الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ميراث الدّم: كتيبة الرّد السّريع حيّةٌ ترزَق

نشر بتاريخ: 13/08/2023 ( آخر تحديث: 13/08/2023 الساعة: 12:29 )

الكاتب: يونس الطيراوي

ما يزال طائر الفينيق حيًّا، وينسج لنا قصصًا مهيبة في سرديّة الصّراع مع دولة الاحتلال، فترى مدن الضفّة الغربيّة نفسها، على خطىًثابتة في طريقِ المقاومة المسلّحة، ضاربةً المحاولات المتعدّدة لتذويت الفلسطيني، وتغريبه عن قضيّته ومعاناته، فكلّما ظنّ الاحتلال نفسهانتصر في كبح جماحِ السّلاح والعلميات الفدائيّة، يخرجُ لهم فلسطيني، اثنان، ثلاثة، عشرة، يضربون المُحتل بذاكرتهم الجمعيّة،وهُويّتهم الوطنيّة، ليسقطوا شهداء هذه البلاد، كما جنين ونابلس وطولكرم. وهنا اسمٌ من أسماء هذا الفينيق، "مهراج شحادة" وابنهالمُطارد لقوّات الاحتلال، يحملُ "مهراج" قصةً تعكِسُ واقعًا فلسطينيًا يراه الكثيرون متناقضًا، لكونِه مسؤولًا أمنيًا برتبة عميد في قوّاتالأمن الوطني في محافظة طولكرم، وأيضًا أحد رفاق الشهدين رائد الكرمي وثابت الثّابت، وُهنا سرديّة تمتدّ لمسافة خمس كيلو متراتبين القابون البلد الذي هجر مهراج اليها و مخيم طولكرم التي يقطنها،و تجمعُ بين روحين متأصّلتين في هذه الأرض، روح مهراج شحادةالأسير، وابنه جهاد المطارد .

مهراج شحادة: آخر مراحل الكفاح المسلّح

انطلقت مسيرة "مهراج شحادة" بروحٍ شابّة وعزيمةٍ فلسطينيّة، حيث كان عضوًا في خليّةٍ تابعة للفهد الأسود التي تم انشاؤها نهايةالانتفاضة الأولى، بعمرِ مراهقٍ لا يتجاوز ال15 عامًا، ألقِي القبض عليه من قبل قوّاتٍ خاصّة إسرائيليّة، كمنت له في مدينة طولكرم عام1990، متهمةً إيّاه بإطلاق النّار على جنودٍ إسرائيلييّن ودوريّاتهم، على طول المحور الغربي للمدينة، وُحكِم عليه بالسّجن لمدّة أربعةعشر عامًا، قضى منهم أربع سنوات، واجدًا نفسه وسط إخوته الثلاثة «عبد الوهّاب، نور ورائد» الأسرى أيضًا من سجون الاحتلالعقب الانتفاضةِ الأولى. حيث خرج مهراج من السّجن مع دخول اتفاقيّة أوسلو حيّز التنفيذ، واستلام السّلطة الفلسطينيّة مدينة طولكرم،

شهدت فلسطين عام 1995 أهمّ تغيير في سرديّة القضيّة الفلسطينيّة، حين استلمت السلطة الفلسطينية مدينة طولكرم، ومعها جاءتالفرصة لإعادة بناء "المستقبل الجديد". أُطلق المئات من الأسرى ضمن صفقة أوسلو، ومن بينهم مهراج شحادة، الذي قرر أن يلتحقبصفوف قوات الأمن الوطني. ولم يكن انضمامه مجرد إلتباس، بل كان قرارًا مدروسًا رغم تلقيه عروضًا في أجهزة أمنية أخرى تابعةللسلطة الفلسطينيّة. توجّه المهراج إلى الأردن لتلقّي التدريبات العسكريّة اللازمة، ومن ثمّ عاد إلى الأراضي الفلسطينيّة مُهمِّمًا برتبتهكمساعد في قوّات الأمن الوطني، وتولّى مهامًا أمنيّة عدّة في أكثر من نقطة عسكريّة على الحواجز الفاصلة بين طولكرم والداخل المحتل،وبما أنّ مدينة طولكرم تقع قريبًا من الخط الأخر، فإنّ مهمّة الأمن هنا ذات دور محوري. حيث كان مهراج حاضرًا في نقاطٍ أمنيّة مهمّة،كحاجز "بلعا" وحاجز "كفر لبد"، يقول مهراج في هذا السّياق: "الوضع الأمني والسياسي لم يكن مشابهًا للوضع الحالي الصعب. انتشرت قواتنا في المدن الفلسطينية، واستقبلنا شعبنا بأحضان مفتوحة. كان الشعور السائد بين الضباط وأفراد الأمن أنهم قد خرجوامن مهد تنظيم فتح في الانتفاضة الأولى، وأنهم الآن جيش نابع من تجليات هذه الانتفاضة".

يُضيف مهراج: "في عز شبابي، عندما وصلتُ إلى عمر ال١٩، كان أمامي مهمة تأمين حاجز عسكري رقم ١٠٤ بين مدينة الطيبةالمحتلة وطولكرم؛ مدى الحاجز الفاصل يبلغ ٤٠-٥٠ مترًا، ويفصل بيننا وبين الاحتلال خطّان باللونين الأصفر والأسود، كانا يرسمانحدودًا واضحة بيننا وبينهم.

ويُكمِل: "هذا الخط الفاصل، كان يمنع الاحتلال التقدم إلى جهتنا إلّا بتصريحٍ منا وموافقتنا، كانت تمثل نقطة تلاقٍ للسيادةالفلسطينية. وكان القائد العظيم، الرئيس أبو عمار، يُصدر في حالات معقدة أوامر بإطلاق النار. لم يكن الوضع آنذاك كوضعنا الآن،متردٍ؛ كانت قواتنا على مستوى عالٍ من المهارة وقدرة على تطبيق السيادة والقانون. شعر الاسرائيليّون آنذاك بالصدمة، وكانوا خائفينمنّا!"

حمام الدّم واغتيال كتيبة الرّد السّريع!

قُبيل اندلاع انتفاضة المسجد الأقصى، طلب الشّهيد ثابت ثابت-الذي اغتالته قوات الاحتلال ليلة رأس السّنة عام 2000)، من الرئيسياسر عرفات عام 1999، أن يفرِز لها ضبّاط بشكلٍ خاص لتأمينه، وكان كلًا من مهراج شحادة، والشّهيد غانم الغانم وزميله فراسجابر من البحريّة الفلسطينيّة، والشّهيد رائد الكرمي من المخابرات الفلسطينيّة، الضبّاط المكلّفين بحماية وتأمين الشّهيد ثابت، ووفقًالقرار من ياسر عرفات، فقد تم اختيار ضبّاط الحماية بشكلٍ شخصيّ وبتنسيق مع الفريق أوّل الحاج إسماعيل جبر، بالإضافةِ إلىكون ضبّاط الحماية أصدقاء الشّهيد ثابت وزمليهم في المدرسة.

يتبادر إلى ذهن مهراج بوضوح محاولة اغتياله الأولى، راويًا: "كنا في مكتب تنظيم حركة فتح في بداية ديسمبر ٢٠٠٠، وبعد أن غادرنابدقيقتين وابتعادنا مسافة 140م عن المكتب، تهافتت الصّواريخ على المكتب، عرِفنا حينها أنّها رسالة استهداف لنا جميعًا، أنا ورائدوثابت. وفي السادس والعشرين من ديسمبر 2000، وقعنا في كمين لقوّة خاصّة إسرائيليّة قرب ملعب شويكة، ودارت اشتباكات عنيفةبيننا وبين القوّة، تمكنّا من الانسحاب، وأنا الوحيد الذي أُصِبت حينها في قدمي. أخذ مهراج نفسًا عميقًا وعينه تشتاق الشّهيد ثابت،أردف قائلًا: "ليلة ٢٩ ديسمبر كانت باردة، زارني الشهيد ثابت قبل ساعات من استهدافه. أطمأنّ على حالتي وأخبرني بتنسيقه معالمصريين لنقلي للعلاج هناك. ثم غادر مسرعًا. في اليوم التّالي وبعد ساعات من لقائي به، نفّذت قوات خاصة إسرائيلية عملية اغتيالهفي حي السلام. لم يكن اغتيال ثابت مجرد اغتيالٍ لشخصه، بل كانت رسالةً نهائية موجّهة لطولكرم خصوصًا، وفلسطين عمومًا، بأنّإسرائيل قامت بقتل فرصة السلام."

الجدير بذكرِه هنا أنّ من بين الشخصيات التي ألقت بثقلها في ترويج السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في تلك الفترة، كان مروانالبرغوثي وثابت ثابت من مقدمة المؤمنين بضرورة التسوية بمراعاة كاملة لحقوق الشعب الفلسطيني. كان ثابت مناضلًا للسلام، ولعبدورًا مهمًا كعضو في وفد مؤتمر مدريد عام ١٩٩١. كان مبدأه واضحًا: "نحن لا نسعى للدماء، نحن شعب يطمح للحياة بكرامة وحرية،ولهذا نرفض الاحتلال."

بكلمات مهراج وفي صوته بكاءً مستذكرًا زميله الشهيد: "إنت لما تيجي تقتل ثابت، إنت ما اغتلت ثابت.. إنت اغتلت السلام.." مضيفًا: "ثابت لم يكن أبدًا شخصيّة عسكريّة، كان شخصيّة سياسية ودبلوماسية في المقام الأوّل".

عقب اغتيال الشّهيد ثابت بثلاث ساعات، انطلق رائد الكرمي ورفاقه من كتائب شهداء الأقصى، وقتلوا المستوطن "بنيامين كاهانا" وزوجته، لتكون أولى عمليّات الرّد السّريع، والجواب واضحًا الرّد بالمثل؛ وسريعًا. الجدير بذكره هنا أنّ كل مجموعة الرّد السّريع المؤلّفةمن كتائب شهداء الأقصى في طولكرم، هم أفراد في الأجهزة الأمنيّة. لاحظت إسرائيل مدى تضررها من هذه العمليّة، فبدأت بشنِّحملتها على كتيبة الرّد السّريع.

في أبريل عام ٢٠٠١، وبالتّحديد في منطقة فرعون جنوب طولكرم، نصبت قوّات خاصّة إسرائيليّة مكوّنة من "اليمام والدوفدوفان"،كمينًا مُحكمًا لكلٍّ من مهراج شحادة والشّهيد غانم غانم، واندلعت اشتباكات مسلّحة مع قوات الاحتلال، وجسّد الفلسطينيّان شحادةوغانم لحظات للتّاريخ من المقاومة الشّرسة، وبالرّغم من وصول رفاقهم من كتائب شهداء الأقصى لمكان الطّوق العسكري، إلّا أنّ جيشالاحتلال كان قد أرسل تعزيزاتٍ عسكريّة ضخمة، تعرض حينها مهراج وغانم لإصاباتٍ بالغة خلال تلك المواجهة العنيفة، واعتقدت القوّةالخاصّة أنّها اغتالتهم بسبب كثرة الدماء التي سالت منهما، فانسحبت، ونقلت الإسعافات الفلسطينيّة مهراج وغانم إلى مستشفىنابلس، وبسبب وضع مهراج الحرج وتدهور صحته، قُرِّر تحويله من نابلس إلى رام الله؛ حينها نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيليّة عمليّةإنزال من قِبَل مروحيّة عسكريّة، على سيارة الإسعاف التي كانت تنقله، واعتقلته جريحًا، ليبدأ رحلة اعتقاله في سجون الاحتلال والتياستمرت 19 عامًا، وانتهت عام 2016 بإطلاق سراحه.

بعد الكمين الذي نُصِب لمهراج، أحد أصدقاء ورفاق الكرمي وثابت، تقرّر اغتيال القائد العام لكتائب شهداء الأقصى، وقائد كتيبة الرّدالسّريع "رائد الكرمي"، وبالتّحديد في يناير 2002، أي بعد سنة من اعتقال مهراج، اُغتيل رائد الكرمي بتفجير عبوة ناسفة زُرِعت لهفي أحد الجدران بجانب المقبرة المسيحيّة بالمدينة. ولم يكن صديقهم الشّهيد غانم محظوظًا، فبالرغم من نجاته من الكمين مُصابًا بتسعرصاصات، إلّا أنّ مطاردته استمرّت، إلى حين اغتياله رفقة صديقه القائد في كتائب القسّام محمد براهمة، والقائد في كتائب شهداءالأقصى بلال أبو عمشة، جرّاء قصف الاحتلال لشقّةٍ كانوا يتمركزون بها عام 2004. لتنتهي كتيبة الرّد السّريع باغتيال قادتهاوعناصرها، واعتقال من بقِي منهم.

رأي الاجهزة الأمنية الفلسطينية |

بعد حديثنا مع مهراج توجهنا الى مسؤول أمني اخر يعمل في الأجهزة الأمنية الفلسطينية- الذي فضل عدم الكشف عن اسمه- حيثقال معلقاً عن الوضع الحالي في طولكرم؛ "أرى شيئاً مجهولاً في الأفق، الحكومة الاسرائيلية مصممة على التصعيد و على اضعافاجهزتنا الأمنية، فهي تعرقل جهودنا لتنفيذ القانون ولضمان الأمن من خلال تقويض نشاطنا العملياتي، حيث تعتقل يومًا تلو الآخر دونتوقف، مما يضعنا أمام واقعٍ تحكمه سياسة المداهمات المستمرة، و عندما نعمل جاهدين للقبض على مطلوبين بجرائم جنائية خطيرةفي ساعات الليل، يتبادر إلى أذهاننا أن الاحتلال ابلغ الارتباط عن نشاط تخريبي له، يقتضي بنا إلغاء مهماتنا مؤقتًا، لننتظر انسحابقوات الاحتلال و الذي ينتهي بتعقيد الامور . و لإضافة مستوى من التعقيد أيضاً يضخ بالمركبات المدنية المعبئة بالقوات الخاصةالإسرائيلية و المستعربين، التي تحوم دوماً كجهاز استخباراتي متنقل في أعماق المدينة. هم يعملون ليلاً و نهاراً هنا"

ميراث الدّم: كتيبة الرّد السّريع حيّةٌ ترزَق

تتكوّن مدينة طولكرم من قدرتين عسكريتيّن تؤمنان بالكفاح المسلّح حلًا لوقف عبثيّة الاحتلال؛ قدرة مقاومي سرايا القدس قي مخيم نورشمس، حيث نصبت هذه القوة متاريس وحواجز ووحدات مراقبة لترصد تحرّكات الاحتلال المشبوهة حول المخيّم، في المقابل تسيطركتائب شهداء الأقصى "الرّد السّريع" على مخيّم طولكرم، حيث أقامت حواجزها ووضعت ساترًا فوق المخيّم لتحييد القوة الجويّة فيالاستخبارات أو حتّى الاغتيالات. حاولت قوّات الاحتلال اجتياح المخيّمين عدّة مرات، إلّا أنّها فشلت في كبح جماح قدرة المخيّمينعسكريًّا ومعنويًا وحتّى بشريًا.

طرح ضابط المخابرات الإسرائيليّة المسؤول عن المخيّمات في طولكرم، والمعروف باسم "كابتن إسماعيل"، سؤالًا على العميد مهراجشحادة عقب اعتقاله في مايو 2023، بعد اقتحام منزله وتفجيرهم للنوافذ والاعتداء عليه من قِبل القوات الخاصّة الرئيسيّة، ومن ثمتوجيهه للشاباك للتحقيق معه، وكان فحوى السؤال: "أين جهاد؟"، تفاجأ العميد مهراج وردّ: "لماذا؟"، أجابه الكابتن إسماعيل: "ابنكجهاد أذانا!"

جهاد شحادة، هو الابن البِكر لأحد عناصر كتيبة "الرّد السّريع" مهراج شحادة، اتّهم جهاز الشّاباك جهاد بإطلاقه الرّصاص علىقوات الاحتلال والحواجز العسكريّة المُحيط بمدينة طولكرم، وأيَضًا دوره في تشكيل كتيبة الرّد السّريع. تُسلِّط لائحة الاتهام الضّوء للمرّةالأولى على عودة "كتائب شهداء الأقصى" إلى المخيم؛ خطة عودة كتائب شهداء الأقصى الى طولكرم يربطه الاحتلال باغتيال قائدهاالعام الشهيد أمير أبو خديجة.

وهنا نكشف لأول مرّة بناءً على مصادر محلية بأنّ المخابرات الاسرائيلية كانت قد اتهمت كتيبة الرد السريع في طولكرم بأنّهم أبناءالمجموعة الأولى التي أسست نفسها عام 2000، منهم فراس جابر ابن الشهيد فراس جابر، ومحمد الكرمي ابن الشّهيد رائد الكرمي،وقد تم اعتقالهما من قبل الاحتلال الإسرائيلي و اتهامهم بذلك. بالإضافةِ إلى المطارد جهاد شحادة ابن العميد مهراج شحادة الذيتحاول قوات الاحتلال اغتياله هؤلاء الشّبان أحيوا ميراث الدّم، وأعادوا كتيبة الرّد السّريع إلى المشهد على خطا آبائهم، وكأن الكتيبةوُرِّثت لهم.

يقول العميد مهراج بنبرة استغراب: "أنا لم أكن على علم بنوايا جهاد، ولا حتى عما كان يُحكى ويُشاع عن أفعاله، وبدا جهاد غامضًابعمق، كتم مشاعره وأفكاره!"، أردف العميد مهراج: "طلبت المخابرات الإسرائيلية مني تسليمه، لكني رفضت هذا الطلب دون تردد. لقدقرر جهاد أن يمشي في طريق المقاومة بمفرده، مستغنيًا عن أي إرشادات أو توجيهات. وكان لزامًا أن أُبدي له نصيحتي. يا جهاد،الوقت ليس مناسبًا لاتخاذ قرار الحرب، يجب أن يتواجد هناك نتائج وقرار استراتيجي وسياسي من قبل القيادة. أخذت على عاتقيوضع ابني في مقر المقاطعة بطولكرم لمدة ثلاثة شهور، وبعد ذلك لم يرغب بالبقاء في ذلك المكان، بل غادره ليعود من جديد كمطاردٍ حاقدأكثر على الاحتلال!"

كما وردت الأقاويل بين الإسرائيليين أنه يُشاع أنّ ابني جهاد قائد كتائب شهداء الأقصى في مخيم طولكرم، وفي هذا السّياق عبّرمهراج في نفسه قائلًا: "أوف، مرة واحدة!؟" لقد لاحظ مهراج تلاحم التواريخ السابقة والحالية، حيث تتلاقى ثأر الشهداء قبل ٢٢ عامًافي هذه الأيام العجيبة. يستكمل مهراج شحادة: "يظهر ابني وكأنه مُلهم بروح الشهداء، مثل النابلسي وفاروق وغيرهم، دمه يغليغضبًا حين يشاهد جرائم الاحتلال الوحشية. وأبلغني ضابط الشاباك الاسرائيلي أنّ ابني جهاد، موجود رسميًا في قائمة الاغتيال!"

حوار التناقضات

"يا ابني، أنا قلِقٌ عليك، وأنصحك بالبقاء في المقرّات الأمنيّة"، يقول شحادة مخاطبًا ابنه، يقول شحادة أنّ ابنه ردّ بسؤالٍ يعكِس الواقعالمؤلم الذي يعيشُه السياسيّون والشّعب الفلسطيني، "أتضمن يا والدي لي الأمان حين أخرج؟"، بالطّبع لم يستطِع العميد شحادة أنيجيب ابنه، يُضيف العميد شحادة: " قلت له يا ابني، من أجل أبيك، من أجلي يا جهاد!"، وأجابني ابني: "يا بابا، الاحتلال حرمنيمنك، أنا لم أعرِفك سِوى من خلف الزّجاج طيلة كل هذه السّنوات!"

حتّى أنّ ابني جهاد سألني سؤالًا اختصر الواقع السياسي الفلسطيني، "يا بابا، إذا كنت عميدًا في أجهزة الأمن الفلسطينية وقدتعرضت للضرب وتم التهجم عليك في الاعتقال، كيف سأسمح لهم بذلك؟ لقد كانوا يوقفونك ويفتشونك على حاجز زعترة أكثر من مرة،رأيتهم يوجهون سلاحهم تجاهك. ألم تشهد ما فعلوه برئيس الوزراء آنذاك، رامي الحمدالله؟ هل تعتقد أنّ هذا كله طبيعي؟"، وكانت هذهالتساؤلات بنبرةٍ تهكّميّة.

في ظل الأحداث المعقدة والمقاومة المستمرة، تظل قصة مهراج وابنه المطارد جهاد تشهد على روح الصمود والتصميم تحت وطأةالاحتلال. تعكس قصتهم مثالًا حيًا عن الثأر الذي يتوارثه الأجيال والمقاومة الشخصية التي تنبع من عمق الإرادة. تمتد هذه القصة بينخيوط الزمن لتؤكد لنا أن نضال الشعب الفلسطيني لا يعرف الانقطاع، وأنه سيستمر حتى يتحقق الهدف المشترك، وهو إنهاء الاحتلالوتحقيق الحرية المنشودة.