السبت: 11/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

التدريب مُقابل التعليم كأسلوب مُنشط للمعرفة في البيئات التعليمية

نشر بتاريخ: 06/09/2023 ( آخر تحديث: 06/09/2023 الساعة: 17:34 )

الكاتب: صخر سالم المحاريق

يقول بنيامين فرانكلن وهو كاتب وناشر ورجل دولة “أخبرني سوف أنسى، علمني سوف أتذكر، أشركني سوف أفهم ”، قد تكون هذه المقولة في صميم ما سأتناولهُ في هذا المقال في حديثي حولَ نقل عملية التعليم والتَعلُم من بوطقة التلقين والتقليد إلى أسلوبِ التفاعلِ وتشاركِ المعلومة، بل ومن ثم إنتاجها في مراحل هذه العملية ومكوناتها، من خلال عملية إحلال مفهوم "التدريب التفاعلي" مكان "التعليم التقليدي".

فرضيات أصبحت عُرفاً في عملية التعليم والتعلم

اعتدنا في مراحل تعلُمِنا المُختلفة من المدرسة إلى الكُلية أو الجامعة على مجموعة من الفرضيات التي أضحت أعرافاً مُتداولة في مُجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، ومنها: أن المعلم مُلهمٌ ولا يُخطئ لا يجبُ مُجادلته أو الإعتراض في حضرته لأنه مصدر المعلومة وقديسها، أما المُتلقي لتلك المعلومة (طالب أو مُتدرب أو مُتعلم) فهو لا يملكُ معرفة أو خبرة، وأما العقل فهو مخزن المعلومة وهو اسفنج امتصاصها يملؤهُ المعلم بما يملك من معرفة ينقلها للمتلقي، وأما المعلومات فتتدفق في مسربٍ واحد من المُعلم إلى المتلقي بلا رجعة عكسية لغرض التقييم وقياس النتائج الفعلية والملموسة لموضوع التعليم.

أهداف العملية التعليمية ومُخرجاتها

إن العملية التعليمية هي بمثابة عملية مُكتملة العناصر تتفاعل معاً لتشكيل جانبين الأول: نظري (معرفي)، والثاني: تطبيقي (مهاري)، تختلف نسبة كل منهما حسب طبيعة المادة أو المساق، فالمعارف تهدف إلى الفهم والاستفسار بماذا لغرض تخزين (المعلومة)، وأما المهارات فتهدف لبناء وتطوير القدرات عبر التساؤل بكيف يُؤدى الفعل أو السلوك.

وأما عناصر أي عملية تعليمية ومُكوناتها فهي: (المعلم كناقل للمعلومة ومحورها، والطالب كمُتلقي لها، والمِنهاج الدراسي كمصدر للمعرفة، والأدوات والوسائل التعليمية كمُعزز لفهم المعرفة، والأسلوب التعليمي المُتبع كمسهل).

وفي حال التدريب يكون المُدرب بدلاً من المُعلم كمُنشط للمعرفة وميسرٍ لها، المُتدرب كمتفاعل معها، والمنهاج التدريبي كحقيبة تفاعلية نظرية وتطبيقية، والأدوات والوسائل وآلية التقييم والقياس، والأسلوب التعليمي النشط والتفاعلي.

ما هي عملية التدريب لغة واصطلاحاً؟

التدريبُ لغة أصله الفعل درَّبَ، ويُدِرِّب، تدريباً، بمعنى دربهُ على الشيء أو فيه أو به، فهو مُدَرِّب أي شخص الفاعل، ومُدَرَّب أو مُتدرب شخص المفعول به؛ بمعنى المُتلقي للعملية التدريبية، أياً كانت ماهيتها، طالما اكتسب الشخص فيها وحازَ معرفة مقرونة بسلوكٍ تطبيقي يُعززه بالممارسة والتكرار.

وقد اتفق العديد على تعريفه اصطلاحاً على أنه إكسابُ الفردِ معارفَ ومهاراتٍ مقصودة، ومخططٍ لها بهدف تنمية وتطوير أدائه، للقيام بما هو مطلوب منه، وتُفسر الأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي عملية التدريب: على أنها ليست فقط تزويد الفرد بالمعارف، أي الجانب النظري المعلوماتي حول الشيء المُراد تطويره لدى الشخص، وإنما يجب أن يُصاحب تلك المعرفة مجموعة من المهارات المُتخصصة، إضافة للكفايات التنافسية والتي تخلق لدى الفرد المُتدرب ميزة تنافسية مقارنة بغيره، وبذلك نستطيع الحُكم على عملية التدريب ومدى جدواها بعد اكتمال عناصرها الجوهرية المترابطة سابقة الذكر.

هل عملية التدريب بديلاً أفضل لعملية التعليم التقليدي؟

إن ما يُفرق المدرب عن المعلم أو المدرس هو الأسلوب التفاعلي والذي يحققهُ الأول أي المدرب بين عناصر العملية التعليمية المذكورة سابقاً، وهذا هو بيت القصيد في التفرقة بين كلاهما، بحيث يتسم المدرب بالتخصصية الدقيقة لاكساب المعارف والمهارات، المدرب محفز، وميسر، ومحاور من الدرجة الاولى، مما يُساعد المُتعلمين على الاستفادة قدر الامكان من الأراء المتبادلة بينهم، كما أن المدرب يُعدل من أسلوبه وأدواته حسب حاجات الفئة المستهدفة والموقف التعليمي الحاصل؛ بمعنى آخر يتسمُ بالمرونة وسُرعة التكيف، ويحضُ باستمرار المُشاركين على التفكير والعصف الذهني، كما أنه يستفيد من المُلاحظات المُقدمة لتعديل، وتطوير، وقياس، وتقييم التجارب المُختلفة للوصول إلى أفضل النتائج التعليمية.

خُلاصة القول: إن العملية التعليمية اليوم أصبحت أكثر مُرونة وارتباطاً بمجالات الحياة الشتى، فالتعليم عماد التنمية والتقدم، والتعليم وجد لغايتين الأولى: تنمية وتطوير الذات وتقويم سلوكها كمنفعة شخصية، والثانية: الحُصول على عمل للعيش الكريم وخدمة المجتمع كمنفعة جماعية، وبكلاهما يتحقق الأثر التنموي المقصود والموجه بشكلٍ فرديٍ أو جماعيٍ.

ولأن لكل عصرٍ مفرزاته من التطور، ونحن اليوم في عصر التقانة والرقمنة في كل شيء، فقد أثر ذلك على مناحي حايتنا المُختلفة، ومنها عملية التعليم والتعلم، فلا بد من مُواكبة تغيرات العصر ونقل تجارب الدول المُتقدمة فيما أنتجت من أساليب تعليمية تُحاكي متطلبات العصر، لكن مع مراعاة خصائص كُل مجتمع واحتياجاته المختلفة على حدة.

نحن اليوم في ظل ثورة المعلومات والمعارف، والمهارات التخصصية المكتسبة لأدائها وتطبيقها على أرض الواقع؛ فالمنافسة اليوم في مُخرجات التعليم ترتَّبَ عليها التركيز على المهارات كتوجه عالمي للتكوين المهني السليم لمواجهة تغيرات سوق العمل والتطور التكنولوجي المتسارع في كل القطاعات مما خلق تحديات جديدة أما الخريجين من جهة وحاجات سوق العمل وقرارات أرباب العمل من جهة أخرى.