الكاتب: د.نبيل عمرو
لفت نظري مقال الأستاذ زياد عيتاني الذي حمل عنوان: "لماذا احتفل سُنّة لبنان بفوز إردوغان؟". والإجابة التي توصّل إليها صحيحة، فالانتصار في بلادنا كالحبّ في إحدى قصائد نزار قبّاني، لو لم نجده عليها لاخترعناه، مع فارق في مفردة واحدة ليكون الشبه أدقّ، فبدل "اخترعناه" نقول استعرناه!
لكثرة الهزائم في بلادنا صار الاحتفال بانتصارات الآخرين عادةً بحكم الحاجة الغريزية إلى الفرح، والأمر لا يقتصر على السياسة ومن ينجح أو يخسر في الانتخابات، بل سحب نفسه على الرياضة، فحين يفوز ريال مدريد مثلاً تمتلىء الشوارع بالسيّارات المزيّنة برايات النادي الملكي، وبالمقابل تكاد تُقام بيوت عزاء عند مناصري برشلونة الذين سيفرحون في العام المقبل!
وكما في الرياضة، كذلك في الحرب مثلاً، فكلّما تقدّم الروسيّ خطوات إضافية في الأراضي الأوكرانية تعمّ البهجة في نفوس المتعطّشين لانتصار، فـ"خارسون" المدينة الأوكرانية التي لم يكن يسمع بها أحد صارت معلماً يستحقّ الاحتفاء به، وميليشيا فاغنر صارت مفخرةً كما لو أنّها فصيل من عندنا حرّر مدينة لنا من قبضة خصومنا.
غير أنّ سبباً تفصيليّاً، لم يورده الأستاذ زياد، وحّد بين غزّة وطرابلس وصيدا وبيروت، وربّما تكون غزّة تميّزت به عن زميلاتها السنّيّات حين وضعت صناديق اقتراع رمزيّة ليملأها الجمهور بأوراق طُبعت عليها صورة إردوغان، فجمهور غزّة الذي حُرم من صناديق اقتراع لانتخاب رئيس فلسطيني يوحّد البلاد والعباد، وجد تعويضه في تصويت لِما يجري وراء البحار ما دام مستحيلاً أن يجري على شاطئ بحرهم... وانظروا إلى مجلس النواب اللبناني وأحجية انتخاب الرئيس.
يدخل العامل السنّيّ من باب آخر، ففي غزّة ما تزال خطب الجُمَع مستقرّة في الآذان والقلوب والعقول، تلك الخطب التي استعادت من الذاكرة مصطلح دولة الخلافة مع مسامحة حسنة النيّة لكون الخلافة العثمانية تطوّرت في التاريخ الحديث إلى خلافة أطلسية "ناتو يعني"، وأمّا علاقتها بإسرائيل فقد اختلفت كثيراً عن علاقة السلطان عبد الحميد رحمه الله الذي لم يتمزّق هو وحده إرباً إرباً، بل تمزّقت دولته من دون أن يتنازل عن قطعة منها. مفهوم أن نستورد أجيالاً جديدة من الحواسيب، وطائرات حربية ومدنية وحتى ملابس أوروبية غالية الثمن وملابس تركيّة أقلّ غلاء وصينية تكاد تكون مجّانية، ومفهوم أن نستورد مصاحف أنتجتها مطابع وأيادٍ "مُشركة"، فالمستهلك عندنا يدقّق في السعر وليس في هويّة السلعة.
غير أنّ ما يبدو لي وللأستاذ زياد غريبة الغرائب وعجيبة العجائب أن نستورد الفرح ليس لجودته، بل لأنّنا غير قادرين على صنعه.