الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
استمعت الى قسط كبير من خطابات الزعماء امام الهيئة العامة للأمم المتحدة فكان خذلانا كبيرا ، وكان فشلا كبيرا ، وكان احباطا ما بعده احباط . فإما ان الزعماء منفصلون عن الواقع وغير ذي صلة ، وامّا انهم يكذبون على بعضهم البعض ويعرفون انهم يكذبون .
محتوى الخطابات بالغالب منحط ويدعو الى الكراهية وقهر الشعوب ، وشكل الخطابات رخيص ولا يستحق الاستماع .
حين يقول الرئيس الأمريكي انه ومن معه سوف يواصلون تسليح زيلانسكي ودعم الحرب في أوكرانيا ، فانه يشعل حربا يذهب ضحيتها مئات الاف الشبان في مقتبل العمر . وكذلك زعماء أوروبا تقودهم بريطانيا بعقل الاستعمار القديم وألمانيا بقلب الخائف الجبان من أمريكا فانهم يحرقون أوروبا ويعيدونها سبعين عاما للوراء .
قضايا افريقيا وكنوزها المنهوبة من فرنسا وسعيها للتحرر من نير الاستعمار والنهب . أمريكا اللاتينية ومحاربتها شركات النهب الغربية وعملاء الاستعمار.
اما خطاب نتانياهو فهو خطاب منفصل عن الواقع العالمي ويصلح للإسرائيليين والأمريكيين فقط . وانا اّمل انهم صدّقوه حتى لا يكتشفوا الحقيقة الا متأخرا .
خطاب نتانياهو هو تركيبة من العنصرية والكراهية ومليء بخداع الذات . يعتمد على الاستكبار الأمريكي ومحاولة استدراج السعودية لتطبيع مجاني . ولو افترضنا جدلا ان هذا وقع ومثلما يخطط نتانياهو تماما ومن دون اية مقاومة او تدخل فلسطيني . فان إسرائيل التي نعرفها تكون قد شارفت على نهايتها .
قال نتانياهو ان الفلسطينيين لا يشكّلون سوى 2% من العالم العربي . ولنفرض ان هذا صحيح . ولكن إسرائيل لا تشكل صفر بالمائة من المحيط العربي وهي منبوذة اجتماعيا ودينيا وفكريا وسيكولوجيا الى يوم الدين .ولن تحلم بدخول المنطقة الا من خلال إعادة حقوق الشعب الفلسطيني ، واي كلام دون ذلك هو مجرد وهم والأيام اثبتت ذلك .
في حال تم ربط خط اسيا بالمنطقة ، وفي حال ربطت تل ابيب البلاد مع دول الخليج فان إسرائيل التي نعرفها تكون قد انتهت . انتهت فكرا وهوية واقتصادا ومواصلات وديموغرافيا وجغرافيا .
يستطيع أي إسرائيلي عنصري ان يقول : لقد هزمنا الفلسطينيين عسكريا ولا نحتاجهم للتطبيع ّ , وهذا يبدو ممكنا .
ولكن وبعد خطاب نتانياهو الذي اغلق نافذة الامل في وجه الفلسطينيين . يستطيع أي فلسطيني ان يقول : من اليوم فصاعدا سوف نلاحق الإسرائيليين لمئات السنين ولن يعيشوا على هذه الأرض الا خائفين ، لن يهنئوا على هذه الأرض ، ولسوف يهربون من الانتقام طوال حياتهم . سوف يخافون من السير في شوارع القاهرة ومن التسوّق في الدوحة او النوم في المنامة او المكوث في الخرطوم وحتى الرباط .
نتانياهو ( الذي من وجهة نظري ) يعبّر عن غالبية الإسرائيليين اشترى الحاضر . والفلسطيني الذي يأس من دعوات الرئيس لمؤتمر دولي ومدّ يده للمفاوضات ، يشتري تذكرة للمستقبل . وهذا العالم العربي يعيش كل عشرين عام حرب ، وكل عشرين عاما تنقلب الحكومات فيه وعليه . فكم حربا سوف تنتصر إسرائيل وكم جيلا سوف تصمد .
من اليوم يستطيع ان يقول كل فلسطيني ان الإسرائيليين امرا واقعا راهنا مثل فيروس كورونا نضطر ان نتعامل معهم حتى لو وضعنا على وجوهنا كمامات . ولكنهم تاريخيا مجرد سوّاح جاءوا لزيارة فلسطين ارض الديانتين المسيحية والإسلامية . ويوما ما سوف يغادرون الى أوكرانيا والى اوروبا وامريكا .
خطاب الرئيس أبو مازن امام الأمم المتحدة لم يعبّر بالكامل عن غضب الشارع الفلسطيني في جنين ونابلس وقباطيا وكل الضفة ، ولم يعبّر عن يأس شباب غزة من الحصار . وانّما عبّر عن خيال النخبة المخملية التي تخشى المواجهة وتسعى لتكرار دعوة لا يشتريها الطغاة .
خطاب أبو مازن امام المجلس الثوري لحركة فتح هو الذي عبّر عن فؤاد شباب حركة فتح ، وهو الذي عبّر عن جيل فلسطين الغاضب . وان خطابه الذي أغضب دعاة الاستعمار هو القناعة الراسخة في قلب كل شباب فلسطيني مظلوم او محاصر .