السبت: 11/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

تهويد القدس

نشر بتاريخ: 29/08/2023 ( آخر تحديث: 29/08/2023 الساعة: 18:52 )

الكاتب:

فتحي أحمد

لم يتوقف التلويح بيهودية القدس منذ اليوم الأول لاحتلال القدس الشرقية، فعند احتلال الشطر الشرقي من المدينة في العام 1967عمد الصهيوني موشيه ديان وبتأييد من قادة الاحتلال إلى الإيعاز للمهندسين والمخططين للعمل على إيجاد واقع جديد بالقدس لصالح اليهود. وفي غضون أيام قليلة بعد الاحتلال، هُدمت حارة المغاربة بكاملها في القدس القديمة وقد تم طرد ما يقارب ألف مواطن عربي من المنازل، وأنشئت ساحة حائط البراق، وصودرت مساحة 17.700 دونم من الأراضي، طبقاً للسياسة الإسرائيلية الهادفة للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان العرب.

حينما دخلت جولدا مائير بعد احتلال القدس سنة 67م فكانت جولدا وجميع وزرائها يمشون وراء الحاخامات حفاة يبكون وهم سائرون نحو حائط البراق والذي يطلقون عليه حائط المبكى في القدس الشرقية، في عام 1967 أصدرت حكومة الاحتلال قرار ينص على ضم 70 ألف دنم من أراضي القدس لدولة الاحتلال، وتلى ذلك حل مجلس بلدية القدس وضمه إلى بلدية القدس الغربية، كما لجأ الاحتلال بعد احتلال مدينة القدس إلى سن قوانين الهدف من ذلك هو سرعة تهويد القدس والسيطرة عليها.

لقد نجح الاحتلال في فرض سيطرته على المدينة المقدسة من خلال مصادرة بيوت المقدسيين والاستيلاء على أراضيها بحجج كاذبة، كأملاك الغائبين وغيره، فالزائر للمدينة يشاهد حجم الدمار الذي لحق بالمدينة، أسواقها فارغة أبواب المحلات التجارية في المدينة تفتح صباحا وتغلق مساء بدون تحقيق حركة تجارية يعود بالنفع على أصحابها، ولا يوجد من يحرك تلك الأسواق في ظل مضايقة الاحتلال، لقد نجح الاحتلال في توجيه حركة التجارة إلى خارج المدينة، ووجد المواطن المقدسي ضالته خارج أسواق القدس القديمة وبالتحديد في المدن القريبة للقدس مثل بيت لحم ورام الله، وهذا سببه عرقلة وصول المقدسي للتسوق داخل ازقة البلدة القديمة وفرض قيود على اصطفاف المركبات، ووضع غرامات باهظة على من يضع مركباته في مداخل البلدة القديمة .

استخدمت إسرائيل وجودها الأمني في القدس للممارسة نفوذها في القدس ومحيطها، لكن في السنوات الأخيرة تصاعدت حدة الاستيلاء على الأماكن الدينية والأماكن الأثرية الإسلامية، مثل محاولات الاحتلال نبش مقبرة مأمن الله في محيط المسج الأقصى وغيره من الأماكن الدينية، وقد سعت دولة الاحتلال على للحفاظ على خططها من خلال تدعيم وجود المستوطنين وتقديم اغراءات مالية وتثبيتهم في القدس على حساب السكان الأصلين، وكانت فكرة دولة الكيان هو انشاء تجمعات سكانية استيطانية في محيط المدينة المقدسة وربطها بطرق التفافية داخلية وخارجية، لعزالها عن عمقها الفلسطيني أولا، وثانيا عزلها عن القرى المقدسية القريبة منها مثل العيزرية وأبو ديس والرام والقرى الفلسطينية الأخرى، والتي كانت تتبع إدارياً لها، وتحاول حكومة الاحتلال تغير البوصلة نحو اتجاهات تتعلق بالبعد الديني التوراتي، وإن القدس هي مدينة داوود وعاصمة مملكتهم الجنوبية بعد النبي سليمان .

السياسات التعنتية والاستعلائية لصناع السياسة في حكومات إسرائيل لم تصنع واقع يتعاطى مع توراتهم المزيفة، صحيح هنالك تهويد للقدس لكن بطلان ادعاءات حاخامات إسرائيل مكشوف، فرغم ما تقوم به سلطة الأثار الإسرائيلية للتنقيب عن أثار تثبت يهودية القدس، إلا أنها فشلت في ذلك، وهنالك اعتراف صريح من بعض علماء الصهيونية مثل توماس ثامبسون، الذي قال في إحدى المقابلات إن أحداً من علماء الآثار، أو الحفارين، أو المنقبين، في طول فلسطين وعرضها، لم يتمكن من الحصول على إثبات واحد يؤكد فيه أنه كان لليهود وجود في أرض فلسطين قبل المئة الأولى من السيد المسيح عليه السلام، وأما العالم الثاني فهو عالم الآثار الأمريكي "كيث وايتلام" الذي ألف كتاباً بعنوان: "سرقة أرض فلسطين الذي قال «أن صورة ماضي «إسرائيل»، كما وردت في معظم فصول الكتاب العبري، ليست إلا قصة خيالية، أي تلفيق للتاريخ."

لا تعبأ الصهيونية الدينية بما يقال عن بطلان روايتهم التوراتية بحق مدينة القدس، وزيف ما جاءت به التوراة حول احقيتهم في القدس، فهم ماضون في تهويد القدس وبوتيرة عالية جدا، ويتمثل ذلك في سياسة التضيق على سكان القدس، وفرض مزيداً من الضرائب عليهم، وإطلاق العنان للمستوطنين لكي يجرموا بحق الفلسطينيين في القدس ومحيطها، فرغم ذلك المواطن المقدسي صامد في وجه الرياح العاتية، فضلا عن تردي وضعه الاقتصادي والمالي ما زال متشبث بأرضه ويدافع عن بيته بكل السبل المتاحة لديه.