الكاتب:
الكاتب: طارق عبد الكريم محمود
تعود معرفتي بالأديب حسن عبدالله إلى أكثر من عشرين عاماً عندما قرأت له مجموعته القصصية بعنوان ( صحفي في الصحراء ). وفي الأشهر القليلة الماضية نلت منه شرف إهدائه لي كتابين هما ( خمسون تجربة ثقافية وإبداعية فلسطينية من جزئين ) وكتاب ( دمعة ووردة على خد رام الله ) .والكتابان عملا على إغناء المشهد الثقافي الفلسطيني من جوانب وطنية وإعلامية وأدبية وبحثية. وتعريف الاجيال بخمسين قامة فلسطينية لها بصماتها في الوطنية والأدب والتربية.
كل هذه الأمور عرفتها عن حسن عبدالله، ولكن الشيء الذي لم أكن أعرفه هو جرأته وقدرته على الخوض في مجال الفن وذلك من خلال دراسة صدرت له مؤخراً عن دار طباق للنشر والتوزيع قام بها لإظهار العلاقة الثلاثية الجدلية بين الكلمة والصوت والإيقاع التي جمعت الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي والفنان الكبير عبد الحليم حافظ .
وهذا الذي جعلني أتساءل: ما الذي دعا حسن عبد الله أن يتجه هذا الاتجاه، وأن يقتحم قضايا فنية لا عهد له بها سابقاً؟
ولكني في نفس الوقت سمحت لنفسي أن أجيب عن تساؤلي فأقول:
إن حسن عبد الله أديب، وكلمات الأغاني نوع من الأدب. والموسيقى إبداع وحسن عبد الله مبدع وذو إحساس مرهف. أما الأداء وما فيه من طرب وتذوق فإن حسن خير من يتذوق الغناء والطرب، فقد اعترف منذ طفولته أنه كان يعشق الفنان عبدالحليم حافظ ويعتبره مطربه المفضل.
ولا أنسى أيضاً حسن عبد الله إنسان واسع الثقافة، وصاحب قامة إعلامية، والإعلام دائماً يدق أبواب الفن والغناء فتفتح له الأبواب على مصراعيها.
ويكبر الفتى حسن ويتعايش مع القضايا الوطنية ويتأثر بها، وخاصة ما حصل في حرب ١٩٦٧ .
ويتابع الأغاني التي تسير جنباً إلى جنب مع ذلك الواقع العربي، فيجد نفسه أمام ثالوث شكل لوحة فنية جميلة جداً تمثلت في أغنية ( عدى النهار ) من كلمات الشاعر عبدالرحمن الابنودي ومن تلحين بليغ حمدي وغناء عبدالحليم حافظ .
ومناسبتها أن عبدالحليم طلب من عبدالرحمن أن يكتب له كلمات أغنية ترفع من معنويات الناس وتعمل على استنهاض الهمم بعد هزيمة ١٩٦٧ ، فكانت أغنية ( عدى النهار ) .وحسب كثير من الباحثين والمحللين والمتابعين فإن هذه الأغنية ومثيلاتها أثرت في الجيل أكثر مما أثرت الخطابات السياسية .
فتحت هذه الأغنية عيني حسن وأذنيه على أغنيات أخرى لمؤلفين وملحنين آخرين كانت شهرتهم في الستينيات والسبعينيات، فوقف عند عدد كبير من الأغاني الوطنية وحللها وألقى الضوء عليها، إلا أنه اعطى لعبد الحليم نصيباً أكبر من الأهمية والاهتمام.
وقد بلغت الأغاني الوطنية في تلك المرحلة أكثر من ١٢٥٠ أغنية.
بيَّن الكاتب أن المرحلة الناصرية أثرت تأثيراً كبيراً على الأغنية الوطنية وخاصة أغاني عبدالحليم حافظ التي كتبها الابنودي والتي بلغت سبع عشرة أغنية. وعلى سبيل المثال أغنية (عدى النهار) وأغنية المسيح التي تشير إلى معاناة الفلسطيني بسبب الاحتلال.
وأغنية أحلف بسماها وبترابها التي كانت بمثابة نشيد وطني بردده كل المصريين وهم سائرون في الشوارع . وأغنية ابنك بقولك يا بطل هات لي انتصار التي حققت شعبية واسعة .
ولم ينس الكاتب حسن عبدالله الحديث عن الأغنية الوطنية المصرية التي ارتبطت بالقضية الفلسطينية ، فقد عبرت عن تضامن الفنانين والشعراء مع فلسطين وخاصة أغنية أخي جاوز الظالمون المدى لمحمد عبدالوهاب، وأغنية الأرض بتتكلم عربي لسيد مكاوي وغيرها عشرات .
وعرج الكاتب على الأغنية اللبنانية للرحبانة وفيروز ومارسيل خليفة، ثم جاء إلى الأغنية الفلسطينية التي ترد دائماً مثل: أنا يا أخي، وعالرباعية وعهد الله ما نرحل وغيرها.
إلى أن أتى إلى الفرق الفلسطينية كفرقة العاشقين وفرقة صابرين والحنونة .
وبيَّن كيف لهذه الفرق من أدوار في شحذ الهمم والعزائم وبث روح الأمل لمختلف الأجيال.
وكلمة أخيرة إن الذي يستوعب ما جاء في هذا الكتاب هم الأجيال التي عايشت حرب ال٦٧ وما بعدها. أما الأجيال الجديدة فإن ثقافتها بعيدة عمَّا جاء في هذا الكتاب .
وعلى أي حال فإن الكتاب جامع لأمور فنية وأدبية وثقافية وتاريخية ، وفيه جهد لا يستهان به ، فكل الشكر والتقدير والمباركات للباحث حسن عبدالله على هذا الإصدار الذي يضاف إلى إصداراته السابقة مع تمنياتي له بمزيد من العطاء.