الكاتب:
مصطفي ابراهيم
في ظل عمليات المقاومة الفلسطينية المسلحة المتصاعدة في الضفة الغربية، منذ نحو عامونصف، وما سطرته المقاومة وتسطره من عمليات فدائية ومعاني البطولة والفداء، اربكتدولة الاحتلال ومؤسستها الامنية والسياسية.
وصمود جنين ومخيمها ومقاومته ألة القتل الوحشي البربري بارتكاب مجزرة ضد مخيم جنين والتدمير الهائل لكي وعي الناس وصمودهم، وعدم قدرته على كسر ارادة المخيم.
في ظل ذلك يتصاعد الحديث عن أن الانقسام الفلسطيني لم يعد قائماً، بين صفوف وجموع الشعب الفلسطيني.
وأن الواقع على الارض في الضفة الغربية واستمرار المقاومة وتوسعها وجرأتها، اعادت للفلسطينيين الثقة بالنفس، وأن وحدتهم كشعب لم تتأثر حتى برغم الانقسام والخلافات السياسية، واختلاف البرامج فهم يقاومون الاحتلال، وقدرة المقاومة على تدفيع الاحتلال الثمن وتكبيده خسائر كبيرة خاصة ضد المستوطنين، وجنود جيش الاحتلال اللذين ينفذون الاعتداءات الارهابية الروتينية ضد الفلسطينيين في عموم الاراضي الفلسطينية.
حصار قطاع غزة ودورات العدوان الاجرامية، وفي الضفة الغربية، والقدس المحتلة،والتطهير العرقي المستمر، و ما يجري في الضفة الغربية المحتلة، الاعتقالات الجماعيةوالمذابح من قبل المستوطنين، كل ذلك جزء من السياسة الإسرائيلية الكبرى، التي تمتصياغتها بدقة في "خطة الحسم". الذي وضعها ويقوم بتنفيذها وزير المالية ووزير الامنفي وزارة الامن المتطرف بتسلئيل سموتريتش.
مشاهد الدمار وتجريف البنية التحتية في جنين، ومشهد نزوح الالف العائلات التياجبرت على مغادرة منازلهم تحت تهديد الجيش الاسرائيلي للنجاة بانفسهم وعائلاتهم واطفالهم وسط ظلام الاحتلال وظلمه.
وهي سياسة صهيونية لتكرار مشاهد النكبة واحياء ذكراها بطريقة اجرامية، لترسيخهافي الوعي الفلسطيني، الذي يقاوم تكرارها مرة أخرى، ولم ينسى ذكراها العالقة في ارواحوعقول وقلوب عموم الفلسطينيين.
وبرغم كل تلك المشاهد فهم مصممون على الاستمرار في الدفاع عن حقوقهم ولن يسمحوابتكرار النكبة، ويقاتلون دولة بلا حدود ولا موانع، وتمارس الاستيطان والنهب والقتلاليومي، والتطهير العرقي. ومع ادراك الفلسطينيين ووجود حكومة فاشية عنصرية، أنالأسوأ لم يأت بعد.
وفي انتظار الاسوء يدافع الفلسطينيين عن كرامتهم، والالتفاف حول المقاومة وبثقة عاليةفي النفس، وترسيخ فكرة حالة الاجماع الوطني حول المقاومة والالتفاف الشعبي حولها،وتشكيل حاضنة شعبية من عموم الشعب الفلسطيني والوقوف خلف المقاومة ودعمها كخيار.
في وقت فشل فيه خيار الواقعية وانتظار السلام من قبل الرئيس محمود عباس وفريقه،وامتهان سياسة الانتظار، ويبدو انهم غير مدركين انها من دون جدوى، وحجم التغيراتالكبيرة على هذا الصعيد، وحالة الغضب الشديد في صفوف الفلسطينيين، وحالة الانكار للتغيرات التي تجري في الساحة الفلسطينية خاصة في صفوف الشباب.
جسدت جنين النموذج الوطني في المقاومة والصمود والوحدة الوطنية، وسطرت الكثيرمن المعاني والعلاقات الوطنية التي يجمع عليها الفلسطينيين. وقدرة المقاومة علىالصمود ومقاومة الاحتلال، واعاد الاعتبار للفلسطينيين وقدرتهم على العمل الجماعيوايذاء الاحتلال.
وفي ضوء ذلك، هذا ما يجعل كثيرين من الشعب الفلسطيني يعتقدون أن الانقسام لم يعدقائماً، وتجلي الوحدة بينهم، ذلك صحيح، لكن ايضا قد يكون هذا تعبير عن حالة وجدانيةعاطفية في مخيال كثير من الفلسطينيين حول تراجع الانقسام الفلسطيني، وتجلياتالوحدة الميدانية في جنين، والتفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة المسلحة.
الواقع هذا الاحساس يراود غالبية من الفلسطينيين، لكن لا أحد من اطراف الانقسام يسعىبشكل حقيقي لاتخاذ خطوات حقيقية لانهاء الانقسام، بل أن الشروط القديمة لا تزالقائمة، ويتم تعزيزه من خلال التحريض والكراهية، والتمسك برؤية وموقف الرئيسمحمود عباس، ومن خلفه حركة فتح ولجنتها المركزية التي طرد بعض اعضاء منها منجنازة تشييع الشهداء في جنين. وهي خطوة مدانة، ورد الفعل الغاضب من بعض اعضاءاللجنة المركزية اللذين هددوا بالويل والثبور، وكسر ايدي من اقدم على التحريض والطرد.
هؤلاء الغاضبين وبعض منهم كان مهدداً بالطرد والفصل من اللجنة المركزية، وتمت تسويةوضعه بصفقة مع الرئيس عباس.
وبدل من مواجهة غضب المشيعين بحكمة واستيعاب الموقف، ولملمة الجراح واستغلالصمود وبطولة جنين كفرصة لتعزيز صمود الناس والوحدة الوطنية، بعد أن تركت جنينوالمدن والقرى الفلسطينية وحيدة من دون حماية حماية، ودافعت المقاومة عن نفسها وعنكرامة وحقوق الفلسطينيين، كما ترك عموم الشعب الفلسطينين وحيداً في الضفة، يواجه العدوان والقتل اليومي وهدم البيوت، والتدمير والتهجير.
وفي وقت تبحث فيه دولة الاحتلال عن تقوية السلطة الفلسطينية، من أجل القيام بدورهاكوكيل أمني لملاحقة المقاومة واعتقالهم واحباط عملياتهم، وتتعامل معها كدائرة من دوائرالادارة المدنية.
وفي ظل هذه الحكومة الفاشية، وسياساتها وخططها واتفاقياتها الائتلافية، والشراهةالتي تعبر عنها في تسريع عمليات الاستيطان والضم. لم يعد هناك حجج للقيادةالفلسطينية وحركة فتح، لانتظار نتيجة المداولات وقرارات المجلس الوزاري الامنيالسياسي، وجهاز الأمن الإسرائيلي، لدعم السلطة وانعاشها، برشاوى اقتصادية للحفاظعليها كسلطة امنية تقف ضد مصالح شعبها وقضيته الوطنية.
ليس متوقعا أن تغير حكومة الاحتلال ولا الجيش الإسرائيلي سياسته تجاه السلطةالفلسطينية، وتجربة حركة حماس في قطاع غزة ماثلة، من خلال التسهيلات التي تقدمهالتحافظ فيها على الفلسطينيين والبقاء بين الحياة والموت.
ليس لأن نتنياهو يخضع لتوجهات ايتمار بن غفير وسموترتش، بل لأنه اكثر خطورةمنهما، وان هذه الحكومة مثلها مثل الحكومات المتعاقبة تتنكر للحقوق الفلسطينية، وتريد سلطة خانعة ضعيفة.
وتسعى إلى اعادة الردع في الضفة الغربية والقضاء على المقاومة، وقيام السلطة بدورهاالامني فقط، من خلال الحفاظ على واقع تكون فيه السلطة ضعيفة، وخائفة وتحافظ علىمصالحها.
يبدو أن المتحمسين لفكرة ان الانقسام لم يعد قائماً، فكرة طوباوية، واحلام وتمنيات، وأنالبطولة والصمود التي جسدها مخيم جنين، وفكرة انهاء الانقسام.