الكاتب: نغم نزار
تعيش مجتمعاتنا اليوم في عصر مليء بالتنوع والاختلاف الثقافي والعرقي، ومع ذلك، لا يزال للعنصرية تأثيرها السلبي على حياتنا .
الاختلاف هو مفتاح الحياة، فهو يجعل العالم أكثر غنى وتنوعًا. فكل فرد في هذا الكون يحمل في داخله خصوصية فريدة تميزه عن الآخرين. ومن خلال هذا الاختلاف، نعبر عن خبراتنا وثقافاتنا المختلفة، وننمو ونتطور كأشخاص.
ومع ذلك، فإن التمييز والعنصرية مشكلة مستمرة في حياتنا اليومية. فمهما تقدمت المجتمعات في التحضر والتقدم التكنولوجي، لا يزال هناك تحيز وتمييز تجاه الأقليات والأعراق المختلفة. لذلك، فإن مكافحة العنصرية وتعزيز الاختلاف هو أمر ضروري لنبني مجتمعًا أكثر عدالة وتسامحًا.
إحدى الساحات التي تؤثر بشكل كبير في تشكيل وجدان المجتمع هي الفنون، وخاصة المسرح والتلفزيون والسينما والأدب. فهي تعكس الثقافة وتعزز الوعي وتجعلنا نتفكر في قضايا العالم الحقيقية. وقد استخدمت هذه الوسائل الفنية بشكل فعال للتحدث عن قوة الاختلاف ومكافحة العنصرية.
على سبيل المثال، الجسد الناطق: المسرح يحطم الحواجز ويكافح العنصرية في عالمه ، تكمن قوة الاختلاف في قدرتها على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية والعرقية من خلال تقديم قصص وشخصيات متنوعة على المسرح، يمكن للمسرحيين استكشاف الهويات المتعددة وتعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة.
في المسرح، شاهدنا العديد من الأعمال التي تسلط الضوء على قضايا التمييز والعنصرية. واحدة من أبرز هذه الأعمال هي مسرحية " قلاقل جميل و هيام"، حيث تناولت علاقة حب بين فتاة مسلمة و شاب مسيحي ليظهر من جديد المجتمع مقيد بالعادات والتقاليد والعنصرية التي تعشش بدواخلنا وكيفية انهم تعرضوا للعنصرية على أساس الدين.
كما أن الفنون المرئية أي الشاشة المتلألئة ، مثل التلفزيون والسينما، تلعب دورًا حاسمًا اليوم في نشر الوعي بالتحديات التي تواجهها المجتمعات المتعددة الثقافات. من خلال عرض أعمال مثل الأفلام الوثائقية والسلاسل التلفزيونية التي تركز على العنصرية والتعايش الثقافي، يمكن لهذه الوسائل أن تلقي الضوء على المشاكل والتحديات وتساهم في إلهام المجتمعات للتغيير والتفاعل الإيجابي لنتمكن من فهم الأدوار التي نلعبها نحن جميعًا في تشكيل المجتمع.
و بصفتنا مجتمعًا عربيًا فإن تراثنا القديم يحمل سرديات حديثة عن كثير من القصص والتجارب العبقرية التي تطرح و تتعامل مع قضايا الآخر والتعايش مع التنوع .
وإذا ما ذكرنا هذه الفنون " سينما وتلفزيون "اليوم فلا يمكننا إلا أن نستذكر أن العنصرية دخلت أيضا في هذه المجالات ففي الماضي كان هناك تحيز واضح وتمييز ضد العاملين في وسائل الإعلام والفنون المختلفة وكانت نوعا من التابوهات الممنوع الحديث عنها أو حتى المشاركة فيها ويتسم أي شخص عامل فيها ب( وصمة عار) ولكن مع تطور المجتمعات وزيادة الوعي والتبادل الثقافي ظهرت مساحة لتمثيل هذه الأصوات والقصص المختلفة التي عايشوها .
ففي السينما والتلفزيون اليوم ، يمكننا العثور على أمثلة عديدة على كيفية تمثيل الآخر وتقديمه بصورة إنسانية وسلسة بحيث يتم تجسيده في هذه الأعمال الفنية عبر الشخصيات والقصص التي تتعامل مع تحديات الاندماج والتعايش في مجتمعات مختلطة العادات واللغة والمفاهيم والاديان والفكر .
على سبيل المثال، نستعرض بعض الأعمال السينمائية التي تناولت قضية العنصرية بشكل ملموس وقوي مثل: "ثقوب في الثوب الأسود " لإحسان عبد القدوس هذه الرواية التي تحولت فيلما يحكي قصة شاب موهوب يتعرض للتمييز والظلم بسبب لون بشرته لأنه ولد لأب أبيض و أم زنجية ، من خلال هذا الفيلم يتم توجيه رسالة قوية حول أهمية قبول الآخر دون النظر إلى العوامل الخارجية. بالإضافة إلى ذلك هناك أفلام تسلط الضوء على تجارب الأفراد الذين يعيشون في ثقافات مختلفة مثل : فيلم "المؤسسة" الذي يتناول قصة طالب مسلم يواجه التحديات والتمييز في بيئة غربية.
وإذا ما تطرقنا لروح الورق أيضا ، الأدب فهو يروي قصصًا قوية لمواجهة العنصرية وتعبر الروايات و المقالات و الشعر منارات تنير طريقاً نحو فهم أعمق للقضايا الاجتماعية، فجريمة الكتابة تسكب النور على قصص الأشخاص المهمشين والمظلومين، وتعكس أهمية قوة الاختلاف والعقيدة بالمساواة والعدالة في المجتمع.
و يمتلك الأدب القدرة على رواية القصص القوية التي تجذب اهتمام القراء و يمكن أن يلهم ويغير نظرة الناس تجاه الاختلاف ويعزز القدرة على التفاهم والتعايش.
ومثالاً لذلك رواية " لأني أسود " لسعداء الدعاس : تكشف لنا هذه الرواية قصة شاب يعمل بجد واجتهاد ولكنه يُعامل بتمييز و اضطهاد لأنه أسود البشرة، فتوضح الرواية الظلم الذي وقع عليه ومعاناته المستمرة لأنهم اعتبروه مختلف عنهم .
إن قوة الاختلاف ومكافحة العنصرية في حياتنا اليومية والمسرح والتلفزيون والسينما والأدب لها تأثير كبير في دعم رسالة العدالة والمساواة والتسامح. عندما نتعلم أن نحترم ونقدر الاختلاف، نبني مجتمعًا أكثر تعاونًا وتفهمًا.
لذلك، دعونا نستخدم هذه الفنون المميزة لنتحدث بقوة ضد التمييز والعنصرية، ونعزز التسامح والاحترام المتبادل في حياتنا وفي المجتمع ككل. فقط من خلال تغيير الفكر ونشر الوعي، يمكننا بناء سوية أفضل لجميع أفراد المجتمع، لنعيش معًا في عالم أكثر تعاونًا وسعادة.