الكاتب: د. رمزي عودة
يحيي العالم الأسبوع العالمي لمناهضة الاستعمار في تمويل التعليم، وتكتسب هذه المناسبة أهمية خاصة في فلسطين، حيث تقوم السلطة القائمة بالاحتلال بإستهداف العملية التعليمية، وفرض نظام الأبرتهايد، وفرض الرواية الصهيونية المزيفة، وهدم المدارس والحد من قدرة الطلبة والمعلمين على التنقل، إضافةً الى سلسلة متواصلة من القتل والتنكيل والاعتقال والأسر بحق مكونات العملية التعليمية. فالإستعمار في فلسطين ليس موجهاً فقط للأرض والانسان، وإنما هو أيضاً موجه نحو التعليم. ويعتبر التعليم في القدس نموذجاً حياً على ممارسات التنكيل والأبرتهايد وفرض الرواية الإسرائيلية. ليس هذا فقط، وإنما تمارس الدول المانحة العديد من الضغوط على السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل تغيير المناهج الفلسطينية بحجة أنها مناهج تغذي خطاب الصراع والكراهية. في المقابل، لا أحد يحاسب الجانب الإسرائيلي على مناهجه الرسمية وغير الرسمية التي تزيف الماضي والحاضر، وتشجع طلبتهم على قتل وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه. وفي الحقيقة، وكما تحدث الدكتور مروان عورتاني وزير التربية والتعليم الفلسطيني في المؤتمر الصحفي الذي عقد في وزارة الإعلام بمناسبة يوم الاستعمار في التمويل، فإن الاحتلال بذاته يعتبر المنهج الدراسي الحقيقي للطلبة الفلسطينيين، إنه يمثل واقع الظلم والاضهاد الذي ينشأ عليه الطلبة الفلسطينيين يومياً، يستشعرون به، ويفرض عليهم بيئة تعليمية غير أمنه. إنه بإختصار منهج يدرسه جنود الاحتلال ومستوطنيه، وبالضرورة فإن مقاومته من قبل الطلبة لا تصبح فقط جزءً من سياق مخرجات العملية التعليمية، وانما تصبح رافعةً للوعي والادراك تجعل من التعليم في فلسطين أداةً مهمة لحفظ وصون التاريخ الفلسطيني الحقيقي في مواجهة الرواية الصهيونية المزيفة.
لقد نجحت السلطة الوطنية الفلسطينية في التصدي لكل الضغوط الدولية المفروضة من أجل تغيير المناهج، وكانت تعليمات القيدة الفلسطينية حاسمةً في ضرورة تعزيز وتطوير هذه المناهج بإعتبار صراعنا مع الاحتلال هو صراع رواية بالأساس، ولهذا تم تشكيل لجنة وطنية للمناهج الفلسطينية، أحد أهم أهدافها تعزيز حضور الرواية الفلسطينية في المناهج الفلسطينية. ليس هذا فقط، وانما تم فرض سياسات الإصلاح الضريبي من قبل مجلس الوزراء الفلسطيني، والذي تم بموجبه توسيع جباية ضريبة التربية والتعليم (ضريبة المعارف) لتغطي غالبية البلديات، وذلك بهدف تعزيز التمويل الوطني للعملية التعليمية. وبنفس السياق، فقد أبدعت وزارة التربية والتعليم في خلق نظام رقمي متميز لمشروع تبني المدارس في إطار من الحوكمة والشفافية بحيث تجاوز عدد المدارس المتبناه من قبل رجال الأعمال الفلسطينيين في الخارج اكثر من 1350 مدرسة. وفي النتيجة، يمكن القول أن الحالة الفلسطينية تمثل تموذجاً متزناً وناجحاً في مقاومة إستعمار التمويل في التعليم وذلك من خلال تحصين الرواية الوطنية وتخفيض الإعتماد على الدعم الخارجي للعملية التعليمية وإستبداله بالتمويل الذاتي الوطني. إنها بإختصار الوصفة النموذجية التي تقدمها دولة فلسطين لكافة دول العالم الثالث في حقل مواجهة إستعمار التمويل في التعليم.