السبت: 11/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

مسارات مِهنيَّة: المهارات الرقمية ومُستقبل التشغيل.

نشر بتاريخ: 29/08/2023 ( آخر تحديث: 29/08/2023 الساعة: 17:31 )

الكاتب:



صخر سالم المحاريق
لم تترك العولمةُ سبيلاً إلا وسلكته، فالعالم اليوم أصبح مُتشابكاً مُترابطاً كبيت العنكبوت رُغم كُل الفوارق البينية في المُجتمعات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، كما أنَّ للتقنية (التكنولوجيا) نصيب الأسد من هذا التمدد والتشابك، وخاصة بعد ظُهور الإنترنت؛ تلك الشبكة العالمية التي حققت ما كانت ترنو إليه العولمة يوماً ما، وهو جعل العالم بمثابةِ "قرية صغيرة" تحت المجهر.
التكنولوجيا مُحور حياتنا اليوم.
التكنولوجيا هي محور حياتنا، ومع زيادة اعتمادنا على الإنترنت والاتصالات الرقمية، يجب على القوى العاملة لدينا مُواكبة الطلب المُتطور على المهارات والمُرتكز عليها، كما أن التكنولوجيا اليوم باتت تمثلُ تحدياً أمام أصحاب العمل والباحثين عن عمل في عالم سريع التحول، يقول "جيف ماجيونكالدا" الرئيس التنفيذي لشركة كورسيرا: “"نحن جميعاً في نفس القارب تقريباً، سواء كُنت عاملاً في مصنع أو في الخطوط الأمامية أو سواء كنت مُوظف تجلس خلف مكتب، ستعمل التكنولوجيا على تغيير الطريقة التي سيتم بها أداء كُل مُهمة وظيفية تقريبًا. “
ومن أهم الأسئلة والتي سيواجهها أصحاب العمل والمُدراء في السنوات القادمة وفق دراسة عالمية "ما هي التقنيات التي من المُحتمل أن يتبنوها؟ ما هي الاتجاهات الكُبرى الأخرى التي سيواجهونها؟ ثم ماذا يعني ذلك بالنسبة للوظائف داخل شركاتهم أو داخل صناعتهم؟ ماذا يعني ذلك بالنسبة للمهارات المُكتسبة؟ وأيضاً لكيفية اكتساب تلك المهارات وتطويرها؟
شئنا أم أبينا كمُجتمعات مُستهلكة في العالم الثالث، فإننا بحاجة لنحذو حذوَ العالم المُتقدم فيما أفرزَ لنا من تُكنولوجيات مُتعددة الأغراض، مُتنوعة الأدوات والوسائل، بحيث يُفترضُ بنا تبني جُزء منها كمقترحات تطورية على أقل تقدير في مناحي حياتنا المُختلفة؛ فالتكنولوجيا اليوم قد تسللت لكلِ القطاعات بلا استثناء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر عملية "التوظيف والتشغيل"، كما أنها قدمت لنا مهارات من نوع آخر وهي "المهارات الرقمية"، والتي تمثلُ مهارات العصر والقرن 21.

توضيح لأنواع المهارات؟
تُصنف المهارات عزيزي القارئ الكريم إلى نوعين: المهارات الناعمة - Soft Skills، والمهارات القاسية - Hard Skills، فأما المهارات الناعمة: فيطلقُ عليها أيضاً مُسميات أخرى كالمهارات الحياتية أو الشخصية، لأنها تُعنى ببناء شخصية الفرد لمساعدته في تقديم ذاتهِ بشكل أفضل، كذلك الانخراط والتفاعل مع مكونات بيئتهِ البشرية والمادية، ومنها على سبيل المثال: (الاتصال والتواصل، الوعي بالذات وإدارتها، مهارات التحكم بالانفعالات والعواطف، إدارة الوقت، حل المشكلات واتخاذ القرارات، الاقناع، التفاوض) وغيرها من المهارات الهامة جداً في صقلِ شخصيةِ الفرد ليكون فرد فعال في مُجتمعه ومواطن صالح، ومبادر، وريادي، وهي مهارات يحتاجها كُل شخص ذكر أم أنثى، كبير أو صغير.
وأما المهارات القاسية: وتُسمى بالفنية أيضاً فهي مهارات مُرتبطة بمجال العمل أو المهنة؛ أي مهارات وظيفية مُتخصصة لأداء العمل بشكلٍ كفؤٍ وفعال، فنقول على سبيل المثال من فنيات العمل الإداري قُدرة المدير، أو الموظف الإداري على أداء المهارات الإدارية (كالتخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والرقابة) حسب موقعه الوظيفي، أو نقول المُحاسب مثلاً يجب عليه أن يكون قادراً على (ادخال، مُعالجة، تحليل، واسترجاع) البينات المُحاسبية لأداء مهنته بشكل أمثل، فهي مهارات نقيس من خلالها عملية الاحتراف في مُزاولة المهنة.
ما هي المهارات الرقمية وأنواعها؟
تُعرَّف المهارات الرقمية - Digital Skills على أنها مجموعة من المعارف، والخبرات، والقُدرات لاستخدام الأجهزة والتقنيات الرقمية بشكل أمثل، بحيث تُمَّكن الأفراد من إدارة المُحتوى الرقمي ومُشاركته بكفاءة تُؤدي إلى زيادة الدقة، والجودة، والفعالية، والانتاجية في كُل أنشطة الحياة العامة والعملية، وتُعتبر أحد أساسيات التحول الرقمي لبناء الاقتصاد الرقمي المعرفي الحديث في القرن 21، تحت مُسمى Digital Skills 21ST، والتي تهدف إلى محو (الأُمة الرقمية – (Digital literacy .
تَنقسمُ المهارات الرقمية بشكلٍ عام إلى قسمين هُما (المهارات الرقمية الأساسية، والمهارات الرقمية المُتقدمة)، أما المهارات الرقمية الأساسية: فهي مهارات ضرورية للحياة والتعايش مع التقنية اليوم في ظل الثورة الصناعية الرابعة، فهي مهارات طبيعة ثانية لجيل الألفية والجيل (Z)، على الرُغم من أنه قد يتعين تعلمها من قبل الأجيال الأكبرِ سِناً للتحديث على مهاراتهم ومُواكبة مُستقبل التطور، ومن الأمثلة على هذه المهارات (التواصل الاجتماعي، التعامل مع المعلومات والمُحتوى، التعامل مع الانترنت، حلّْ المُشكلات، أمن المعلومات الشخصية، مهارات استخدام الحاسوب، الهاتف الذكي).
وأما المهارات المُتقدمة: فهي مهارات لذوي الإختصاص، خاصة أُولَئِكَ الذين يتطلعون إلى العمل في القطاع التكنولوجي المُتنامي نفسه، من خلال امتلاك مهارات أكثر تقدماً تتعلق بمجالات مُحددة من الأعمال الرقمية، لاقترانها اليوم بالعديد من المهارات الفنية والمهنية سالفة الذكر، ومن الأمثلة على تلك المهارات (التسويق الرقمي، وسائل التواصل الاجتماعي، إنشاء تجربة المستخدم، فهم واستخدام تحليلات الويب، الذكاء الاصطناعي، تطبيقات الهواتف الذكية، برمجيات الحاسوب).
المهارات الرقمية تُمثل اليوم مُستقبل التشغيل والتوظيف.
خُلاصة القول: إن التكنولوجيا سِمة العصر وأداتها، فهي إمتداد زمني يجب مُواكبته بغض النظر عن الجيل أو العُمر طالما أنت تعيش في عصر التقنية والتحول الرقمي، فهي ضرورية اليوم لانجاز أعمالك اليومية على الصعيد الشخصي، وعلى صعيد العمل، فوِفقاً لدراسةٍ أعدها المُنتدى الاقتصادي العالمي في تقريرهِ حول مُستقبل التوظيف لعام 2023، أفادَ ذلك التقرير بأن التكنولوجيا ستُغير ما مقداره (44%) من مهارات التوظيف، وبالتالي تحويلها لمهارات رقمية.
إن هذه المؤشرات يجبُ أن تُؤخذ بعين الاعتبار وفق ثلاثة مُستويات: الأول: على صعيدِ أرباب العمل أنفسهُم من خلال تطويرهم لصناعاتهم وقطاعاتهم رقمياً، أما الثاني: على صعيد المدارس والجامعات وذلك من خلال تعزيز المهارات الرقمية الأساسية للحياة، والمُتقدمة للعمل، وأما المُستوى الثالث: فهو منوط بدورِ الخريجيين من خلالِ مزيدٍ من "التعلم الذاتي" لتطوير "المهارات الرقمية المُتقدمة" لديهم المُرتبطة بمجال الاختصاص والمهنة.