الكاتب:
معتز خليل
بات واضحًا رفض وعدم موافقة حركة الجهاد الإسلامي المشاركة في اجتماع الأمناء العاملين للفصائل في القاهرة، وهو الرفض الذي أبدته أيضًا بعض من القيادات السياسية بحركة حماس، والتي رأت بدورها إن عوامل فشل هذا الاجتماع راسخة وموجودة، وبالتالي لا طائل من عقده.
الحديث عن هذا الفشل المتوقع لاجتماعات القاهرة يتزامن مع حديث عن عمليات تشيع سياسية واضحة تقودها أطراف سياسية للترويج للسياسات الإيرانية، وهو ما تسميه بعض من التقارير الغربية بالتشيع السياسي في الشرق الأوسط.
وتقول بعض من التقارير إن بعض من قيادات المقاومة، سواءً من حماس أو، الجهاد الإسلامي في قطاع غزة تروج لهذه الظاهرة بأي ثمن على الرغم من حقيقة أن التنظيم سني.
ما الذي يجري؟
بات من الواضح إن جميع الأطراف السياسية الفلسطينية المرتبطة بإيران تعترض ولا توافق على حضور اجتماعات القاهرة للأمناء السياسيين، وهو ما عبر عنه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رياد النخالة، فضلًا عن بعض من قيادات حركة حماس التي أبدت تحفظها على عقد الاجتماعات في القاهرة في ظل التوقعات بحصول فشل سياسي لهذه الاجتماعات مع تعقد الأزمات السياسية .
ومن المبررات التي تسوقها الجبهة المعارضة لهذه الاجتماعات:
1- اعتقال السلطة الفلسطينية لبعض من قيادات الجهاد الإسلامي وحركة حماس والتي تطالب الجهاد الإسلامي بالأفراج عنهم.
2- الاعتراض على استمرار منظومة التنسيق الأمني والسياسي بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”.
3- المطالبة بضرورة التوقف عن أي مجال من مجالات التعاون بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية الآن في ظل تعقد الموقف السياسي ومواصلة العمليات العسكرية الإسرائيلية في قلب بعض من المدن الفلسطينية
وبقراءة واضحة لهذه المطالب يتضح ما يلي:
أ- إن جميع من ينادون بها في الأساس هي من الفرق أو من الجماعات السياسية الفلسطينية المدعومة من إيران.
ب- إن غالبية هذه المطالب في الأساس هي مطالب إيرانية، وهو أمر مثلًا عبرت عنه من قبل صحف إيرانية مثل كهان والوفاق والتي انتقدت سياسات السلطة بنفس الأسلوب والنقاط التي أثارها مثلًا زياد النخالة في حواره الأخير مع قناة الغد.
ج- سياسات الجهاد الإسلامي تحديدًا دومًا تنادي بالحوار وحضور التجمعات والحوارات الفلسطينية، ومن النادر طوال مسيرة الجهاد الإسلامي إنها غابت أو لم تحضر وقائع اجتماع سياسي دعيت إليه، وكانت حركة الجهاد دوما تنادي بالحوار وإبداء الرأي الخلافي في قلب المؤتمر وعدم التغيب عنه.
د- فرض شروطًا مسبقة من الجهاد لحضور مؤتمر هو أمر جديد ويجسد مطلبًا إيرانيًا طالبت به من قبل قوى إيرانية التي تتحفظ من الأساس على اجتماع القاهرة المقبل.
ه- مع قراءة مطالب الجهاد الإسلامي تحديدًا بعمق ومتابعة حوار زياد النخالة الأخير مع قناة الغد سيتضح وبكل سهولة إن الجهاد ليست لديه مطالب واقعية، حيث خلط النخالة في هذا الحوار بين مطالب جيوسياسية معروفة ومحددة تتجسد في إطلاق سراح معتقلين سياسيين، ثم طرح مطالب سياسية واسعة مغلفة بمصاعب مستحيل تنفيذها مثل وقف التنسيق الأمني أو التعاون مع “إسرائيل “.
و- طرح زياد النخالة في الحوار مع قناة الغد تفاصيل مكالمته الهاتفية مع رئيس جهاز المخابرات الفلسطيني ماجد فرج، وتحديدًا فيما يتعلق بنقطة إفراج السلطة عن معتقلي الجهاد الإسلامي أم “جميع” معتقلي الحركات الفلسطينية في السجون، وهو أمر بالطبع قصد به النخالة حرق أي محاولة للوصول لحل وسطي لهذه الأزمة.
ز- النخالة ألمح في الحوار أيضًا للخلاف مع حركة حماس، بما يعني إنه وضع وحاول ترسيخ وحصر الخلافات الفلسطينية الداخلية وطرحها كلها في اجتماع للأمناء، وهو اجتماع بسيط ولا يتحمل كل هذه التحديات التي فرضها النخالة.
المخابرات الإيرانية
غير أن السؤال الدقيق الآن…هل أوصت المخابرات الإيرانية عناصرها ومعسكرها في فلسطين بالتشويش على فرص نجاح مؤتمر القاهرة؟
سؤال دقيق بالطبع لا يوجد إجابة مباشرة عليه ولكن هناك عوامل يمكن أن تساعد في الإجابة عليه ومنها:
1- الهجوم الشرس والمباشر على السلطة من قيادات الجهاد
2- دخول تركيا ومحاولتها إصلاح الأمور بين السلطة وحركة حماس أخيرًا، وهو دخول كان متوجًا بالرئيس رجب طيب أردوغان وبالتالي صورة الدولة التركية .
3- تصاعد المناوشات بين حزب الله و”إسرائيل”، وحزب الله كان دومًا يمثل اليد الإيرانية الوفية والصادقة دوما لإيران.
4- وجود مسار لمحادثات السلام ساخن بين السعودية و”إسرائيل”، وهو المسار الذي طرحه توماس فريدمان وكشف عنه عبر مقاله الأخير في صحيفة نيويورك تايمز.
من هنا بات واضحًا ومع إمكانية غياب حركة الجهاد الإسلامي في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية إن لإيران أو جهات بها تحفظًا واضحًا على اجتماعات الفصائل الفلسطينية بالقاهرة.
هنا القاهرة
لكن ألا تعرف مصر كل هذا؟ وألا تعرف القاهرة إن هناك محاولات حثيثة لتعطيل مسيرة المفاوضات الاستراتيجية بين الفصائل الفلسطينية.
تقدير موقف وضعه جهاز أمني إسرائيلي قال صراحة إن ما يجري قبل اجتماعات القاهرة له بعض من الدلالات ومنها:
1- استمرار الخلافات الفلسطينية بصورة واضحة تمنع من حصول أي تقدم أو نجاح صريح لاجتماعات القاهرة قريبا
2- هناك مزايدات استراتيجية وسياسية بين الجهاد وحماس وبالطبع جهات في السلطة لكسب أي تعاطف بالشارع الفلسطيني، وهذه المزايدات تعرفها مصر أو بالأصح جهات في مصر، وهي قادرة على التعطيل السياسي لأي نجاح ممكن في المفاوضات السياسية الفلسطينية.
3- تعرف مصر جيدًا أن الملف الإيراني متشابك أو بالأصح ملغم بالعلاقات مع الكثير من الدول والملفات، وبالتالي من الصعب الاصطدام مع إيران حاليا والأهم من الأصعب مواجهتها .
4- اللافت إن التقدير الإسرائيلي قال جملة دقيقة، وهي إن المصريين لا ينسون، وهذه هي مدرسة مخابراتهم، وبالتالي فإن رهان ومزايدة الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة على اجتماع دعت إليه مصر تؤكد أن الجهاد لا ينصاع فقط لتعليمات من إيران ولكن أيضًا من جهات إقليمية، أتحفظ على ذكرها كما ورد في تقدير الموقف، وهي الجهات التي تري أن انعقاد مؤتمر القاهرة حاليا بمثابة صفعة لها.
5- ما لفت النظر في هذا التقدير هو استخدامه مصطلح كيشلون الجيري بالعبراني والتي تعني بالعربية فشل الجزائر في تحقيق أي تقدم في اجتماعات المصالحة الفلسطينية حيث لم يتم تحريك الملفات العالقة ولم يتم الاتفاق على خارطة طريق تنهي حالة الانقسام المؤسساتي بين غزة والضفة، ولم يصل “اعلان الجزائر” إلى أي نجاح سياسي مترجم بخطوات فعلية على أرض الواقع، وهذا بالطبع فشل دقيق مع سعي الجزائر مثلًا إلى الدخول في ملف الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة وفرض نفسها كمحكم وقاض يساعد حماس في هذا الصدد ، التقرير الإسرائيلي قال نصًا إنه يساعد حماس ولا يساعد الفلسطينيين أو السلطة.
تقدير استراتيجي
عمومًا ورغم التشاؤم الذي يملأ الأفق الفلسطيني حول لقاء القاهرة والذي يراه المتابعون نسخة مكررة من “لقاء رام الله” ذلك لأن البنود الرئيسية له ستحوم حول فلك البنود العالقة في الاجتماع السابق، الا أنه من الخطأ الآن طرح فرضية للنجاح أو الفشل رغم نية السلطة الصادقة لنجاح الاجتماع وأيضا توفر كافة عوامل الفشل في هذا الاجتماع المقبل.