الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
إسرائيل فقدت القدرة تماما على الحسم. والادعاء ان عدوانا عسكريا على أي طرف او حتى حرب يمكن ان تحسم الحرب مجرد وهم، لا حرب ولا معركة ولا عدوان ولا عملية يمكن ان تحسم هذا الواقع المعقد. لو شنت اسرائيل عملية على الضفة الغربية واعطتها أسماء سينمائية مثل "الحديقة والمنزل" و"كاسر الامواج" فان هذا لا يزيد الانتفاضة المسلحة الا قوة.
ولو شنت إسرائيل حربا على حزب الله واسمتها يوم "القيامة" فان قيامة إسرائيل هي التي سوف تقوم. ولن يجد أي إسرائيلي طوال اشهر الا صواريخ في منزله او في فناء منزله. ولو خاضت معركة أخرى مع غزة فإنها سوف تندم ندما شديدا والمقاومة في غزة ليس لديها شيئا لتخسره وسوف تجعل تل ابيب اضحوكة المدن في العالم .
المقاومة أيضا لا تستطيع ان تحسم الآن. ولربما بعد عشر سنوات يمكن الحديث عن معادلة جديدة. اما الان فهي مرحلة تراكم القوة وتعاظم القدرات فحسب. وهذا يشمل المقاومة اللبنانية والعراقية والفلسطينية في غزة او في جنين. ولا نزال في مرحلة بناء الدرع ولم نصل الى مرحلة السيف بعد.
السلطة الفلسطينية لا تستطيع ان تحسم شيئا وعليها ان تتعايش أكثر وبصدمة اقل مع مستجدات الواقع الجديد. عليها ان تتعايش مع قوتها ومع ضعفها، وان تتعايش مع قوة المعارضة الداخلية ومع ضعفها .
أمريكا لم تعد تحسم. وروسيا لا تستطيع الحسم وصارت موسكو تضرب بالمسيرات كل يوم. الناتو لا يحسم ويراكم قوة بمئات مليارات الدولارات دون ان يحسم معركة صغيرة في زاباروجيا.
حتى على صعيد داخلي لم يعد يفاجئنا أي شيء. سواء غيروا الحكومة او استبدلوها. سواء غيروا القيادة او عدلوها. سواء غيروا المعارضة او ابقوا عليها ، فلا احد يكترث ولا احد يريد ان يكترث.
الانتظار طويل. والأيام لا تحمل أي جديد. المناخ المتقلب والزلازل الكارثية، الامطار في غير موعدها والرواتب التي لا تأتي في موعدها. كل هذا اصبح موعدنا.
اسخف ما في هذا المشهد هو ادعاء إسرائيل (ربما فعلا انهم لا يزالون مقتنعين) انها قادرة على الحسم. فتسمع تصريحات وزراء إسرائيل وتصريحات نتانياهو وتسأل نفسك: هل هو يسخر من ناخبيه ام يمني نفسه بالأمل المفقود!! وفي نظرة لوغاريتمية واحدة ترى ان إسرائيل هي الوحيدة التي تخسر كل يوم جديد شيئا جديدا. ومع ذلك يتحدثون الى الكاميرات وكأنهم مخدرون او تعاطوا السموم !! يتحدثون عن الحسم وعن المعركة وعن العدوان وكأن احدا منعهم من ذلك لو كانوا يقدرون .
الجميع ينتظر ليس عن طيب خاطر ولا بسبب حسن الاخلاق، وانما لعجز في حسم الامر الواقع. فقد تراكمت الفواتير لدرجة لا يريد أي طرف ان يدفعها او يدّعي انه قادر على دفعها .