الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حقوق لم شمل العائلات بين شقي الخط الأخضر من خلال العين السحرية لباب العدالة

نشر بتاريخ: 03/08/2023 ( آخر تحديث: 04/08/2023 الساعة: 00:07 )

الكاتب:

المحامي نجيب زايد- كاتب عدل

تم إحياء قانون المواطنة بنصه الجديد لعام 2022 وعادت روحه بعد "رثائه" وخاب ظننا بأنه قد "استعجل الرحيل" تاركاً وراءه سياسة الغاية تبرر الوسيلة في الفصل العنصري بين أفراد الأسرة الواحدة بين شقي الخط الأخضر والتمييز في التعامل مع جمع شمل العائلات، بعد ما يقارب تسعة أشهر من سقوط هذا القانون بنصه الذي أكل الزمان عليه وشرب. ولا بد من الاعتراف، مرة تلو الأخرى "ما أشد براءتنا حين نظن أن القانون وعاء للعدل والحق. القانون هنا وعاء لرغبة الحاكم، أو بدلة‪ ‬ يفصلها على قياسه".

هنالك ما يقارب 12,200 معاملة جمع شمل قيد المتابعة لدى وزارة الداخلية الإسرائيلية للأزواج والزوجات بين شقي الخط الأخضر. منها ما يقارب 9,200 زوج وزوجة يحملون تصريح إقامة. ومنها حوالي 3,000 زوج وزوجة ممن يحملون بطاقة الهوية المؤقتة (أ/5).

خلال فترة تسعة أشهر بين سقوط القانون القديم والمصادقة على القانون الجديد تم تقديم حوالي 2,800 طلب لم شمل جديد لدى مكاتب الداخلية. حيث بدأت الداخلية بعلاج 675 طلب وفق المعايير التي توافقت مع سياسة القانون الساقط واستيفاء شروط الفئات العمرية (25 للمرأة و 35 للرجل). كما تم تقديم حوالي 4,000 طلب تحسين مكانة قانونية من تصريح إقامة إلى بطاقة هوية مؤقتة، وحوالي 900 طلب لترفيع المكانة قانونية من بطاقة هوية مؤقتة إلى دائمة أو مواطنة.

بالنسبة لطلبات تسجيل المواليد المقدسيين في حال كان أحد الوالدين يحمل بطاقة هوية زرقاء دائمة والآخر بطاقة هوية خضراء فإذا اعتُبر المولود "من سكان المناطق" (الضفة الغربية وقطاع غزة) أو كان مسجلاً في السجل السكاني الفلسطيني وبلغ من العمر 14 فما فوق يتم منحه تصريح إقامة، ومن هم دون ال 14 يتم تسجيلهم في السجل السكاني الإسرائيلي ويتم منحهم بطاقة هوية مؤقتة لسنتين ومن ثم دائمة وكل ذلك إذا استوفوا شروطاً أهمها مركز الحياة وعدم ممانعة الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك). عام 2020 تم تقديم 2,258 طلب من هذا القبيل لدى داخلية القدس الشرقية وفي عام 2021 تم تقديم 2,870 طلب، حيث تمت المصادقة على 70 – 80 % من الطلبات فقط.

أما الطلبات الإنسانية لدى اللجنة الاستشارية لوزير الداخلية ففي عام 2019 تمت المصادقة على 35 طلب من أصل 291 طلب تم تقديمه فقط (19 بطاقة هوية مؤقتة و 16 تصريح الإقامة) أي نسبة 12% فقط من الطلبات. وفي عام 2020 تم تمت المصادقة على 24 طلب فقط من أصل 267 طلب تم تقديمه (11 بطاقة هوية مؤقتة و 13 تصريح الإقامة) أي نسبة 9% فقط من الطلبات.

هنالك مبادئ تعتبر حجر زاوية في القانون الدستوري، وتتربع في أعلى قمة الهرم القانوني للقواعد المنظمة للحقوق الدستورية ينتهكها القانون الجديد حيث يمنع الإنسان من تلبية الاحتياجات الأساسية التي توفر الأمن والأمان والاستقرار والروابط الأسرية الطبيعية لدى العائلات لضمان توفر مقومات احترام الذات وتحقيق الذات ويجحف بإمكانيات إشغال الحيز الثقافي. هذه الآلية الكامنة في "قانون المواطنة" تعكس سياسة استغلال السلطة للسيطرة الكاملة على هرم احتياجات الأسرة لتقرر إن كانت تستحق هذه الاحتياجات أم لا وهو أداة لهدم الأسرة.

بعد ما يسمى "الثورة الدستورية" عام 1992 وتشريع مجموعة قوانين أهمها القانون الأساسي: كرامة الإنسان وحريته، أصبحت التشريعات التي تنتهك الحقوق الدستورية، وأهمها الكرامة الإنسانية، مشروطة بالعبور من خلال صمام هذا القانون. وللمحكمة العليا بصفتها محكمة دستورية الصلاحية والمقدرة بأن تملأ المحتوى الدستوري بمفاهيم معينة بواسطة المادة 8 لقانون أساسي: كرامة الانسان وحريته التي تعمل بمثابة الصمام أو الغربال لهذه القوانين التعسفية. نشهد في هذه الأيام محاولات حثيثة من قبل السلطة التنفيذية والتشريعية من تقويض هذه الصلاحية بواسطة استغلال السلطة التشريعية لتغيير قواعد دستورية.

لقد سبق واعترف القضاء الإسرائيلي بانتهاك حقوق الكرامة بما فيها الحق بالحياة الأسرية والحقوق المحمية في أعقاب تشريع قانون المواطنة، حيث تم تبريرها بإلحاح الغاية الأمنية ومنع الخطورة المزعومة من دخول الأزواج والزوجات من "مناطق معادية" إلى إسرائيل.

على الرغم من المنع الجارف الذي نص عليه القانون، ظهرت ثغرة قمتُ باستغلالها آنذاك وصفها القاضي إسحق عميت (أحد أفراد هيئة قضاة المحكمة العليا) بأنها "عين سحرية للباب قد أصبحت مدخلاً لقاعة المحكمة".

أهم وأبرز القضايا التي سطرت تاريخ ملف لم شمل العائلات هي قضية مي دجاني (ملف رقم 11/6407) التي أقمتُها عام 2011 حيثُ صدر قرار الحكم بتاريخ 20.05.2013 وطعن بدستورية قانون المواطنة ومهد الطريق لتغيير جوهري بتوجه القضاة فيما يخص ملف جمع الشمل، وذلك بعد أن باءت بالفشل محاولات الطعن بدستورية هذا القانون حيث ردت محكمة العدل العليا قضيتين دستوريتين بفارق صوت واحد لأحد عشر قاضياً الأولى لمؤسسة عدالة عام 2007 والثانية لعضو الكنيست زهاڤه غالؤون عام 2012.

القضية الثانية كانت القضية الدستورية التي رفعتُها عام 2014 ضد وزير الداخلية والحكومة والكنيست للطعن بدستورية الأحكام الانتقالية لقانون المواطنة (ملف رقم 14/813) مما اضطر وزير الداخلية آنذاك إلى إصدار قرار طرحه على طاولة المحكمة عام 2016 بمنح بطاقات هوية لحوالي 2,000 من أصحاب طلبات جمع الشمل الذين تقدموا بمعاملاتهم قبل العام 2003، حيثُ صدر قرار الحكم بتاريخ 18.10.2017 طالب من خلاله القاضي عميت بضرورة إجراء تسهيلات للتخفيف من وطأة المعاناة جراء هذا القانون.

في حلقة أخرى من سلسة هذه القضايا تأتي القضية الدستورية الأخيرة (ملف رقم 22/2300 نجيب زايد، مكتب محاماة و 521 أخرون ضد وزيرة الداخلية وآخرين)، وليست الآخرة، التي قمت برفعها بتاريخ 03.04.2022 باسم مكتبي بصفته "شخصية اعتبارية"، ونيابة عن 521 "شخصية طبيعية" أخرى من الموكلين من العائلات المتضررة ومن جميع الفئات العمرية والشرائح سالفة الذكر، قطعت الشك باليقين بضرورة إجراء تعديلات جوهرية على القانون العنصري ووضع النقاط على الحروف في الحقوق الدستورية المنتهكة جراء إعادة تشريع قانون المواطنة فيما يخص لم شمل العائلات بين شقي الخط الأخضر وتحسين مكانة أصحاب الطلبات لمساواتها بالوضعية القانونية لباقي أفراد الأسرة.

عقدت المحكمة العليا الجلسة بتاريخ 01.12.2022 بعد أن وحدت النظر مع عدة التماسات أخرى لشخصيات طبيعية واعتبارية أخرى، كالمؤسسات الحقوقية، وبعد المداولة رُفعت الجلسة للتدقيق، حيث قررت بتاريخ 04.12.2022 إمهال السلطة التنفيذية والتشريعية للتبليغ عن استعدادهم إجراء تعديلات على قانون المواطنة من شأنها أن تفتح أبواباً إضافية للم شمل العائلات، أهمها ما يلي:

تعديل تعريف المصطلح "من سكان المناطق" بحيث يتم فحص مركز حياة الإنسان وروابطه لتحديد سريان القانون على معاملته دون فرض فرضيات مسبقة؛

توسيع شريحة المرشحين للحصول على بطاقة هوية مؤقتة بحيث تشمل النساء الذين بلغن عمر 40 وأن يكون شرط الحصول على بطاقة الهوية للرجل والمرأة إقامة قانونية لمدة خمس سنوات (بدل عشر سنوات بناء على القانون)؛

إلغاء الحد الأقصى لكمية الحاصلين على وضعية قانونية لأسباب إنسانية.

قامت النيابة العامة الأسبوع الماضي بتقديم لائحة جوابية إلى المحكمة أبلغت فيها عن موافقة وزير الداخلية منح حوالي 1,300 بطاقة هوية. جاء ذلك بعد عدة مرات من تأجيل المواعيد، حيث أبلغت النيابة من خلال هذه اللائحة عن قرار وزير الداخلية منح بطاقات الهوية زرقاء المؤقتة التي تتجدد كل سنتين للنساء الفلسطينيات اللواتي تحملن بطاقات هوية خضراء بدلاً من تصاريح الإقامة ومتزوجات من مواطنين مقدسيين أو مواطنين من داخل الخط بشرط بلوغهن سن الأربعين ويحملن تصاريح إقامة لمدة عشر سنوات على الأقل. كما أبلغت عن إمكانية التوجه إلى اللجنة الاستشارية لتقديم طلب استثنائي إذا لم ينطبق على صاحب الطلب المصطلح "من سكان المناطق" كون التسجيل في السجل السكاني الفلسطيني ذا طابع شكلي فقط بحيث يتم فحص مركز حياة الإنسان وروابطه لتحديد نفاذ القانون على معاملته.

القرار الجديد يفتح باباً جديداً لشريحة من النساء الفلسطينيات المتزوجات في القدس وداخل الخط الأخضر لتحسين مكانتهن القانونية من تصريح إقامة بدون حقوق إلى بطاقة هوية تضمن لهن حقوق اجتماعية واقتصادية (كحقوق الضمان الاجتماعي، التأمين الصحي، حق العمل في القطاع العام – التربية والتعليم مثلاً - والخاص، مزاولة مهن مشروطة بالحصول على بطاقة هوية (كالطب والمحاماة على سبيل المثال)، حق الملكية، وحقوق سياسية الخ…).

قرار الوزير لا يستوفي مطالب الالتماس ولا يتماشى مع أدنى حد من توصيات المحكمة، وهنالك ضرورة ملحة للاستمرار في القضية.

ما زالت مطالب الالتماس قيد النظر من أجل إلغاء الأحكام التعسفية. لم تنته القضية عند هذا القرار بل إننا مستمرون في القضية حتى إلقاء قانون المواطنة العنصري في مزبلة التاريخ.

ستبدأ للتو معركة أخرى من الحرب التي أعلنتُها على هذا القانون العنصري وسنكون في حلقة أخرى من سلسة الكر والفر من أجل لم شمل العائلات ضد سياسة التمييز العنصري في لم الشمل.

حبّذا لو رأينا المحكمة هذه المرة تفتح أبوابها أمام العائلات بدلاً من الوقوف خلفها والنظر إلى العدالة من بعيد من خلال ثقب العين السحرية.