الكاتب: زاهر ابو حمدة
لم تعلن حركة "فتح" حتى الآن التعبئة العامة في صفوفها أو تفصح عن أنها تنفذ عملية عسكرية في مخيم عين الحلوة، وتُصر على أنها ترد على مصادر اطلاق النار وأنها في حالة دفاع فقط ومع ذلك نفذت بعض الهجمات. وهنا يُطرح السؤال الأهم: هل تستطيع "فتح" عبر قوات الأمن الوطني حسم المعركة عسكرياً؟
باختصار، نعم تستطيع ولكن ينقصها السلاح الأهم: الوقت. وذلك لأن الخريطة الميدانية معقدة لا سيما مع تداخل الأحياء والكثافة العمرانية والسكانية. ووفقاً لخطة "فتح"، اعتمدت قيادة الأمن الوطني الفلسطيني أسلوب تضييق الخناق والحصار المشدد في جولة القتال الثانية، مع التقدم البطيء في حي حطين. إلا أنها تعرضت لهجوم على المحاور كافة وفقاً لساعة صفر محددة مسبقاً من جميع "التنظيمات الاسلامية" في مقدمها "عصبة الأنصار". هكذا خسرت "فتح" مقرها في حي الرأس الأحمر بعد هجوم مُركز من حي الصفصاف، وتراجعت قليلاً في حي حطين، إلا أنها تمكنت في محور البركسات - الطوارئ من أن تبقي الواقع أشبه بـ"ستاتيكو". وحاولت قيادة غرفة العمليات التابعة للأمن الوطني، استثناء بعض الأحياء من القصف مثل الصفصاف معقل العصبة، لكنها ردت على التدخل الأخير بقصف مسجد الشهداء ومحيط الحي. وفي المحصلة، نجحت خطة "فتح" إلى حد ما، فقد استطلعت بالنار تمركز تجمع "الشباب المسلم" ومن يسانده وحاولت معرفة ما يملكون من أسلحة نارية ومداها، إضافة إلى تحديد بنك أهدافها للأعمال القتالية إن قررت تنفيذ الهجوم الكبير، وهذا يحتاج الى غطاء سياسي فلسطيني - لبناني وضوء أخضر من الجيش اللبناني. وتفيد مصادر فلسطينية أن "فتح" لم تستخدم السلاح المؤثر في المعركة علماً أنها تمتلك بعض الأسلحة الصاروخية النوعية ذات المدى القصير والقدرة التدميرية العالية.
وبالعودة الى شروط حسم الأمن الوطني، فالأمر يحتاج إلى تجفيف مصادر الامداد بالسلاح والطبابة والمواد التموينية لـ"المجموعات الارهابية"، إضافة إلى مدة زمنية تتراوح بين أسبوعين وشهر. ويبدو أن الوضع اللبناني لا يسمح بذلك. فما الحل؟
لا بد من تحقيق "انجاز فتحاوي" في الميدان، ويجب أن يخسر "الشباب المسلم" بعض الأحياء المُسيطر عليها كي يستمر وقف اطلاق النار وتثبيته نهائياً. أما السيناريو الآخر، فهو انجاز تسوية مع "عصبة الأنصار" بعيداً عن "حماس" أو معها من دون "الشباب المسلم"، وهذا ما حصل عام 2017 في معركة حي الطيرة ضد بلال بدر ومجموعته. لكن السيناريو المتقدم على غيره الآن، هو استمرار المعركة ولو توقفت لبعض الوقت مع السماح لـ"فتح" بكشف أوراقها العسكرية ومفاجآتها الميدانية، أو البقاء في حالة الاستنزاف لجميع الأطراف حتى يتدخل الجيش اللبناني مباشرة في المعركة وحسمها خصوصاً في "المناطق اللبنانية" من حي التعمير وخط السكة وجزء من الطوارئ، وهذا ستكون له انعكاسات على الواقع اللبناني لجهة الملف الرئاسي.
ووفقاً للواقع، تشير المعطيات الى أن تسليم المطلوبين شبه مستحيل وأن ما يحصل في المخيم طويل الأمد وليس من بوادر على انتهائه قريباً وأن الحسم بعيد، وسيخلف ذلك دماراً يصعب إعادة إعماره مع تهجير الأهالي وصعوبة عودتهم. وبالتالي، ستكون بعد هدوء الأجواء تداعيات إذا حقق أي من الأطراف انتصاراً كاملاً أو جزئياً بالنسبة الى من يتحكم بورقة المخيمات السياسية، وكذلك على وضع "فتح" الداخلي وفصائل منظمة التحرير. فعدم مشاركة بعض كتائب الحركة أو فصائل المنظمة سيجعل القيادة في رام الله تعيد النظر في التعامل معهم وربما تصدر قرارات بالفصل، حسب مصادر فتحاوية.
وبغض النظر عن الوضع العسكري في المخيم، تبقى الضغوط السياسية اللبنانية هي الأساس. ومن المتوقع أن تتوسع الضغوط لتشمل جهات اقليمية لتحقيق مسار معين على اختلاف الضاغط والمضغوط عليه. فلم تعد الأزمة خاصة بالمخيم والأطراف فيه إنما توسعت لتشمل عواصم ودوائر قرار عليا.