السبت: 16/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إنهاء الانقسام ضرورة وطنية

نشر بتاريخ: 18/09/2023 ( آخر تحديث: 18/09/2023 الساعة: 10:34 )

الكاتب: برهان السعدي

ترددت في الآونة الأخيرة شعارات جميلة ومهمة وضرورية، وتعكس الحرص على وحدة الوطن، وأهداف شعبنا الفلسطيني، ومن هذه الشعارات: نفذوا ما اتفقتم عليه، والجهة التي بادرت بها مجموعة من قامات وطنية، لها مشاربها الفكرية والتنظيمية، موزعة جغرافيا بين الوطن المحتل والشتات، تحت مسمى جميل، الحملة الشعبية لإنهاء الانقسام، وبتبني هذه المجموعة أفكارا وطنية ورفعها للعلم الفلسطيني بدلا من رايات ويافطات حزبية تزداد قوة في التأثير لإنجاح مسيرتها وحملتها في إنهاء الانقسام. أما إذا تدثر أعضاؤها أو بعضهم برواية حزبية تساوقا مع أحكام مسبقة، فإن هذه الحملة ستتعثر مع أول مطب.

والفاعل من هذه المجموعة القيادية انحصر تحديدا بين شطري الوطن ذات العلاقة، رغم وجود قامات وطنية أيضا في الشتات، وهذه شخصيات لها تاريخها وسمعتها الإيجابية، ومنها له مكانته كرجال دين لم ينحصر تأثيرهم داخل الكنسية فحسب، إنما شخصيات وطنية لها اعتبارها واحترامها في المجتمع الفلسطيني، كغيرها من القامات المشاركة في الحملة الشعبية التي لها تاريخها النضالي المقاوم في شتى المجالات، فمنهم الكاتب والإعلامي والأكاديمي ومن له دوره القيادي أو من خدموا في أجهزة أمنية وتقاعدوا برتب عالية، وبقي انتماؤهم للوطن بوصلة التوجه.

شقت قيادة الحملة لإنهاء الانقسام طريقها في التأثير من أجل تحقيق أهدافها بعقد اتصالات ولقاءات مع قيادات فصائل العمل الوطني والفصائل ذات الصبغة الإسلامية، وقبيل اجتماع العلمين في مصر الشقيقة، تم تسليم رسائل لجميع الأمناء العامين للفصائل، مطالبة إياهم بعدم العودة من مصر العروبة والتاريخ دون تنفيذ ما اتفقوا عليه خلال جلسات الحوار التي استغرقت سنوات عديدة ضمن جولات مكوكية في عواصم ومدن عربية وغير عربية. كما التقت بالمشاركين في لقاء العلمين لمعرفة الأسباب الكامنة وراء عدم تحقيق المصالحة، أو على الأقل الاتفاق على حكومة وحدة وطنية تقوم بمهام جسر الهوة في القضايا الخلافية العالقة، والتمهيد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في شطري الوطن ومدينة القدس المحتلة. كما تم تسليم رسائل من قيادة الحملة الشعبية وفي نفس السياق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمين عام الجامعة

وكان السؤال للجميع، هل مخرجات لقاء العلمين كان الفشل؟ وهل خروج اللقاء فقط بتوصية الرئيس الفلسطيني أبو مازن كان مجاملة لمصر ورفع العتب؟ لكن الإجابة كانت من فصائل فلسطينية مشاركة، أن هذا القرار بتشكيل لجنة فصائلية لتحديد النقاط الخلافية والعمل على حلها، والوصول فعلا إلى إنهاء الانقسام. كما أن السفير المصر في فلسطين وفي لقاء معه ضمن أنشطة قيادة الحملة الشعبية لإنهاء الانقسام أكد نفس الرواية.

وموقف قيادة الحملة الشعبية لإنهاء الانقسام كان واضحا لجميع الفصائل المشاركة في الحوارات، أن مهمة الحملة الشعبية هو الدفع بضواغط شعبية وإعلامية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين طرفي الانقسام، وفي حالة تعذر ذلك، فإن دور الحملة الشعبية هو توضيح الموقف لجماهير شعبنا الفلسطيني عن الطرف الرافض فعليا لتحقيق المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، والذي يقف حجر عثرة أمام إنهاء الانقسام.

والمتابع للساحة الفلسطينية، يجد أن الانقسام يزداد عمقه أفقيا وعموديا في الشارع الفلسطيني، وكلما اقتربت بشائر الوصول إلى الخروج من الواقع المعتم الذي تشهده قضيتنا الفلسطينية، تكون المفاجأة بحصول أحداث مؤلمة تصرف النظر عن القضية الفلسطينية بأهدافها الرئيسية بمحاصرة الاحتلال وملاحقته على جرائمه، في طريق العمل الجاد لكنس الاحتلال، كما تصرف النظر والاهتمام بما يجري لإنهاء الانقسام، والأدلة كثيرة على الساحة، يمكن متابعتها من خلال الإعلام.

والسؤال، من المستفيد من إفشال الآليات لإنهاء الانقسام؟؟! المرجح بحكم اليقين هو الاحتلال، ومن سار في خطاه. وسؤال يبرز قسرا، هل الخلافات هي بين برنامجين سياسيين؟؟ أم هل الاختلاف على المقاومة؟؟ لكن الواقع يؤكد أن لا خلاف بين برنامجين سياسيين، فالخلاف بين السلطة الفلسطينية أو حركة فتح وحماس، أو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، ليس اختلافا على تحرير فلسطين من نهرها لبحرها، فقيادات حماس في الوطن والشتات أكدت في مواقفها أنها تنادي بدولة فلسطينية على حدود العام 1967م، كما أنه لا خلاف على وجود مقاومة للاحتلال، حيث ليس من برنامج حماس إطلاق الصواريخ لتحرير القدس، تماما، كما لم تكن أهداف حرب تشرين أول " حرب رمضان" عام 1973 تخرج عن تحريك الوضع السياسي وتهيئة الأجواء لتحركات وزير الخارجية الأمريكي في حينه هنري كيسنجر المكوكية، لتكون أساسا في إرساء مدارات تفاوضية والتي هيأت لزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات وشكلت حاضنة لاتفاقيات كامب ديفد وغيرها من اتفاقيات مع إسرائيل الغاصبة للوطن. بمعنى أن الخلافات الفلسطينية ليست جوهرية، وليست هي مشكلة الصواريخ في غزة وكيفية حلها، وليست المشكلة في رواتب الآلاف من الموظفين في غزة سواء في الأمن بكل ما يعنيه من تفاصيل أو موظفين غير ذلك. ما دام الأمر كذلك، ما العائق في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، هل العائق تصريحات بعض قيادة فتح أو أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن الباحث أو المهتم يجد بوضوح أن الرئيس الفلسطيني ومن خلال تتبع تصريحاته وتوجيهاته معني بإنهاء الانقسام، وأن الأصوات النشاز التي يمكن أن تسمع انفعالا أو تحقيقا لمصالح ومآرب ليس لها رصيد في مساحة القرار الفلسطيني مادام الرئيس أبو مازن هو المرجعية العليا ولا يمكن تجاوزه. والسؤال من جهة أخرى هل قيادة حماس هي السبب أو العائق، لكن ربما ليس واضحا لعامة شعبنا أن الحديث عن قيادة حماس، هو تماما ككتابة رسالة على وجه الماء، وذلك، لأن قيادة حماس ليست جسما واحدا، وليست متجانسة، فقيادة حماس في غزة غير متجانسة مع قيادتها خارج الوطن، وتحالفات حماس بقيادة السنوار وعلاقاتها، تختلف عن علاقات وتحالفات قيادة حماس في الخارج، هذا عدا عن مراكز القوى والمستويات القيادية غير المنسجمة الموزعة بين شخوص حركة حماس، فبالتالي يفقدهم ذلك المرجعية الواحدة والواضحة، فيكون اتخاذ قرار من قبل تلك القيادة غير المنسجمة والمتعددة الولاءات والمنتفعة من علاقاتها ضريا من المستحيل، أما الشكل الجماعي والقرار الجماعي والمكتب السياسي فهي للاستهلاك المحلي في أطرهم التنظيمية، والانتظار لخطوة كهذه كمن يبحث عن ماء في الصحراء فيجده سرابا. هذا يدلل أيضا، أن تداخلات الإقليم له دور في تعقيد الأمور ذات العلاقة بإنهاء الانقسام.

لكن ورغم ذلك، لا بد من التأكيد أن تكريس الانقسام، والذي بدأ بانقلاب على الشرعية الفلسطينية، سواء قبل البعض هذا المفهوم أو رفضه، فهو مقتل للقضية الوطنية، ومحاولة اغتيال للمشروع الوطني الذي لن تستطيع قوة معادية على وجه المعمورة إسقاطه مهما كانت قوتهم ومشاريعهم وأموالهم ومهما تعددت أحصنتهم الطروادية المضمون، وفلسطينية الشكل.

والسؤال أخيرا هل شعبنا بانتظار بيان من قيادة الحملة الشعبية لإنهاء الانقسام ليوضح عددا من الحقائق؟؟! وللأمانة فقط، إن الحقيقة عارية تماما أمام كل متابع ومهتم وباحث، فلا داعي لدفن الرأس بالرمل، ولا داعي للبحث عن ورقة يقطين لتغطية سواءات من ينتهك حرمات شعبنا الفلسطيني.