الكاتب: السفير حكمت عجوري
صرح احد المسؤولين الصهاينة مؤخرا بان المفاوضات الامريكية السعودية الجارية الان بخصوص التطبيع السعودي الاسرائيلي هي مفاوضات من اجل مصلحة امريكية حقيقية وهو وعلى غير العادة محق فيما صرح به لان المفاوضات الامريكية السعودية هذه المرة هي فعلا مصلحة امريكية اولا والتطبيع السعودي مع اسرائيل هو مجرد طبق جانبي على المائدة التي يطغى عليها طبق تخريب العلاقة السعودية الصينية وباي ثمن وذلك بسبب ان هذه العلاقة ولدت في زمن الهزيمة الامريكية في اوكرانيا وهو ما جعلها خطوة صادمة لامريكا بجرأتها وتمردها لدرجة انها افاقت بايدن من احلامه بمعاقبة ولي العهد السعودي بخصوص مقتل الخاشوقجي بعد ان اكتشف بايدن وطاقمه بان لا مكان لا للخاشوقجي ولا لحقوق الانسان في حسابات المصالح الامريكية عندما يتعلق الامر بالعلاقة مع المملكة العربية السعودية الدولة العميقة والى ذلك نضيف خطوة صادمة اخرى وهي عودة العلاقات السعودية الايرانية.
الصدمة الامريكية سببها في ان ولي العهد السعودي بتقاربه مع الصين واستقباله غير المسبوق للرئيس الصيني كحليف قلب كل المفاهيم و المخططات الامريكية التي طالما اعتمدت في استراتيجتها على ان الصين هي منافسها الشرس على عرش العالم كما وان ايران في الحسابات الامريكية هي بمثابة عصا سيدنا موسى تهش بها امريكا على دول الخليج عند الضرورة كما صنعت بافتعالها لحرب الخليج الاولى بين ايران وعراق صدام حسين بسبب تمرده وتوطئة لعاصفة الصحراء لتحرير الكويت وقد اكد على ذلك الجنرال نورمان شوارزكوف الذي قاد قوات التحالف في عاصفة الصحراء ضد نظام صدام حسين واقراره بان بلاده خططت لهذه الحرب العاصفة منذ سنة 1976 وان حرب الثمان سنوات الاولى بين العراق وايران كانت مجرد حرب انهاك قوى للطرفين .
امريكا وفي سياق متصل ما زالت تعتبر المملكة العربية السعودية كما باقي دول الخليج دولة وظيفية وعلى انها تابعة لمناطق نفوذها ولا تملك من امرها شيء وربما كانت تصريحات الرئيس السابق ترمب واهاناته للسعودية وملكها ابان فترة رئاسته والتي توجها بزيارة غير مسبوقة لرئيس امريكي وما عاد به في تلك الزيارة من غنائم لهي دليل على ان التعامل الامريكي مع السعودية كبقرة حلوب او كدجاجة تبيض ذهبا لامريكا مقابل الزعم الامريكي بحماية العرش السعودي كما صرح بذلك الرئيس ترمب في حينه والتي هي حماية وللاسف ليس من العدو الحقيقي للسعودية وعدو كل العرب وهو الكيان الصهيوني العنصري وانما من جارتها الاسلامية ايران.
المفاجأة التي يبدو انها صدمت امريكا وافاقتها من غيبوبتها هو طريقة تفكير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي يبدو انه لم يفاجيء امريكا فقط وانما فاجأ العالم كله بالقرارات التي اتخذها من اجل اعادة الهيبة الى مملكته كزعيمة للعالم السني والتي لو استمر ولي العهد السعودي في البناء عليها واستثمارها استراتيجيا فانها وبدون اي شك ستتوجه ومملكته على العرش العربي والاسلامي .
من تلك القرارات التي اتخذها ولي العهد السعودي ويبدو انه اتخذها بعد دراسة وبحث لا يصدر الا عن من لديه بصيرة ثاقبة بالرغم من صغر سنه وقلة خبرته مقارنة مع رؤساء الدول الكبار التي وجد نفسه وبدون خيار في وسط ملاعبها وبالخصوص مع الصين وامريكا وذلك بان حرف اتجاه بوصلة العلاقات الدولية لمملكته من الغرب الذي تتزعمه امريكا والتي تعاملت معه كمجرد حاكم غِر تنقصه الخبرة والقوة الى الشرق الذي تتزعمه الصين والتي تعاملت معه بندية وهو ما اثمر خطوة سعودية متمردة على الاوامر الامريكية فيما يخص انتاج النفط واسعاره لغير الصالح الامريكي كما وميزان التبادل التجاري ايضا لصالح الصين اضافة الى شروع السعودية في الدخول على خط الاحداث العالمية في التوسط لانهاء الحرب الاوكرانية.
ما يحدث في اروقة التفاوض الامريكي السعودي ما زال في طي الكتمان وما يرشح عنه من اخبار في الاعلام الصهيوني يتم توظيفها كمخدر يستخدمه الحاكم الصهيوني المأزوم النتن ياهو في معركته مع الشارع الاسرائيلي المنفلت والمنقلب عليه بعد ان تم الحكم عليه في اربع قضايا جنائية والتي ومن اجل الافلات من عقوبتها بالسجن اصبح الشارع الاسرائيلي يعي بان النتن ياهو لن يتوانى بفعل اي شيء حتى لو كلفه ذلك تدمير الجهاز القضائي الاسرائيلي وهذا ما شرع فعلا في عمله بالحد من دور المحكمة العليا وتقليص صلاحياتها ليتربع بعد ذلك كديكتاتور محصن على عرش ما يزعم بانها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
ما يعنينا كفلسطينيين من كل ما سبق هو بارقة الامل التي بدأت تطل علينا من بلاد الحرمين والتي انارها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والتي من الممكن لها في حال نجح ولي العهد في ترجمتها الى واقع ملموس ان تعيد للعرب كرامتهم في زمن الردة الذي نعيشه والذي يتربع على عرشه كيان ضهيوني عنصري مكنه الغرب من اجل ان يهيمن على منطقتنا الاغنى في العالم بثرواتها الطبيعية والجيوسياسية .
هذا التفاؤل سببه هو القوة التي تمتلكها الدولة السعودية العميقة التي طالما حاولت امريكا تدميرها من اجل ضمان التبعية السعودية لها، هذه القوة التي يعمل ولي العهد السعودي على استعادتها لاجل ان تكون لاعب اساسي على المسرح الدولي وهو قادر على ذلك بسبب ذكاءه الفطري واستثماره للفرصة التي لاحت بسبب عودة تعدد القطبية التي تمخضت عن الحرب الاوكرانية والتي ستعيد الامور الى ما كانت عليه قبل بيروسترويكا غوربتشوف في نهاية ثمانينات القرن الماضي وهي الفرصة التي فتحت الباب على مصراعيه امام ولي العهد السعودي للخروج بمملكته وانقاذها من الهيمنة الامريكية بكل تداعياتها بما في ذلك الاذلال الامريكي للمملكة السعودية وباقي دول الخليج العربي .
المملكة العربية السعودية تستمد قوتها ليس بسبب ثرواتها الطبيعية فقط وانما من عمقها العربي والاسلامي ايضا ولكن وبالتاكيد ليس من الادارة الامريكية وهذا الذي نتمنى له ان يكون معيار اساسي للتفاوض السعودي مع الادارة الامريكية التي اصبحت هي بحاجة ماسة للحفاظ على علاقة استثنائية مع المملكة العربية السعودية وذلك بسبب الفشل الامريكي في حربها ضد بوتين في اوكرانيا بعد ان اشعلت امريكا فتيل هذه الحرب وبعد تخطيط طويل يعود لايام وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت التي وضعت الاسس لهذه الحرب في تسعينات القرن الماضي من اجل تعزيز و تثبيت الاحادية الامريكية في السيطرة على العالم وذلك بتطويع ما تبقى من الامبراطورية السوفياتية القطب الثاني ابان الحرب الباردة. .
ختاما اقول بان التنفيذ الفعلي لبنود مبادرة السلام العربية (السعودية المنشأ) وهي المحصنة اصلا بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وذلك من اجل تحرير فلسطين العربية وقدسها ومقدساتها الاسلامية والمسيحية كشرط اساسي لانهاء الصراع في الشرق الوسط يعتبر المعيار الحقيقي لنجاح محمد بن سلمان كزعيم للامتين العربية والاسلامية وهو الضامن الحقيقي لامن وسلامة وسيادة المملكة العربية السعودية وليس السلاح الامريكي الذي سيُبقي المملكة اسيرة للهيمنة الامريكية خدمة لصالح الكيان الصهيوني واطماعه في المنطقة بما فيها ثروات مملكة حِمير.