الكاتب: اسامة خليفة
نحيي يوم السبت القادم 16 أيلول الذكرى الـ«41» لمجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان، التي ارتكبت في 16 -17-18 أيلول/سبتمبر العام 1982، لا لنستذكر مجزرة صبرا وشاتيلا فقط، بل نستذكر كل الجرائم والمجازر التي ارتكبها الكيان المجرم المسمى إسرائيل وعصاباته المسلحة وجيشه أسطورة القتل والفتك والتدمير، من مجزرة دير ياسين والطنطورة والعديد منها والقائمة تطول في عام النكبة، إلى ما بعد النكبة إلى قبيا «14 تشرين الأول أكتوبر -15 أكتوبر من عام 1953، وكفر قاسم «11 أيلول / سبتمبر من عام 1956»، إلى صبرا وشاتيلا، إلى مخيم جنين، وصولاً لأخر عملية اغتيال وإعدام ميداني للشبان الفلسطينيين في الشوارع وعلى الحواجز العسكرية.
ستبقى قضية جرائم الحرب الإسرائيلية والمجازر المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين حية في ضمير الإنسانية، وإن غاب ضمير الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية حامية مجرمي الحرب والكيان من العقوبات، وبريطانيا صانعة الكيان، أخفقت العدالة الدولية، بسبب قانون الأقوى، قانون الغاب، وأحجم العالم الذي يدعي حقوق الانسان عن معاقبة المجرمين مهما تكن الأسباب، ولو كانت تهديدات أمريكية واسرائيلية، وعلى القيادة الفلسطينية أن تكون جادة في متابعة هذه القضية فلا يموت حق وراءه مطالب، الاستمرار بتذكير العالم دائماً بها، وبصوت مرتفع من أجل المحاسبة، في هذه المناسبة الأليمة على شعبنا، نذكّر الحكومة الفلسطينية بما جاء في الاجتماع القيادي الفلسطيني رام الله، 3 تموز/ يوليو 2023عقب اجتياح جنين ومخيمها، في البيان الذي صدر عن الاجتماع ونص في عدد من بنوده على:
الدعوة الفورية لقدوم لجنة التحقيق الدولية في مجلس حقوق الإنسان، للتحقيق وإحالة مخرجاتها بشأن مسؤولية الاحتلال عن المجازر وأعمال الإرهاب للمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن.
رفع قضايا على دولة الاحتلال لما ارتكبته من جرائم تتحمل مسؤوليتها خلال فترة احتلالها.
دعوة العائلات الفلسطينية لرفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي لما قامت به من مجازر وقتل بحق أبنائها المدنيين الأبرياء.
دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتعجيل في البت في القضايا المحالة إليها.
رفع قضايا ضد إسرائيل، لما ارتكبته من مذابح وتدمير قرى وتهجير الشعب الفلسطيني في فترة النكبة.
رفع قضايا ضد أمريكا وبريطانيا بسبب وعد بلفور وطلب الاعتراف والاعتذار والتعويض.
ونذكّر القيادة الفلسطينية بالجدية والاستمرارية في مطالبة الأمم المتحدة بوقف عضوية إسرائيل فيها بسبب عدم التزامها بتنفيذ القرار 181، وعدم الخضوع للضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن إسرائيل، بما يتعلق بتوجه دولة فلسطين إلى الهيئات والمحاكم الدولية، وبخاصة طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
من مظاهر التهاون الدولي والتعامل بمكيالين مع القضايا الفلسطينية، والذي يؤكد أن إسرائيل دولة فوق القانون، ما جرى في المحاكم البلجيكية، ففي اليوم نفسه الذي سيق فيه سلوبودان ميلوسيفيتش رئيس يوغسلافيا السابق إلى المحكمة الجنائية الدولية، رُفعت دعوى من قبل 23 ناجياً من مجزرة صبرا وشاتيلا في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001، ضد شارون وضد الجنرال عاموس يارون، الذي كان مسؤولاً عن عمليات الجيش الإسرائيلي في العاصمة اللبنانية بيروت وقت وقوع المجزرة.
محاميان بلجيكيان ومحامي لبناني، وبالوكالة عن ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا ومنهم فتاة قتل ذويها واغتصبت وهي طفلة، رفعوا دعوى ضد شارون، وكل إسرائيلي ولبناني تقع عليه المسؤولية، أمام المحاكم البلجيكية (18/6/2001)، بموجب القانون البلجيكي لعام (1993) وتعديلاته لعام (1999)، القانون الذي يسمح بمحاكمة الأجانب في جرائم حرب ويتمتع هذا القانون بما يسمى مبدأ «الاختصاص العالمي» أو مبدأ «الصلاحيات الشاملة» ما يعني إمكانية ملاحقة ومحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة، بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة وجنسية الضحية أو المتهم، إلا أن الدعوى ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون تم رفضها، وفي أعقاب ذلك أبطلت الحكومة البلجيكية قانون «الصلاحيات الشاملة» في 12/7/2003، وبدوره أقرّ البرلمان البلجيكي بمجلسيه مشروع القانون الجديد في جلسته بتاريخ (30/7/2003). وبناء على ذلك، أمرت المحكمة البلجيكية العليا في 24 أيلول 2003 بوقف جميع القضايا المرفوعة بشأن المجزرة التي ارتكبت في مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982، بذريعة أنه يحرج حكومة بلجيكا، ويحوّل البلاد إلى محكمة دولية لانتهاكات حقوق الإنسان!!!! يومها أصيبت العدالة الدولية بالخيبة، وأعطت الحرية للمجرمين بالاستمرار في القتل واستباحة الدم الفلسطيني القائم حتى الآن، ولن يكون آخر المجازر ما جرى في الاجتياح الإسرائيلي لمدينة جنين ومخيمها في يوم 3 تموز/يوليو 2023 واستشهاد 12 فلسطيناً وجرح مئات آخرين وإحداث دمار كبير في البنية التحتية للمدينة ومخيمها.
يتحمل أرييل شارون المسؤولية الجنائية المباشرة عن ارتكاب مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا، وكان وقتها وزيراً لوزارة الحرب الإسرائيلية، وقائداً للجيش الذي قام بالاجتياح وحصار بيروت، ويتحمل المسؤولية أيضاً رئيس الوزراء مناحيم بيغن، ووزير الخارجية إسحاق شامير، ورئيس أركان الجيش رفائيل ايتان، وقادة المخابرات.
ساهم شارون في حصار المخيمين وسمح بدخول عصابة المسلحين الانعزاليين الذين ارتكبوا المجزرة بتواطؤ إسرائيلي واضح، ففي 7 شباط/ فبراير 1983، أقرت اللجنة الإسرائيلية القضائية الخاصة للتحقيق في مذبحة صبرا وشاتيلا المسماة «لجنة كاهانا»، أن وزير الدفاع الإسرائيلي أريئيل شارون يتحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها، ولم يسعَ للحيلولة دون حدوثها، واستنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية أن المسؤول المباشر عن مجزرة صبرا وشاتيلا هو اللبناني إيلي حبيقة «مسؤول ميليشيات حزب الكتائب آنذاك»، لم يكن لتقرير «لجنة كاهانا» أي قيمة، ولم يتبعه أي إجراء بحق الجاني، غير مطالبة شارون بالاستقالة من منصبه، فاستقال من منصبه كوزير للدفاع، بعد أن رفض قرار اللجنة، وبعد فترة وجيزة من استقالته عُين شارون وزيرًا بلا حقيبة، ثم أصبح رئيساً للوزراء، تم تنصيبه كعادة هذا المجتمع الإسرائيلي العنصري الذي يكافئ القتلة الذين يوغلون بدماء الشعب الفلسطيني، وما كان تقرير «لجنة كاهانا» إلا لامتصاص الانتقادات الدولية التي أصلاً لم ترتقِ إلى مستوى الإجرام وانتهاك حقوق الانسان ولم يجرِ أي تحقيق دولي بهذه المجزرة، ولم يتخذ المجتمع الدولي إجراءً قانونياً بحق مرتكبيها من اللبنانيين الانعزاليين والاسرائيليين، واكتفت بما توصلت له «لجنة كاهانا»، رغم أن منظمة «هيومن رايتس ووتش» صنفت ما حدث في صبرا وشاتيلا ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مما يثبت خطأ الاعتماد على لجنة إسرائيلية وعدالة إسرائيلية مفترضة في التحقيق في جرائم الحرب التي يرتكبها جيشهم الأسطوري في ظل الوحشية الاسرائيلية، والإفلاس الأخلاقي لعدالتهم المزعومة، والمثبتة في مجريات ونتائج محاكمة مجرمي مجزرة كفر قاسم الصورية والشكلية، حيث وجدت المحكمة الإسرائيلية أن الأمر بقتل المدنيين كان «غير قانوني بشكل صارخ»، فحكمت على مطلقي النار بالسجن، لكن جميعهم حصلوا على عفو وأُطلق سراحهم بعد أيام، وحُكم على قائدهم الذي أعطى الأوامر بالقتل بدفع غرامة رمزية مقدارها قرش إسرائيلي واحد، وهذه المحاكمة ما نُظمت إلا لحماية النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية من تحمل المسؤولية عن المجزرة ، وعلى رأسهم رئيس الوزراء دافيد بن غوريون.
بتهاون العدالة الدولية وامتناعها عن محاسبة المجرم، شجعت شارون وجيشه وحكومته الفاشية الإقدام على جرائمهم التالية، والتي تلت مجزرة صبرا وشاتيلا، وإذ قدمت «لجنة كاهان» الحقيقة مجتزأة، فقد كان ذلك للتغطية على الأسوأ في أحداث هذه المجزرة، لقد أحكم الجيش الاسرائيلي إغلاق كل مداخل الهرب من المخيم، ولم يُسمح للصحفيين ولا لوكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة، وأضاءت مدفعية جيش العدوان الاسرائيلي سماء المنطقة بالقنابل المضيئة، واعتلى أرييل شارون سطح مبنى السفارة الكويتية والمطل على المخيم، للإشراف بنفسه على مراقبة مجريات المجزرة، ودخلت تحت إشرافه ثلاث فرق من قوات الكتائب اللبنانية وجيش لبنان الجنوبي العميل لإسرائيل إلى المخيمين بحجة وجود 1500 مسلح فلسطيني داخلهما، وقامت المجموعات المسلحة هذه بقتل المدنيين العزل من السلاح، رجال وشيوخ ونساء وأطفال ذُبحوا وقُتلوا، والذين قدر عددهم بين 3000-3500 فلسطيني ولبناني، وفقد أكثر من مئتين.
لم تكن هذه المجزرة البشعة إلا واحدة في سلسلة مجازر بحق الفلسطينيين العزل ارتكبتها إسرائيل وعصاباتها من الهاجاناه والشتيرن والأرغون والبالماخ...ومن ثم جيشها وحرس الحدود ومستوطنيها ومستعربيها...، ضمن نهج إجرامي هادف لإبادة الشعب الفلسطيني بكل الوسائل غير الشرعية وغير الإنسانية لتفريغ فلسطين من شعبها وإحلال يهود مهاجرين من شتى أنحاء العالم مكانهم وعلى أرضهم المسلوبة.
في العام 2002 تأسست المحكمة الجنائية الدولية وفقاً لما يعرف بميثاق روما كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء، تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 تموز /يوليو 2002، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ. وفي هذا يطرح التساؤل أين ذهبت اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية؟. إذ اعتبرت جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية هي من أخطر الجرائم في القانون الدولي، واقتناعاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن المعاقبة الفعالة لجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، عنصر هام في تفادي وقوع تلك الجرائم في المستقبل، وحماية حقوق الإنسان، والحريات الأساسية، تشجع الثقة، وتوطد التعاون بين الشعوب، وتعزز السلم والأمن الدوليين.
إن مرور خمس وسبعين سنة على مجزرة دير ياسين، وواحد وأربعين عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا، لن ينسي الشعب الفلسطيني هول الجرائم المرتكبة بحقهم، وسيستمر في المطالبة بمحاكمة كل من ارتكب الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
بلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة الجنائية الدولية 121 دولة حتى 1 يوليو 2012، لم تصادق عليها الدولتان المجرمتان أمريكا وإسرائيل خوفاً من ملاحقة سياسيها ومواطنيها، وهددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية إذا أصرت على الاستمرار في جهودها لمحاكمة مواطنين أمريكيين، وكانت المحكمة تدرس مقاضاة عدد من عناصر الجيش الأمريكي بسبب اتهامات بانتهاكات لحقوق معتقلين في أفغانستان.
في 22 يوليو/ تموز 2002 وقعت مجزرة حي الدرج ، بمدينة غزة، أي أنها وقعت ضمن الفترة التي حددتها المحكمة الجنائية الدولية للنظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 تموز/يوليو 2002، وهذا يلفت النظر للتوجه إلى هذه المحكمة، فقد اعتبرت مجزرة حي الدرج "جريمة ضد الإنسانية"، استشهدت عائلات بكامل أفرادها، عندما أسقطت طائرة حربية إسرائيلية من طراز إف 16 قنبلة بوزن طن على حي مكتظ بالسكان، أسفرت هذه المجزرة عن استشهاد القيادي بحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، صلاح شحادة، بالإضافة إلى استشهاد 17 آخرين معظمهم من الأطفال والنساء، ووقوع المئات من الجرحى.
بتاريخ 24 حزيران /يونيو 2008 تقدم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بدعوى إلى المحكمة الأسبانية ضد مسؤولين إسرائيليين متهمين باقتراف جريمة حرب في قطاع غزة في حي الدرج، ومن بين المتهمين بالقضية، وزير الحرب السابق بنيامين بن إليعازر، والجنرال دان حالوتس، قائد القوات الجوية آنذاك، بالإضافة إلى الجنرال دورون ألموغ قائد المنطقة الجنوبية، وجيورا إيلاند رئيس مجلس الأمن القومي، ومايكل هرتزوغ المسؤول الرفيع بوزارة الدفاع، وموشيه يعالون رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وأبراهام ديشتر مدير الادارة العامة للأمن.
تزامنت دعوى المحكمة الإسبانية مع دعوى أخرى، من قبل منظمات حقوقية دولية، لإجراء تحقيق مستقل بشأن انتهاك إسرائيل للقوانين الدولية، خلال العملية العسكرية على قطاع غزة المسماة "الرصاص المصبوب"، ( كانون الأول/ديسمبر 2008 – كانون الثاني/ يناير 2009). والتي راح ضحيتها أكثر من 1300 شهيد، نصفهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من خمسة آلاف جريح، والمتهمين هم رئيس الوزراء السابق ايهود أولمرت، ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ووزير الدفاع ايهود باراك، ونائب وزير الدفاع والجنرال السابق في القوات المسلحة الاسرائيلية ماتان فلينائي، بالإضافة الى مسؤولين آخرين في الجيش وأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية.
أمر رئيس المحكمة الإسبانية، القاضي فرناندو أندرياو، بتقديم رسالة إلى السلطات الإسرائيلية لإبلاغ هؤلاء الأشخاص رسمياً بطلب التحقيق معهم على خلفية تلك القضية، فرفضوا الإبلاغ والمثول أمام المحكمة، وبتدخل سياسي غير قانوني قاهر قامع للعدالة، أعلنت المحكمة إغلاق الملف ورفضها اعتراضاً قدمته منظمات حقوقية لاستئناف القضية ومواصلة التحقيق بعد أن أوقفتها المحكمة الدستورية في حزيران / يونيو 2009 بحجة عدم امتلاكها الولاية القانونية، واعتبر قرار المحكمة العليا الإسبانية هذا يشجع دولة الاحتلال على إراقة الدم الفلسطيني، وارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني.
وفي قضية مشابهة للمحكمة البلجيكية والتي تدل على مدى ما لحق بالشعب الفلسطيني من ظلم وتخلي العالم عن حمايته من آلة القتل الإسرائيلية، في أيلول/سبتمبر 2019 رفضت المحكمة العليا الهولندية في لاهاي طلباً قدمه مواطن فلسطيني -يحمل الجنسية الهولندية- لمحاكمة بيني غانتس، الذي كان آنذاك رئيس أركان القوات الإسرائيلية، إضافة إلى الجنرال عمير اشيل قائد سلاح الجو الإسرائيلي وقتها، لارتكابهما جرائم حرب، وحمِّلهما مسؤولية قتل ستة من أفراد عائلته بينهم والدته وثلاثة من أشقائه في غارة على مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة في العشرين من تموز/يوليو 2014.
وبررت محكمة الاستئناف -أعلى سلطة قضائية- أن القضاء في البلاد غير مختص للبت في القضية، وأن الالتماس يتعلق بإجراءات قام بها "موظفون عسكريون كبار نفذوا السياسة الرسمية لدولة إسرائيل" ويتمتعون بحصانة وظيفية.
وكما قيل: إنه لا يمكن إحقاق العدالة في اسرائيل في هذا الملف، ويبدو أن العدالة لا يمكن أن تتحقق أيضاً في الدول التي تدعي حرصها على حقوق الإنسان وتحقيق العدالة ونشر الحرية والديمقراطية، فقد تم اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (نيسان 2004) ضد قرار الحكومة البلجيكية، باعتبار أن ما حصل من إلغاء لقانون «الصلاحيات الشاملة» يعدّ تدخلاً سياسياً من قبل الحكومة في مجرى العدالة البلجيكية، وانتهاكاً صريحاً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وللقواعد 45 ، 47 من قواعد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ورفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان هذا الاستئناف واعتبرته «غير ذي صلة». وبذلك جمّدت الدعوى. توقف سير العدالة البلجيكية نتيجة للضغط السياسي الإسرائيلي والأميركي على بلجيكا الذي وصل إلى حدّ التهديد بنقل مقر حلف «الناتو» من بروكسل، إن لم يبطل قانون الصلاحيات الشاملة، أضف إلى ذلك التواطؤ الأوروبي مع الحكومة البلجيكية، ولولا التدخل السياسي، كان يمكن لها أن تصل إلى نتائج ملموسة على صعيد محاكمة هؤلاء المجرمين وعدم إفلاتهم من العقاب، وأغلقت قضية مجزرة صبرا وشاتيلا بعد تعديل القانون البلجيكي عام 2003، بسبب تعديل نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية مع أن لا علاقة سببية بين المحكمتين إلا الضغوط الأميركية-الإسرائيلية على الحكومة البلجيكية التي أدت إلى إبطال قانون الصلاحيات الشاملة.
في 23 أبريل/نيسان 2009 أعلن مكتب الادعاء العام النرويجي عزمه النظر في دعوى ضد 11 مسؤولاً إسرائيلياً بتهمة جرائم حرب على خلفية العدوان الإسرائيلي في 27 ديسمبر 2008 - 18 يناير 2009 على قطاع غزة.
رفع الدعوى ستة محامين نرويجيين ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ووزير الدفاع الحالي إيهود باراك، بالإضافة إلى سبعة قادة عسكريين من بينهم رئيس هيئة الأركان غابي أشكنازي. وتطالب الدعوى بإلقاء القبض على المتهمين حال دخولهم النرويج أو إحضارهم إلى هذا البلد في حال دخولهم أي دولة مرتبطة باتفاقيات تبادل المجرمين مع أوسلو.
في المجازر التي ارتكبت خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في 27 ديسمبر 2008 - 18 يناير 2009 وأدت إلى استشهاد 1285 فلسطينيًا، من بينهم 900 مدني، شكّل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لجنة للتحقيق في دعاوى ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في هذا العدوان، ورفضت إسرائيل التعاون مع اللجنة التي ترأسها القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد غولدستون، أشار تقرير غولدستون أن الجيش الإسرائيلي قد ارتكب ما يمكن اعتباره جرائم حرب، وفي بعض الأحيان قد يرقى بعض من هذه الجرائم إلى جرائم ضد الإنسانية. بتاريخ 16 أكتوبر 2009 اعتمد تقرير بعثة تقصي الحقائق، وصادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 6 نوفمبر من العام نفسه، على التقرير بأغلبية 114 صوتاً ورفض 18، بينما امتنعت 44 دولة عن التصويت، أثار تشكيل البعثة والتقرير الذي أنتجته ردود فعل متباينة، مؤيدة أو رافضة أو ناقدة من قبل حكومات الدول ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية حول العالم.
إلا أن ما أثار الجدل والاستغراب حقيقة موافقة السلطة الفلسطينية في 13يونيو/حزيران 2009على تأجيل مؤتمر جنيف حول تبني تقرير غولدستون في مجلس حقوق الإنسان، ومناقشة الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية المحتلة، بذريعة منح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك المنتخب حديثاً آنذاك فرصة للتقدم في عملية السلام، مما فوّت فرصة تحويل التقرير إلى مجلس الأمن الدولي، وكان ما لا يقل عن 33 من 45 عضواً في المجلس على استعداد للتصويت لصالح ذلك، لقد أيد التقرير ونتائجه عدد من المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، أثار هذا التأجيل تنديدًا داخل فلسطين وعلى الصعيد العربي، كما انتقدته منظمات حقوقية دولية.