الكاتب: عبد الناصر فروانة
عندما نكتب عن غزة، فنحن لا نقصد لفت الانتباه إلى ما قدمته وتقدمه غزة، فالتاريخ كفيل بإنصافها. وحينما نتناول أسرى قطاع غزة بقليل من التفصيل، لتسليط الضوء على بعض الوقائع والمعطيات الإحصائية الخاصة بهم، فهذا ليس انحيازاً غير مبرر، أو تفضيلاً لهم على غيرهم من بقية الأسرى، فنحن نقف على مسافة واحدة من كل الأسرى، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية، أو أماكن سكناهم الجغرافية، أكانوا من قطاع غزة، أم من الضفة الغربية والقدس ومناطق الـ 1948، وإنما يتطلب البحث، أو الدراسة، التخصيص أحياناً.
إن الأسرى في الوعي الجمعي الفلسطيني، ليسوا مجرد أشخاص غائبين بفعل الاعتقال وقيود الأسر، بل هم قامات عالية وهامات شامخة وأبطال ناضلوا وأوجعوا المحتل قبل اعتقالهم، فدفعوا الثمن غالياً وأفنوا زهرات شبابهم وسنوات طويلة من أعمارهم خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، من أجل فلسطين ومقدساتها، وكي يحيا شعبهم بحرية وكرامة، وأن أسرى قطاع غزة، تاريخياً وواقعياً، هم مكوّن أساسي من مكونات حركة التحرير الوطني الفلسطيني، وجزء أصيل وفاعل من الحركة الوطنية الأسيرة وقضية الأسرى والمعتقلين.
ومنذ ناضل الفلسطيني، ثم وقع أسيراً لدى المحتل، وعرف السجون والمعتقلات التي لم يرتبط وجودها بوعي الفلسطيني في زمن إسرائيلي معين، كان لفلسطينيي قطاع غزة مشاركة فاعلة في مسيرة النضال والمقاومة، ولا سيما بعد احتلال قطاع غزة سنة 1967، وجرّاء ذلك، كان هناك قوافل طويلة من الشهداء والأسرى، فرحل الشهداء بأجسادهم، وغُيّب الأسرى وراء جدران زنازين سجون الاحتلال، فسجلوا حضوراً لافتاً، وبرزت من بينهم قيادات مؤثرة ورموز فكرية وسياسية وتنظيمية، ومنذ ذلك التاريخ، لم تخلُ السجون يوماً من تمثيلهم المشرّف، ومشاركاتهم الفاعلة في مواجهة السجّان، والإضرابات عن الطعام وما يُعرف بمعارك الأمعاء الخاوية، ومساهماتهم الجادة، إلى جانب إخوانهم ورفاقهم من المناطق الأُخرى، في صوغ التاريخ الفلسطيني المقاوم خلف القضبان، وفي بلورة وتشكيل وصقل شخصية الحركة الوطنية الأسيرة التي شكلت، لاحقاً، أحد أهم الروافد السياسية والتنظيمية والثقافية والنضالية للحركة الوطنية الفلسطينية.
أكثر من 250.000 حالة اعتقال
ويقدَّر عدد حالات الاعتقال من قطاع غزة، منذ الهزيمة، أو ما يُطلق عليها النكسة، بأكثر من ربع مليون حالة اعتقال –لم يتم إحصاؤهم رسمياً-، بينهم نساء وفتيات وأطفال، من إجمالي نحو مليون حالة اعتقال وما يزيد، سُجلت في كافة المناطق الفلسطينية، وفقاً لبيانات المؤسسات الفلسطينية الرسمية.[1] بينما تراجعت الاعتقالات منذ انتهاء الوجود العسكري الإسرائيلي المباشر في قطاع غزة وإعادة الانتشار في سنة 2005. كما أُغلق سجن غزة المركزي، أو ما يُعرف بسجن السرايا وسط مدينة غزة، وهو الأكثر قسوةً وشهرةً بين السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف التي كانت مُقامة في قطاع غزة، حيث خُصِّص قسم منها للتحقيق، وأطلق عليه الفلسطينيون اسم المسلخ، للدلالة على قسوة ظروفه وشدة التعذيب فيه. وهو السجن ذاته الذي شهد أكبر عملية هروب في 17 أيار/مايو 1987، حين نجح ستة من الأسرى الفلسطينيين في الهروب منه وانتزاع حريتهم، بعد أن نشروا قضبان الغرفة رقم 7، في القسم (ب) الواقع في الطبقة الثانية من السجن.
لقد عانى أسرى قطاع غزة الكثير من القهر والظلم بفعل الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية التي طالت جميع الأسرى والمعتقلين، من ناحية، وجرّاء سياسة الانتقام التي مورست بحقهم والقوانين المجحفة والقرارات الجائرة التي أُقرّت ضدهم، عقب أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط بتاريخ 25 حزيران/يونيو 2006، من ناحية ثانية. ولا يزال أسرى القطاع وعوائلهم يتعرضون للتعذيب والتضييق والحرمان والمنع من الزيارات، تنفيذاً لتوجيهات إسرائيلية متطرفة، بهدف التضييق وتشديد الحصار والانتقام من المواطنين العزّل، أو بغرض الضغط والابتزاز. وعلى سبيل المثال، لا يزال برنامج زيارات الأهل غير منتظم، ويعتريه الكثير من الظلم والمعاناة، بينما هناك العشرات من أسرى القطاع تُمنَع الزيارات إليهم منذ سنوات طوال، بقرار سياسي بسبب انتماءاتهم الحزبية.
65 أسيراً من قطاع غزة سقطوا شهداء بعد الاعتقال
وعلى مدار سني الاحتلال الإسرائيلي، قدّم أسرى قطاع غزة 65 أسيراً شهيداً، جرّاء التعذيب والإهمال الطبي المتعمد والقتل العمد، من أصل 237 أسيراً ارتقوا شهداء بعد الاعتقال منذ سنة 1967.[2] لعل أبرزهم الشهيد الأسير عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد في 11 تموز/يوليو 1970 خلال مشاركته في إضراب سجن عسقلان، والذي يُعتبر أول شهداء الحركة الأسيرة في الإضرابات عن الطعام. وكذلك الشهيد راسم حلاوة الذي استشهد في 20 تموز/يوليو 1980 خلال مشاركته في إضراب سجن نفحة، بينما يُعتبر الشهيد خضر الترزي أول شهداء الحركة الأسيرة خلال انتفاضة الحجارة، والذي استشهد جرّاء التعذيب في 9 شباط/فبراير 1988. أما الشهيد أسعد الشوا فكان أول مَن استشهد من بين الأسرى جرّاء استخدام القوة المفرطة وإطلاق الرصاص المباشر عليه، بهدف القتل، في حادثة هي الأشهر في معتقل النقب الصحراوي بتاريخ 16 آب/أغسطس 1988. هذا بالإضافة إلى عشرات آخرين توفوا بعد خروجهم بفترات متفاوتة، متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون، أمثال: فايز بدوي، محمود أبو مذكور، وليد الغول، مجدي حماد، محمود سلمان، أحمد أبو حصيرة. وهناك غيرهم الكثير.
احتجاز جثامين الشهداء
ولا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحتجز في سجون الموتى ثلاثة جثامين لأسرى من قطاع غزة، استشهدوا داخل سجونها جرّاء الإهمال الطبي المتعمد، هم:
- الأسير فارس بارود، المعتقل منذ سنة 1991، واستشهد بتاريخ 6 شباط/فبراير 2019.
- الأسير سعدي الغرابلي، المعتقل منذ سنة 1994، واستشهد بتاريخ 8 تموز/يوليو2020.
- والأسير سامي العمور، المعتقل منذ الأول من نيسان/أبريل 2008، واستشهد بتاريخ 18تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
وهؤلاء هم جزء من 13 جثماناً لأسرى فلسطينيين استشهدوا داخل سجون الاحتلال وما زالت سلطات الاحتلال تحتجز جثامينهم إلى جانب أكثر من 350 جثماناً لشهداء فلسطينيين وعرب تحتجزهم فيما يُعرف بـ مقابر الأرقام، أو داخل ثلاجات الموتى، في واحدة من أبشع الجرائم الأخلاقية والإنسانية والقانونية.
الاعتقالات لم تتوقف من القطاع
وعلى الرغم من تراجُع الاعتقالات منذ سنة 2005، فإنها لم تتوقف، إذ تُسجَّل شهرياً اعتقالات من قطاع غزة، وعلى سبيل المثال، لقد سجّل العام المنصرم اعتقال 106 مواطنين فلسطينيين، أغلبيتهم، 64 مواطناً تم اعتقالهم في عرض البحر، حيث يعملون في مهنة الصيد،[3] و9 آخرون تم اعتقالهم في أثناء تنقُّلهم عبر حاجز بيت حانون/ إيرز، بينهم مرضى، بينما تم اعتقال البقية بعد اجتيازهم الحدود الشرقية أو الشمالية لقطاع غزة في اتجاه الأراضي المحتلة سنة 1948. في حين سُجّل منذ مطلع العام الجاري اعتقال 32 مواطناً، أُفرج عن معظمهم.
192 أسيراً من قطاع غزة
وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحتجز في سجونها نحو 192 أسيراً من قطاع غزة، تتواجد أغلبيتهم العظمى في سجنيْ نفحة ورامون في صحراء النقب، نصفهم متزوجون، ومنهم قيادات مؤثرة في الحركة الأسيرة، أمثال: ضياء الآغا وأيمن العواودة وحسن سلامة، وبينهم عشرات يعانون أمراضاً مختلفة، ويتعرضون، كبقية المرضى، للإهمال الطبي المتعمد، ولعل أصعب الحالات: يسري المصري، مراد أبو معيلق، شادي حلاوة، ويوسف مقداد، بالإضافة إلى الأسير المريض، المبتور الساقين، ناهض الأقرع.
عمداء الأسرى والمؤبدات
بينما تضم قائمة عمداء الأسرى، وهو مصطلح يطلقه الفلسطينيون على مَن مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عاماً بشكل متواصل في سجون الاحتلال، 28 أسيراً من قطاع غزة، وأن 5 أسرى من بين هؤلاء معتقلون منذ أكثر من 25 عاماً على التوالي، والأعداد مرشحة للارتفاع، وأن أقدمهم هو الأسير ضياء الآغا المعتقل منذ ما قبل اتفاق أوسلو، بتاريخ 10 تشرين الأول/أكتوبر 1992، أي منذ 31 عاماً، ويُعتبر عميد أسرى قطاع غزة، وهو واحد من بين 25 أسيراً من القطاع يمضون أحكاماً بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، لمرة واحدة أو لعدة مرات، أعلاهم حكماً هو الأسير حسن سلامة المعتقل منذ 17أيار/مايو 1996، والذي صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد 48 مرة.
بالإضافة إلى 23 أسيراً هم، بحسب الأقدمية:
- عبد الحليم البلبيسي، المعتقل منذ 6 كانون الأول/ديسمبر1995.
- عمران الخطيب، المعتقل منذ 20 تموز/يوليو 1997.
- رائد الشيخ، المعتقل منذ 26 تشرين الأول/أكتوبر2000.
- طارق الطبش، المعتقل منذ 9 شباط/فبراير2001.
- عبد الرحمن وشاح، المعتقل منذ 29 أيار/مايو2001.
- مصباح حلس، المعتقل منذ 27 تموز/يوليو2001.
- حسين اللوح، المعتقل منذ 28 نيسان/أبريل 2002.
- نعيم مصران، المعتقل منذ 7 أيار/مايو 2002.
- أسعد زعرب، المعتقل منذ 12 أيار/مايو 2002.
- باسل عريف، المعتقل منذ 19 آب/أغسطس 2002.
- أيمن العواودة، المعتقل منذ 25 آذار/مارس 2003.
- عبد الرحمن مقداد، المعتقل منذ 6 آذار/مارس 2004.
- عماد السراج، المعتقل منذ 21 حزيران/يونيو 2004.
- علاء صلاح، المعتقل منذ 22 حزيران/يونيو 2004.
- محمود أبو خوصة، المعتقل منذ 23 تموز/يوليو 2004.
- رائف الفرا، المعتقل منذ 11 كانون الأول/ديسمبر 2004.
- وسام راضي، المعتقل منذ 22 أيار/مايو 2005.
- شادي حلاوة، المعتقل منذ 12 كانون الأول/ديسمبر 2005.
- فارس العصار، المعتقل منذ 7 آذار/مارس 2006 .
- بسام اكتيع، المعتقل منذ 4 تموز/يوليو 2006.
- خالد أبو عمشة، المعتقل منذ 21 أيلول/سبتمبر 2006.
- ناهض الأقرع، المعتقل منذ 21 تموز/يوليو 2007.
- مروان المقادمة، المعتقل منذ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2007.
وبالإضافة إلى هؤلاء، يوجد 50 أسيراً من بين أسرى قطاع غزة صدرت بحقهم أحكام بالسجن لسنوات طويلة، تتراوح ما بين 20 و32عاماً.
أسرى قطاع غزة، هم جزء من 5000 أسير فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وبحاجة إلى كثير من الجهد والفعل لإسنادهم في مواجهة السجّان، ودعم حقوقهم بما يكفل لهم حياة كريمة، والأهم السعي لكسر قيدهم وتحقيق أحلامهم بإطلاق سراحهم.