الكاتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة
بعد مقتل مستوطنة واصابة آخر يوم امس في جنوب الخليل تحرك رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشكل سريع وفجائي إلى منطقة العملية وكان يصحبه وزير دفاعه يوآف غالانت، وأطلق اتهامات بأن إيران هي من تقف خلف العملية وهي من تدعم المقاومة في الضفة الغربية والقدس، هذا التصريح اثار ردود فعل مستهجنة ليس فقط من المتابعين للشأن الإسرائيلي بل أيضا من كبار الكتاب والمحللين السياسيين الإسرائيليين أمثال رفيف دوركر الذي قال: "إنّ اتهام رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إيران بعملية إطلاق النار في الخليل اليوم، "مخجل جداً"، وأضاف، "كنا على مدى أعوام نهزأ بالدول العربية عندما يحدث أي شيء سلبي، إذ كانت فوراً تتهم إسرائيل". وأشار إلى أنه لا يعلم إذا كان هذا الكلام في إطار محاولة "لإطلاق حملة ضد إيران في موضوع النووي الإيراني بسبب المفاوضات العالقة هناك"، لافتاً إلى أنّ هذا الأمر "لن يساعد، ولا أعتقد أنّ هناك إصغاءً دولياً" إلى ما قاله وزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، اليوم، بعد هذه العملية.
قبل هذه العملية بيوم واحد فقط قتل إسرائيليين في بلدة حوارة جنوب نابلس في عملية مقاومة، ولان القتيلين هما من غير المستوطنين فلم ترتعد حكومة نتنياهو الفاشية والتي يهمها أمر المستوطنين اكثر بكثير من أمر مواطنيها داخل دولة الاحتلال، ومر الحدث دون ان يعلق نتنياهو عليه، ولكن حينما وصل الامر للمستوطنين حلفائه الذين يحمونه من دخوله الحتمي للسجن في قضايا الفساد المتهم بها، فانه فورا يذهب اليهم ويطلق التهديدات، ويبيعهم بضاعة فاسدة خدمة لمصالحه الشخصية.
زيارة نتنياهو إلى الخليل وتصريحه عن دور ايران يحمل عدة رسائل للداخل الاسرائيل ولحلفائه الفاشيين ورسائل للخارج وخاصة لعدوه اللدود "جو بايدن"، فأما عن رسائله الداخلية أنه يريد حرف النقاش الداخلي في إسرائيل بتسويق خطر خارجي بأن يوهم معارضيه الذين يخرجون للتظاهر ضده كل يوم سبت بمئات الالاف احتجاجا على سياساته القضائية، بأن هناك خطر قادم على دولة الاحتلال وأنه ليس من المناسب للمعارضين أن يتظاهروا ويحتجوا ضد الحكومة وهي التي تخوض حرباً ضد "الإرهاب"، لذلك فمن الأفضل لهم أن يتوقفوا عن تظاهراتهم وينضموا للحكومة الفاشية لدعمها. واما رسالته لحلفائه الفاشيين في حكومة الائتلاف الفاشية وخاصة بن غفير وسموتريتش بأنه يقف مع المستوطنين في محنتهم "قلباً وقالباً" وأنه ذهب شخصيا لموقع العملية ليتابع من قلب الحدث تفاصيل العملية، لذلك يجب عليهم تقديره والتوقف عن مطالبهم الكثيرة التي تحرجه مع العالم. وهي أيضا رسالة للسلطة الفلسطينية وحركة فتح التي تبنت العملية عبر ذراعها العسكري "كتائب شهدا الأقصى" بأن الضفة الغربية أصبحت ملعبا لإيران وحلفائها وان دور السلطة الفلسطينية أصبح يتلاشى، وان البديل الوظيفي عنها موجود ويمكنه ان يحل محلها ليضبط الامن ويحفظ أمن دولة الاحتلال، لذلك عليكم "الانتباه جيدا لحكمكم". وهذا بالتأكيد عاري عن الصحة والسلطة الفلسطينية وحركة فتح تقوم بواجبها الوطني في حماية الحلم الفلسطيني بكيان وطني على الأرض الفلسطينية المحتلة ولكن أيضا لدي عدة ملاحظات على أدا السلطة الباهت في هذه الأيام: واهم هذه الملاحظات هو قيام رئيس السلطة بإعلان دولة فلسطين محتلة حسب القرار المتحدة 67/19 ومنحها صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، وطلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وإجراءات أخرى مهمة لحماية الدولة الفلسطينية من العبث الداخلي والخارجي.
أما الرسائل الخارجية، فهي بالأساس للولايات المتحدة وبالتحديد لرئيسها بايدن الذي يرفض حتى اليوم مجرد اللقاء مع نتنياهو لأنه غاضبا منه، ولأن الولايات المتحدة تخوض هذه الأيام مفاوضات مرثونية مع ايران بشأن صفقة لإطلاق سراح أمريكيين محتجزين لدى ايران ومفاوضات أخرى بشأن العودة للاتفاق النووي لا يرضى عنه نتنياهو، لذلك فهو يتهم ايران كي يقول لأمريكا أنه في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بالتفاوض مع ايران، تقوم ايران بمهاجمة إسرائيل، لذلك من حق إسرائيل ان تدافع عن نفسها من الخطر الإيراني.
ورسالة خارجية أخرى مهمة، هي للسعودية ولمحمد بن سلمان بالتحديد، وهو الذي قام قبل يومين بزيارة خاطفة لإيران، في إشارة إلى تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية وعودتها إلى ما كنت عليه قبل سنوات، وهذا لا يروق لنتنياهو الذي يريد توتير العلاقات بين العرب وايران لأنه من مصلحته ذلك، وأيضا هناك مفاوضات بين الولايات المتحدة والسعودية بخصوص صفقة تطبيع مع إسرائيل مقابل موافقة أمريكا وإسرائيل على شروط الصفقة والمتمثلة في مفاعل نووي سعودي وحل للقضية الفلسطينية، وهذه المطالب لا تروق لنتنياهو لذلك فان تصريحه يوصل الرسالة.