السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

العالم يتغير بسرعة هائلة وقطار الذكاء الاصطناعي لا يتسع للأغبياء

نشر بتاريخ: 03/08/2023 ( آخر تحديث: 03/08/2023 الساعة: 12:53 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

في عصر الذكاء الاصطناعي لم يعد هناك متسع للجهلة والأغبياء ليحكموا المجتمعات . فهؤلاء اما ان يقودوا بلادهم الى الحروب كما يحدث في 52 دولة في العالم ، وامّا ان يعملوا على تجميد تطوّر بلادهم وعدم تقدمها نحو ركب الحضارة كما يحدث في نحو خمسين دولة أخرى يحكمها قادة عاجزون عن قراءة الواقع او استشراف المستقبل .

فلسطين ليست دولة لنحاكمها كما نحاكم الدول . ولكن فلسطين والفلسطينيين نجحوا في تكوين الروابط الأساسية لصفة ( مجتمع ) قوي وذكي ومسلّح بالعلم وبالتجربة ، وبالتالي يمكن قراءة المجتمع الفلسطيني كشعب من اهم واقوى الشعوب العربية باعتبارهم شركاء في الحضارة الإنسانية والعلوم والبحث العلمي . ولا تخلو جامعة أمريكية وغربية او مركز أبحاث عالمي من علماء فلسطينيين شاركوا الإنسانية تطورها وساهموا في نهضة الأمم .

ويتراجع اهتمام الفلسطينيين في تشكيل حكومات او سلطات هنا او هناك ، بعد الفشل الذريع لتجربة السلطة والفشل الأكبر لتجربة حكم غزة . حتى ان هيئة الاسرى في السجون باتت اقوى وانجح من حكومات الشعب الفلسطيني . فهيئة الاسرى داخل السجون تحقق أهدافها بالحد الأدنى وتحافظ على الانسان وقيمته حتى داخل الزنازين ، اما الحكومات فقد تحوّلت الى عبء ثقيل ورديء يكسر ظهر المجتمع ولا يحقق أيا من أهدافه .

وتفشل الحكومات عادة اما لأسباب ذاتية تتعلق بسوء الإدارة وعدم القدرة على إدارة الموارد والفساد وان يصبح الاستهلاك حمى تعصف بالاقتصاد العام وغيرها من عوامل سوء الحكم . او تفشل الحكومات لأسباب موضوعية تتعلق بالعوامل الخارجة عن ارادتنا. وحتى لا نعود الى المربع الأول في الجدل البيزنطي ، تعالوا نقول ان سبب فشل الحكومات الفلسطينية كلها هو العامل الموضوعي وأن الاحتلال هو السبب وليس سوء الإدارة والفساد وتكليف الفاشلين بملفات كبيرة عليهم .

ان الدور الوظيفي للاحتلال هو ان يتسبب في فشلنا ويمنع نجاحنا وهذا بديهي جدا . ولكن الدور الوظيفي للقيادات الفلسطينية ان تخلق عوامل النجاح رغم انف الاحتلال . واذا كانت التنظيمات والزعماء والقيادات لا تستطيع ان تجترح عوامل النجاح فان على هذه القيادات ان تبتعد وتسمح لغيرها في خلق عوامل النجاح .

الموضوع لم يعد سياسيا . لان جميع أبناء الأرض المحتلة داخل الخط الأخضر وفي القدس وفي الضفة ومثلها في غزة متفقون على وحدة الهدف ووحدة الحال تماما مثلما يتفقون على وحدة المصير .

المشكلة هي في عدم اكتراث القيادات بعامل الوقت . وانها تتعامل مع السنة على انها مجرد يوم ، وتتعامل مع العشرين سنة على انها مجرد عشرين دقيقة .

وفي الحقيقة ان هذه السنوات هي حياتنا . وهي اعمار أطفالنا وانها تعني لنا الكثير الكثير .

توقف المجتمع الفلسطيني عن التطور الطبيعي عند احتلال إسرائيل عام 1967 . وقد منع الاحتلال جميع أنواع التطور الطبيعي لدرجة ان الحصول على هاتف منزل كان يتطلب مقابلة وموافقة من ضابط الشاباك ، كما ان الحصول على رخصة قيادة سيارة كان يتطلب مراجعة مكاتب الشاباك عدة مرات . ولهذا ترى الشعب الفلسطيني يعشق قيادة السيارات ويرغب بشدّة في اقتناء الهاتف . فرغم كل هذا الاحتلال الظالم بقي شعب حي ويتعلم ويرفض ان يتحوّل الى مجموعة من العمال الخدم في مستوطنات اليهود .

مع اندلاع انتفاضة 1987 تحطّم المجتمع الفلسطيني مرة أخرى وقام الاحتلال بإغلاق الجامعات والمدراس والمؤسسات ورمى بمليون فلسطيني معظمهم أطفال وشباب في مقتبل العمر داخل السجون ومعسكرات الاعتقال لمدة سبع سنوات متواصلة .

وما ان بدأت السلطة بقيادة عرفات بترميم الطرقات وإصلاح اضاءة الشوارع حتى اندلعت الانتفاضة الثانية فقام الاحتلال بقصف المطار والميناء ومباني السلطة ومقرات الاعلام بطائرات اف 16 الامريكية وحاصر كنيسة المهد وقصفها واستباح المسجد الأقصى .

وما ان جرت انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 حتى قام الاحتلال باعتقال الوزراء واعتقال أعضاء البرلمان ولا يزال معظمهم في السجون .

مرت ستون سنة متواصلة والاحتلال يحطّم كل ما ينجح الفلسطيني ببنائه . والان يطلب الاحتلال ثمنا باهظا لقاء الموافقة للفلسطينيين على اجراء انتخابات لسلطة لا سلطة لها ، ويطلب اثمانا لمعاهدة سلام لا يعترف بها ولا يحترمها ، ويطلب اثمانا لازدهار اقتصادي لم يعشه المواطن الفلسطيني ابدا ابدا .

أحاول ان اختم مقالتي كل مرة بنفس الفكرة . فلسطين قضية أجيال وليست قضية جيل ، وممنوع على هذا الجيل الحاكم الان ان يوقّع على اية معاهدة استسلام .

ربما ان الحكومات عاجزة وهزيلة وتعمل في الوهم . ولكن الشعب الفلسطيني يتطوّر ويتقدم بسرعة في ركب الحضارة والعلوم والتكنولوجيا . كل مواطن فلسطيني راغب وقادر على الانخراط في عصر الذكاء الاصطناعي . سواء بوجود حكومات ام لا .

بعد ان افشل الاحتلال جميع حكوماتنا . نحن اليوم نشاهد بالبث الحي ان كل مواطن فلسطيني اصبح دولة بحد ذاته . وكل مدينة وكل عشيرة أصبحت حكومة من تلقاء نفسها .