مراعاة العلاقات المختلفة مع القوى الدولية و أطراف الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا.
ماهية الصراع الروسي-الأوكراني:
تقوم الصراعات بين الدول حول العالم حسب المصلحة التي يجب تحقيقها بين أطراف الصراع، وتعود أصول الصراع ما بين روسيا وأوكرانيا منذ فترة طويله، حيث شكل إنهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 وإستقلال أوكرانيا في نفس العام. خلق الكثير من المشاكل السياسية والحدودية ما بين الطرفين، وبذلك حاولت الكثير من القوى الدولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية التدخل من أجل حل الصراع بين روسيا وأوكرانيا، على إعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العظمى في العالم، والتي تحاول فرض سيطرتها على معظم القضايا الدولية، التي من خلالها تؤكد على دورها الفعال في حل الصراعات ما بين الأطراف الدولية.
تُعد المواجهة الروسية-الغربية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا مجرد فصل من فصول مواجهة ممتدة، وكانت بدايات هذا الفصل مع انهيار الاتحاد السوفيتي، 1991، وتحولت معظم الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي أو تلك التي كانت تنتمي إلى الكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة إلى المعسكر الغربي، سواء بالانضمام إلى حلف "الناتو"، أو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وكان عام 2004 لحظة فارقة في تاريخ الاتحاد؛ حيث انضمت إليه عشر دول دفعة واحدة، كان معظمها من دول الكتلة الشرقية، وخلال الفترة من 1999 إلى 2020 انضمت 14 دولة من الجمهوريات السوفيتية ودول أوروبا الشرقية إلى حلف الناتو.
وفي المقابل، ومع وصول الرئيس، فلاديمير بوتين، إلى السلطة، عام 1999، ثم فوزه بانتخابات 2000 و2004، سعى إلى فرض هيمنته الكاملة على كل مقدرات الدولة السوفيتية، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، واتجه للحفاظ على ما أسماه حدود "الاتحاد الروسي"، ولو بالقوة إذا لزم الأمر. وخلال ولايتيْه: الأولى والثانية، انفجرت "الثورات الملونة" في عدد من الجمهوريات السوفيتية السابقة (جورجيا، أوكرانيا، قرغيزستان)، وأعقبتها انتخابات أفرزت نخبة سياسية وفكرية جديدة أقرب إلى الفكر الليبرالي الغربي. وهو ما أعتبره بوتين "مؤامرة أميركية" للنفاذ إلى مناطق النفوذ الروسي، وتعامل معها باعتبارها تهديداً خطيراً ليس للدولة الروسية فقط من الناحية الاستراتيجية، ولكن بنفس القدر له شخصيّاً ولنظامه، الذي أسَّس شرعيته عبر قدرته على فرض النظام داخليّاً، ومحاولة إعادة الإحترام خارجيّاً لروسيا، وإعادة دورها كقوة عالمية كبرى. لذلك بدأ بوتين في إثارة القلاقل الداخلية في أوكرانيا، عام 2004، ودخل في حرب ضد جورجيا، عام 2008، ودعم انفصال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن أراضيها.
مصالح الولايات المتحدة الأمريكية من أوكرانيا:
هناك مصلحة دائمة للولايات المتحدة الأمريكية للوقوف كحليف أساسي في الحرب الروسية الاوكرانية، على اعتبار أن الصراع الدائر بين الطرفين يؤثر على النظام الدولي، حيث يقوم النظام الدولي على مجموعة من القواعد التي تعتبر الأساس الذي حفظ السلام والأمن الدوليين.
بادرت الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا إلى تزويد كييف بالمعدات العسكرية والتدريب اللازم لجيشها، فضلاً عن المساعدات الاقتصادية وحشد الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي لإحباط الغزو الروسي للبلد.
حيث ان ابتعاد الولايات المتحدة الأمريكية يؤثر في مستقبل النظام الدولي الذي تدعم وهو الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على السلامة الدولية، كما يشير الدعم الواقعي والصادق للولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا في ظل طبيعة الصراع الدائر بين الطرفين، حيث أن التوسع الروسي مدفوع بأهداف أيديولوجية من أجل القضاء على الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الدب الروسي ، كذلك القضاء على الاتحاد الأوروبي و تفويض حلف الناتو، إلى جانب أنها تثبت وجهة نظر بشأن العالم تختلف جذرياً عن النظام السائد في الدول الغربية، كما أن عدم التصدي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لروسيا سوف يدعو موسكو إلى التوسع اكثر بشكل يهدد المصالح الأمريكية حول العالم.
ولأن أمريكا دولة مؤسسات، بعد أن أصبحت القطب الأوحد عقب الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، فإنها وضعت استرتيجية مرحلية للتعامل مع روسيا؛ الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي.
ونحن إذ نتحدث عن الاستراتيجية الأمريكية تجاه روسيا، لا ندعي أننا نستند إلى معلومات مخابراتية، أو نستند إلى تسريبات من داخل المؤسسات الأمريكية، ولكن حديثنا مستند على متابعة وتحليل للسلوك الأمريكي خلال العقود الثلاثة الماضية، ولا سيما في الأزمة الحالية، التي تحولت بفضل السلوك الأمريكي والتورط الروسي إلى صراع مسلح.
بدأت أمريكا في تبني استراتيجية الخنق، والتمزيق، وهذا ما تمارسه في المرحلة الحالية، حيث تسعى لتوسيع مساحة الحرب، وتوريط دول أوروبية أخرى فيها، مثل بولندا، ودول البلطيق، ومولدوفا، وجورجيا، وغيرها، لكي تتسع رقعة الحرب، ويتمدد الروس، ويتشتتون، ويفقدون القدرة على حماية مؤخراتهم، وتنقطع خطوط إمدادهم، ويهزمون شر هزيمة. كما تسعى لإطالة أمد الحرب، لكي تنهك قوة روسيا العسكرية والاقتصادية، ويزداد الرفض الداخلي للحرب، فتتطور الأحداث لثورة ضد بوتين، ويتفكك الاتحاد الروسي، كما تفكك الاتحاد السوفييتي، ثم يحاكم بوتين على أنه مجرم حرب، بعد أن يتم إسقاطة، أو الانقلاب عليه، هذا إذا لم يتم اغتياله.
عقب سقوط الاتحاد السوفييتي، سعت أمريكا إلى استيعاب روسيا وإدخالها في إطار المفاهيم الغربية كالديمقراطية الرأسمالية، والليبرالية الغربية، ومن ثم دمجها في النظام الاقتصادي العالمي، بهدف إعادة تشكيل العقلية الفكرية الروسية، وجعلها معتمدة على العلاقات مع الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. ولقد نجحت أمريكا إلى حد كبير، بداية من 1999 بعد أن تولى رئاسة روسيا الاتحادية "بوريس يلتسن"، وهو أول رئيس منتخب في روسيا شعبيا، وكان الشعب الروسي يتطلع إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والرفاهية الاقتصادية، على غرار الدول الغربية، ولكن كانت فترة حكمه شهدت فسادا كبيرا، وضعفا للدولة الروسية، ورغم أنه تمت إعادة انتخابه إلا أنه استقال، ورشح بوتين خلفا له. وفي نهاية هذه المرحلة لم تستطع أمريكا تحقيق الاستيعاب أو الادماج، ولكن ساهمت بإعادة تشكل روسيا، إلا أنه مع تولي بوتين الرئاسة تغيرت البوصلة الروسية، وسعى بوتين لتحقيق حلمه بإعادة مجد روسيا القيصرية.