الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

مسارات مهنية: المهارات الفنية المُتخصصة ومُستوى الإجادة

نشر بتاريخ: 20/09/2023 ( آخر تحديث: 20/09/2023 الساعة: 14:14 )

الكاتب: أ.صخر سالم المحاريق

إن إتقانَ أي مهنة يتطلب جانبان رئيسيان هُما: جانب نظري يتمثلُ في مجموعة من المعارف المُتخصصة حول الشيء، وآخر عملي يمثلُ في مجموعة من المهارات التطبيقية المُكملة للجانب الأول، وعندما يتعلق الأمر بمزاولة مهنة أو حرفة معينة والوصول بها إلى مُستوى الإجادة، هذا يعني بأن الشخص مُتمكن من مهنته بحيث يزاولها بسرعة، ودقة مُتناهية، وإتقان للشيء الذي تعلمه في جانب المعارف، وإكتسبه في جانب المهارات.

ما هي العلاقة بين المعرفة والمهارة؟

إن المعرفةَ عزيزي القارئ هي بمثابة الخطوة الأولى والتي تسبقُ تعلم أي مهارة أو مجموعة مهارات، فهي تُمثلُ مجموعة المعلومات المخزنة في الدماغ حول غرض أو موضوع مُعين، بحيث يتم استدعائها للتذكر حينما تبرز الحاجة لها، فعلى سبيل المثال لكي تتعلم مهنة الميكانيك مثلاً، أنت بحاجة لتعلم جُملة من المعارف والمعلومات حول علم المكيانيك (كالمحرك وأجزائه، أنظمة الاحتراق الداخلي، والحقن) وغيرها، للتكامل مع جانب المهارات الذي يُمثل الجانب التطبيقي والعملي للمعرفة، ولو عُدنا للمثال السابق، ستشمل المهارة فيه جوانب (الصيانة، الفك، التركيب، التجميع) وغيرها في مهنة الميكانيك.

مُستويات المهارة ودرجة الاتقان.

للمهارات أربعة مُستويات في سُلَّم تراتبي تدمجُ بين الجانب النظري (المعرفة) والعملي (المهارة) وهي؛ المُستوى الأول: مرحلة اللاوعي واللامهارة بحيث لا تعرفُ شيء عن المهارة، ولا تعي لها، المُستوى الثاني: الوعي واللامهارة بحيث تعرف عن المهارة معلومات كافية، ولكن لم تقم بتجربتها أو مُمارستها، أما المُستوى الثالث: فيكون لديك وعي عالي بالمهارة، وتمارسها بتركيز، وأما المُستوى الرابع والأخير: ففيه تخزن المهارة في اللاوعي بتلقائية، ولا تحتاج إلى تركيز عالى وهنا تماماً يصل الفرد إلى مستوى الإجادة والإتقان في ممارسة مهنته.

ما هي المهارات الفنية؟

تُعرفُ المهارات الفنية على أنها تلك المهارات الملموسة، والقابلة للقياس والتقييم المرتبطة بمجال العمل أو الوظيفة، فهي بذلك تكون بمثابة مهارات متخصصة في جانب معين في حقول الإختصاصات المتنوعة، ويوجد لكل مهنة أو عمل مهارات فنية ترتبط بها، تتميز بعدة خصائص أهمها أنها (متخصصة، لها أدوات وتقنيات، نظامية، يمكن توقعها وقياسها).

أهمية التخصصية الضيقة في الوصول إلى درجة الإجادة والخبير في المهنة.

قد يكون المثل الشعبي الدارج "سبع صنايع والبخت ضايع" نقطة جوهرية للانطلاق من خلالهُ للتعريف بأهمية التخصص والذي يُفضي إلى تخصصية فنية ضيقة؛ لأن العمق في فهم الجانب المعرفي والمهاري لمهنية بعينها أو لحقل اختصاص معين، من المنطق أن ينتجَ عنه صقل دقيق وإحترافي لمهارات الشخص المُختص في هذا المجال (صاحب المهنة أو الحرفة)، وبالتالي سيخلق هذا لديه ميزة تنافسية إلى جانب غيره من المُختصين والمهنيين في نفس المجال، فالتخصصية العميقة والضيقة ما يصنع حقيقة الشخص الخبير والمتمكن مع الزمن في تراكمية تلقائية لجملة المعارف والمهارات المهنية المُتخصصة.

أهمية إتقان المهارات للخريجين والباحثين عن عمل.

وأما بخصوص عمليات تعليم وتعلُم تلك المهارات سواءاً كانت في اطار ذاتي أو مُنظم من خلال المدارس المهنية، والكُليات، والجامعات، فيجب أن تكون قابلة للتقييم والقياس الفعلي، كما يجب التَدَرُب على ممارستها من خلال فلسفة التعلم بالممارسة والتطبيق (learning by doing)، عبر الإنخراط المُباشر في بيئة العمل من خلال التدريب الميداني فيها، أو من خلال مُحاكاتها على أقل تقدير، كما هو الحال مثلاً في تعلم مهنة الطيران.

فقد تستغرب عزيزي القارئ الكريم أنا مُستوى الإجادة في المهارات لدى الكثير من خريجي الجامعات والمؤسسات التعليمية (ضعيف إلى مُتوسط) وذلك بشهادة أرباب العمل، والقليل منهم من يجوز، والسبب في ذلك عدم التكامل في فهم العلاقة بين المعرفة والمهارة وبين النظرية والتطبيق الفعلي لها، فتجد خريج/ة سكريتارية أو حاسوب لا يُجيد استخدام حُزمة مايكروسوفت المكتبيةMicrosoft office - ، أو خريج إدارة أعمال لا يُجيد بناء خطة عمل أو إجراء تحليل SWOT -، أو خريج ميكانيك في عمليات الصيانة وتشخيص الأعطال، وقس على ذلك.

خُلاصة القول: إن المهارات الفنية المتخصصة هامة جداً في إتقان أي عمل أو مهنة، فهي مهارات أساسية لاجادة وظيفة ما، وهي مهارات تنافسية اليوم، في ظل التطور المُتسارع في جميع مناحي الحياة وخاصة بعد تسلل التكنولوجيا إلى مُختلفِ القطاعات، والتي أضافت لتلك المهارات الفنية أُسلوباً وأدوات جديدة بطرائقٍ جديدة أيضاً، فنحن بحاجة إلى مواكبتها باستمرار من خلال التدريب المُنظم في بيئة العمل كجزء من تنمية وتطوير الموارد البشرية في المؤسسات كافة، أو من خلال "التعلم الذاتي"، وأختم بقول الكاتبة والمؤلفة أماني زكريا الرمادي: "يمكننا تشبيه الشخص الذي يُمارس مهنته بدون أن يتدرب عليها، كمن يريد أن يدخل غرفة قد أُوصِد بابها، فنراه يتحايل على الدخول إليها بشتى الطرق، حتى ولو أدى به الأمر إلى كسر الباب، أما الشخص الذي تدرب على أداء مهنته، فيمكن تشبيهـه بمن يملك المفتـاح ذو المواصـفات الخاصة، أو التعاريج المعينة التي تفتح هذا الباب بدون عناء"، فالتنافسية اليوم في بيئة العمل تتم من خلال المهارات وعبرها.