الكاتب: أمير مخول
حين تكون الارادة يتراجعَ المستحيلُ، هذا ما كان قبل فجر السادس من ايلول 2021، وهذا ما قاله لنا جميعا محمود وأيهم ويعقوب وزكريا ومحمد ومناضل، قالوه دون اية كلمة وانصتت لهم قلوب الناس حين كان صخب معجزة الحرية يتلاطم فيها. انصتت لهم القلوب وفقط لهم وسارت وراءهم وتعقبت خطواتهم ليس فضولاً وانما حرصا عليهم متمنية ان تنفتح لتكون ملاجيء لهم من دولة كاملة وجيش كامل وجهاز شرطة كامل وشاباك كامل يركضون في كل اتجاه وراء خيبتهم وبروح الانتقام من انتصار الاسير على السجان، وضحايا الاحتلال على قاهريهم.
استعادت الناس معنى البيئة الحاضنة وكيف يتسع نحو كل فلسطين وفي كل مكان، وكيف بات ابناء يعبد وجنين وعرابتها ابناءً للناصرة والبلدات المجاورة، دون خط اخضر يفصل الفلسطيني عن الفلسطيني كما الجدار والحاجز والشارع الالتفافي وكما القانون المستعمر. ارتاحت الأنفس ولامست المعنويات معنى معانقة السماء سعيا وراء ارادة أصحاب النفق، تلك السماء التي ليس مثل النفق الارضي سبيلا لها.
سيكون من الجدير اعتبار السادس من ايلول يوما وطنيا للشعب الفلسطيني فيما لو حصل ذلك. والسادس والستة يتماشيان معا من على ارض اللغة وبين حروفها كما على ارض الوطن وبين شعابه.
تراودني فضولية الخيال كيف أمضوا يومهم قبل الخروج وكيف اضاء عمقُ الارض لهم الطريقَ، وتشغلني المشاعر، كيف شعر كل واحد منهم، وهو يشق طريقه نحو الارض. كيف شعر بعدها واية مشاعر حين اعادوه الى القبو والحرية تملأ روحه.
في جلسة المحكمة المركزية في الناصرة في العاشر من كانون ثانٍ من هذا العام، تلاشى المشهد القضائي، وكلام القاضيات الثلاث وحتى كلام محامي الدفاع، كان مقنعا لكنه كان على هامش المشهد. تُرِك المشهد للوجوه لتتحدث، ولغة العيون قالت اكثر الكلام، حاصرت الشرطة وحرس المحكمة المكان وحاصروا العيون واستفزتهم كل ابتسامة متبادلة فالابتسامة من علامات انتصار ارادة الحرية. حين ناداني محمود ورفاقه مبتسمين وانا ناديتهم، كان شعور طافح بأن النداء هو الرسالة وبأن جانبي السجن داخله وخارجه هما ملتقى الفلسطينيين الحر مهما علت الجدران، وهو ما تدركه دولة السجون بحيث جنّ جنون الحراس وقطعوا الكلام باجسادهم وبالتهديد، حاولوا ان يشكلوا بأجسادهم وبزيّهم القمعي المدجج بأدوات القمع، جدارا فاصلا بين أصحاب النفق وبين الجمهور ممن نجحوا بدخول القاعة، تحت وابل من كلام التهديد بإخراجهم بعد اية ايمائة فخر واعتزاز تجاه الاسرى وعيونهم. هددوا الطفلة والطفل اللذين قالا لخالهما الاسير محمود العارضة "بنفتخر فيك وبنحبك".
لم ينشغل اسرى النفق بما ستقرره المحكمة، فأي قرار ليس ذا شأن لدى المحكومين بالسجن المؤبد مدى الحياة، ثم ان شعور الانتصار عندهم واتعكاسه عندنا جميعا تفوّق على ترسانة القهر، لتشكّل جلسات المحكمة بالنسبة لهم فسحة خروج من العزل الانتقامي في السجن وللنظر من ثقوب نوافد البوسطة اللعينة الموصدة التي تقلهم، الى الارض الرحبة التي ساروا فيها وتجولوا فيها في مرج ابن عامر بلوغا الى جنين من ناحية والى الناصرة من ناحية، إنهم يرون في ذلك اعادة اعتبار لارادتهم، كما يرون في لجنة التحقيق في اخفاق مصلحة السجون وجهاز الشاباك اعتبارا لهم وكيَّ وعيٍ للمحتل في حروبه ضد ارادة الصمود والحرية والتي لا يمكن ان ينتصر فيها مهما كان منسوب القهر وعتاده القمعي والقضائي. إنهم أسرى نفق الحرية.
عن الاضراب:
في الرابع عشر من ايلول الجاري سوف يبدأ الاضراب الجماعي للحركة الاسيرة، الا اذا تغيرت المعطيات وتراجعت اسرائيل عن القرار الارهابي الصادر عن وزير "الامن القومي"، بالتضييق عليهم وحصريا في منع الزيارات الشهرية وتحويلها الى مرة في الشهرين. وعن اهمية الزيارات العائلية؛ فهي تشكل المتنفس الحر الوحيد تقريبا والأكثر أثرا والاكثر حساسية لدى الاسرى لدرجة تصل حد القدسية. أنه الرابط الاول بين الاسير والحياة خارج السجن، وتدرك مصلحة السجون ومعها الشاباك بأن اي مس بعائلات الاسرى او انتهاك لكرامتهم الانسانية او حرمانهم من رؤيتهم، سيواجه برد فعل حاد من الاسرى ويؤدي الى التوتر والصدام داخل السجون، وهو مسألة لا مساومة فيها بأي شكل كان.
لقد كانت الزيارات مرة كل اسبوعين ولمدة خمسة واربعين دقيقة، وذلك وفقا للاجراءات المعمول بها، ثم ونظرا لمحدودية تمويل منظمة الصليب الاحمر للحافلات التي تقل العائلات، تم اعتماد مرة في الشهر ولذات عدد الدقائق. والان وبجرة قلم دموي يريد الوزير اخضاع نفسية الاسرى ونفسية العائلات وشغفها في كسر ظمأ القهر. إنه كما سموتريتش يريد اشعال الوضع وبحاجة سياسية الى الصدام لان الصدام المفتوح هو البيئة الافضل لتنفيذ مآربهما التصفوية في فلسطين.
كان لافتا موقف مكتب نتنياهو الذي رفض كلاميا قرار وزيره وليس واضحا ان كان قد منع تنفيذه. فهو يدرك ان افتعال الصدام مع الحركة الاسيرة معناه حالة حرب واسعة تتجاوز السجون، كما ويبدو ان قرار بن غفير يتنافى مع اولويات المؤسسة الامنية ويعوّق مخططاتها نحو تصعيد اقليمي وبالذات مساعي استهداف الجبهتين الشمالية والجنوبية انتقاما للمستوطنين من العمليات التي حصلت في انحاء الضفة الغربية، وبالاساس استعادة للردع الذي يتآكل بعد كل عملية وبعد كل عمل عدواني احتلالي. مهما كان وفي حال حل وزير اخر من حزب اخر مستقبلا مكان بن غفير، فهذا لا يعني الغاء فوري لقراراته، بل أن التعامل الاسرائيلي الاحتلالي مع الاسرى هو اعتبار كل حق أساسي يخضع لاعتبارات السجان المطلقة، وأن اي انجاز حققته الحركة الاسيرة في نضالاتها ينبغي العمل لشطبه، وكل فسحة أمل فتحها الاسرى ينبغي إغلاقها. ورغم ذلك لا يزال الاسرى يراكمون الانجازات.
عادة ما تحسم الامور بشأن مطالب الاسرى في اللحظة الاخيرة قبيل بدء الاضراب واحيانا مباشرةً بعد الشروع به، وهكذا سيكون في هذه الجولة، والتهديد الحقيقي بالاضراب وتداعياته على دولة الاحتلال فيما لو انطلق هما ما سيحسم الامر. ويبقى المطلب هو الحرية لاسرى واسيرات الحرية.