السبت: 11/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

حروب النفوذ وحروب الترميم

نشر بتاريخ: 05/09/2023 ( آخر تحديث: 05/09/2023 الساعة: 13:45 )

الكاتب: د. محمد عودة

ان ما يحصل في أوكرانيا من ضياع البوصلة وعدم القدرة على الحسم لصالح طرف من أطراف الصراع أدى الى نقل جزء من المعركة الى افريقيا والتي بدأت تتمرد على الهيمنة الاستعمارية الأوروبية وما يحصل خاصة دول المحور الافريقي الجديد الا دلالة واضحة على ان الصراع الدائر يختلف عن كل الصراعات التي عرفناها خلال القرن الماضي ونيف عندما كانت مكونات الأقطاب واضحة المعالم.

هل تعمل روسيا على اقناع الأوروبيين بان تحالفهم مع أمريكا سيجلب لهم الويلات بغية تعميق الهوة بينهم وبين وامريكا عبر تحميل أمريكا مسؤولية ما تعاني منه أوروبا من نقص في موارد الطاقة وفروغ مخازنها من الأسلحة والذخائر التي تصر الولايات المتحدة على ارسالها الى اوكرانيا.

هل تعمل روسيا على حرمان الأوروبيين من نهب خيرات افريقيا وبالتالي دفعهم للابتعاد نسبيا عن أمريكا؟ مما يسهل تعزيز القطب الجديد (البريكس) والذي بما يعوض الأوروبيين عن ارتباطهم غير المتكافئ بأمريكا.

في المقابل هل غاية أمريكا من إطالة امد الحرب من اجل استنزاف روسيا وتعطيل او بالحد الأدنى تأخير بناء قطب عالمي جديد بخطف الجزء الأكبر من دور أمريكا المهيمن عسكريا واقتصاديا وسياسيا إضافة الى ايصال رسالة الى دول أوروبا مفادها، لن تكونوا في مأمن بدون الحماية ان لم نقل الوصاية الامريكية. بمعنى ان روسيا وامريكا تسعيان لترميم صورتيهما اللتين تآكلتا في العقدين الأخيرين.

اما في الشرق الأوسط فمنذ زمن ليس ببعيد ونحن نسمع طبول الحرب تدق حينا بصوت عال وأحيانا كثيرة بصوت اقل حدة، فهل يا ترى ستكون الحرب ان حصلت تحت السيطرة؟ هل ستكون محدودة من حيث الزمان والمكان والفرقاء؟

ضمن المعطيات ما ظهر منها وما بطن لا اعتقد شخصيا انها ستكون تحت السيطرة لأسباب عدة أهمها تضارب المصالح والعمل الجاري على الانتهاء من هيمنة قطب واحد على المشهد بكل تفرعاته السياسية والعسكرية والاقتصادية والذهاب كحد أدني الى عالم القطبين ان لم نقل عالم تعدد الأقطاب.

حرب الترميم

إسرائيل التي تآكلت قوة ردعها سواء في حروبها مع غزة او عدم القدرة على تقليم اظافر ايران وعلى راسها حزب الله او عدم قدرتها على حسم المعركة المتواصلة مع المقاومة المتنامية في الضفة الغربية (وبعيدا عن سيطرة حماس التي برهنت على قدرتها على ضبط المقاومين في غزة التزاما بما تعهدت به في اتفاقياتها مع إسرائيل عبر وسطاء من قطر وتركيا ومصر) او في ردع الجبهة الشمالية مع حزب الله. يضاف الى ذلك المعركة الداخلية بين مكونات المجتمع الإسرائيلي الذي يرفض جزء هام منه إجراءات الحكومة منذ أكثر مما يقارب الأربعين أسبوعا من المظاهرات والاعتصامات المتنامية.

اما حماس التي برهنت على قدرة غير عادية في الالتزام بما هو متفق عليه مع إسرائيل وغيابها المطلق عن المشهد في الحربين الأخيرتين إضافة الى غيابها المدوي عن العمل المقاوم في الضفة الغربية وهذا لا ينسجم مع برنامج مقاوم تتبناه ولو نظريا مما أدى الى تآكل صورتها لدى المواطن الفلسطيني في الضفة وبشكل أوضح المواطنين في قطاع غزة مما يضعها امام ضرورة ترميم صورتها امام الشعب الفلسطيني.

اما إيران وأذرعها خاصة حزب الله الذين يتعرضون لضربات شبه يومية في سوريا على الرغم من انهما يدعيان انهما يملكان الإمكانيات التي تزيل اسرائيل عن الخارطة ويرددون صبح مساء انهما لن يدعا إسرائيل تنفرد بفلسطين وانهما سيعيدانها إ الى العصر الحجري ان هي اعتدت على المقدسات الإسلامية (هذه الاعتداءات التي تحدث يوميا) ولا يفعلون مما أفقدهم المصداقية ويحتاجون الى ترميم شعبيتيهم.

اما سوريا التي اعيتها الحروب وضربت اقتصادها وقلصت نفوذ حكومتها في العديد من مناطق الجغرافيا السورية حيث روسيا وامريكا وايران وتركيا متواجدين على هذه الجغرافيا مما افقد النظام السيطرة على مساحات هامة من الجغرافيا مما أدى بين عوامل أخرى الى تآكل شعبية النظام وتنامي خطر تثبيت التقسيم القائم على الأرض وعليه فان النظام يحتاج الى ترميم شعبيته مما قد يمكنه من الاحتفاظ بالسلطة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

اما أمريكا التي تحشد قوات على الحدود بين سوريا والعراق تحاول أيضا ان تبقي على هيمنتها في الشرق الأوسط لتعزيز مكانتها في مواجهة القطب المتنامي بقيادة روسيا من جهة ولحماية ربيبتها إسرائيل من جهة أخرى إضافة الى ترميم صورتها امام شعبها الذي يعرف ان قدراتها في الخارج تتهاوى منذ أكثر من عقدين.

روسيا أيضا من اجل تعزيز دورها في الشرق الأوسط والذي يعتبر منفذها على المياه الدافئة إضافة الى ضمان حصتها في التقسيم الذي تسعى أمريكا لفرضه على الشرق الأوسط. كما ان روسيا تعمل على ترميم صورتها التي تأذت نتاج عدم حسمها للمعركة الدائرة في أوكرانيا.

امام كل ما سبق اعتقد ان العرب القادمة في الشرق الأوسط هي حرب ترميم الصور (إسرائيل، أمريكا، حماس، حزب الله، إيران، روسيا وربما تركيا).

السؤال المطروح بشدة متى ستبدأ حرب الترميم وهل ستتمكن من السيطرة على الحرب لضمان عدم الانزلاق الى ما هو ابعد من حرب ترميم؟ وهل ستحقق هذه الحرب الأهداف المذكورة واهداف أخرى تطبيقا لنظرية مالتوس التي تعمل على تقليص البشرية عبر قتل أكبر عدد ممكن من البشرية سواء بالحرب ام بغيرها وهل المسلمين والعرب هم المستهدفين.